زهير إسماعيل: "مواطنون ضد الانقلاب" حركة مقاومة لاستعادة الديمقراطية

زهير إسماعيل لـ"العربي الجديد": "مواطنون ضد الانقلاب" حركة مقاومة لاستعادة الديمقراطية

18 ديسمبر 2022
من تظاهرة لـ"مواطنون ضد الانقلاب" في العاصمة تونس، مايو الماضي (Getty)
+ الخط -

يتذكر التونسيون جيّداً، أسابيع الصمت والذهول التي أصابت الساحة التونسية، عقب انقلاب 25 يوليو/تموز 2021، الذي نفّذه الرئيس التونسي قيس سعيّد حين قام بتجميد عمل البرلمان وحلّ حكومة هشام المشيشي، وسط حالة خوف وترقب وضبابية كبيرة لفّت المشهد في البلاد، وشلّت الحركة وأفقدت المبادرة، إلى أن خرجت مجموعة من مشارب فكرية مختلفة، بدأت تدريجياً تعبّر عن رفضها لما يحصل.

ونبّهت حركة "مواطنون ضد الانقلاب"، وهي مبادرة تضم شخصيات سياسية وحقوقية وقانونية وناشطين، ولدت في شهر سبتمبر/أيلول 2021، وأعلنت أهدافها وخريطة طريقها رسمياً في نوفمبر/تشرين الثاني من ذلك العام، من أن ما قام به سعيّد، ليس سوى إرهاصات حكم فردي يتأسس، وانقلاب تدريجي على الدستور، وحالة استثنائية ستدوم.

الأهداف من تأسيس "مواطنون ضد الانقلاب"

ويعتبر الباحث زهير إسماعيل، أحد أعضاء "مواطنون ضد الانقلاب"، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المبادرة هي "ظاهرة كفاح سياسي ارتبطت بانقلاب 25 يوليو، وهي في جوهرها حركة مقاومة مواطنية "ما فوق حزبية".

ويوضح إسماعيل، أن مؤسسي "مواطنون ضد الانقلاب"، هم "من مشارب أيديولوجية وسير سياسية مختلفة، واختصاصات علمية وأكاديمية متنوّعة، تجسّد فيهم المشترك الوطني، وقد كان غيابه (المشترك) عن الحياة السياسية الجديدة بعد عام 2011 (تاريخ الثورة) من أسباب تعثّر المسار الديمقراطي". 

ويلفت إسماعيل إلى أن "ما جمع بين مؤسسي المبادرة، قبل الانقلاب وعلى مدى سنوات الانتقال العشر أمران: الدفاع عن شروط الديمقراطية في المشهد الحزبي والمنظّماتي، ونقد جذري لعشرية الانتقال واشتغال على تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس، في سياق ما عرفه المجال العربي من اتجاه عام إلى تأسيس الديمقراطية في مواجهة نظام الاستبداد العربي".

ويذكّر الباحث بأن "تجربة الانتقال إلى الديمقراطية في تونس مثّلت استثناءً (في العالم العربي)، قياساً إلى تجارب أخرى تحوّلت إلى حروب أهلية أو تم الانقلاب عليها".

زهير إسماعيل: المبادرة هي ظاهرة كفاح سياسي ارتبطت بانقلاب 25 يوليو

ويستطرد إسماعيل بالقول إن "مبادرة مواطنون ضدّ الانقلاب خرقت الصمت الذي خيّم على المشهد السياسي بعد ما يقارب الشهرين على الانقلاب، ونزلوا إلى الشارع بداية من 18 سبتمبر 2021، واعتبروا إجراءات سعيّد الاستثنائيّة انقلاباً على الدستور والديمقراطية، مشدّدين على أن الانقلاب يقاوَم ولا يعارض".

واستتبعت ذلك، كما يشير، "جولات من السجال السياسي والنضال الميداني على مدى أشهر تمكّنت خلالها مبادرة مواطنون ضدّ الانقلاب من بعث شارع ديمقراطي من وسط المشهد الحزبي المنهك، مدافع عن الدستور والديمقراطية، وهو الشارع الذي صوّت لقيس سعيّد وأوصله إلى سدّة الرئاسة انتصاراً للثورة ولمسار بناء الديمقراطية". وتمكنت "مواطنون ضد الانقلاب"، من "دحض سردية التفويض الشعبي التي بنى عليها سعيّد انقلابه، وأظهرت أن الانقلاب لا شارع له، وأن استمراره لا يستند إلا إلى دعم الأجهزة"، بحسب شرحه. 

ويضيف إسماعيل أن "المبادرة نجحت في ترسيخ أن حقيقة الصراع الدائر، إنما هو بين الانقلاب والديمقراطية، بينما لم ينجح الانقلاب وروافده في الإقناع بعنوان "تصحيح المسار" الذي أراد تكريسه". 

ويؤكد إسماعيل أنه "تمّ التشديد على أن الخطأ تحت سقف الديمقراطية لا يبرّر خطيئة الانقلاب على الديمقراطية وهدم مؤسسات الدولة، كما تمّ فضح هوية الانقلاب وتبيان أن المنظومة القديمة هي سنده الحقيقي، وأن سعيّد ليس إلا واجهة للمصالح القديمة، وأن الانقلاب في حقيقته ثأر لنظام زين العابدين بن علي من الثورة". ويعتبر أنه كان لكل هذا الحراك "الأثر الكبير على المشهد السياسي واضطَرّ العديد من القوى السياسية والاجتماعية التي ساندت الانقلاب إلى الانفضاض من حوله". 

ظهور "جبهة الخلاص الوطني"

ويذكّر إسماعيل ببعض المراحل الهامة في مسيرة "مواطنون" وتطورها، حيث "مثّل ظهور جبهة الخلاص الوطني (أعلن عن تأسيسها رسمياً في 31 مايو/أيار الماضي، وتضمّ مجموعات مدنية وأحزابا) بعد ذلك تتويجاً لعشرة أشهر من المواجهة المفتوحة بين مواطنون والانقلاب، وكان إضراب الجوع السياق الذي انطلقت فيه عملية التجبيه، وقد مثّل الإضراب منعرجاً نوعياً في الحراك المواطني الذي استقطب أوسع طيف سياسي والنخب الثقافية والأكاديمية والشخصيات الوطنية". 

ويعتبر الباحث السياسي أن "جبهة الخلاص جاءت تتويجاً لكل هذا ببناء الإطار السياسي للحراك المواطني، وهي التجربة الوحيدة التي سبق مضمونُها شكلَها السياسي، وهو ما حدّد سقفها حتى قبل الإعلان عنها وضبط دورها في مهمّتين: استكمال إسقاط الانقلاب والإعداد الوطني للبديل الديمقراطي". 

ويقول إسماعيل: "يتأكّد أنّ ما حدث يوم 25 يوليو 2021 كان بدوره تتويجاً لمسار انقلابي عرف انطلاقه يوم هروب بن علي. وقد كان تاريخ الانتقال الديمقراطي في تونس في حقيقته تاريخ محاولات الانقلاب على المسار نفسه". وهذا ما حدا بـ"مواطنون" إلى الجزم بأن صراع ثورة/ثورة مضادة بامتداداته الإقليمية والدولية هو التوصيف الفعلي لما حدث في تونس، وأنه لا مبالغة بالقول إن معركة بناء الديمقراطية هي "حرب عالمية" بكل ما في الحرب العالمية من شروط. فلكل محاور الصراع الدولي القديمة والمتحولة حضور في المشهد التونسي"، على حدّ وصفه.

"مواطنون ضد الانقلاب" تمكنت من دحض سردية التفويض الشعبي التي بنى عليها سعيّد انقلابه

ويؤكد إسماعيل أن "مواطنون ضد الانقلاب انتهوا إلى أنهم يتحولون من مواجهة انقلاب إلى مواجهة نظام حكم دكتاتوري، وهو ما يجعل منهم مقاومة جذرية لن تتوقف حتى إسقاط الدكتاتورية واستعادة الديمقراطية". 

ويعتبر الباحث أخيراً أن "أهم ما يبرز في تجربة مواطنون ضد الانقلاب الفريدة، هو تمييزهم بين المرحلي والمتمثل في مواجهة الانقلاب الميدانية، وبين الاستراتيجي والمتمثل في توحيد المجال السياسي وتجديد الطبقة السياسية والعمل على بناء ديمقراطية بأسس ثابتة تجعلها قادرة على الاستمرار وتحقيق الرفاه وشروط السيادة".