إذا كان هناك شخص بإمكانه جلب السلام إلى أفغانستان، فإنه المبعوث الأميركي زلماي خليل زاد، أو هكذا صور نفسه طويلا. لكن الدبلوماسي المخضرم أشرف في نهاية المطاف على انهيار الجمهورية التي عمل على بنائها بشق الأنفس.
كلّفت واشنطن المبعوث الأفغاني-الأميركي، البالغ من العمر 70 عاما، بقيادة المحادثات مع "طالبان" على مدى سنوات، لتثمر اتفاقا طوى صفحة أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة، إذ نص على انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان.
جاءت هذه الخطوة بعد أكثر من عام من النشاط الدبلوماسي المكثّف الذي زار خليل زاد في إطاره عواصم أجنبية، فيما حضر قممًا في فنادق فخمة وألقى خطابات أمام مراكز أبحاث مرموقة.
ولطالما أكد للحاضرين أن طالبان على استعداد لمناقشة تسوية. لكن صوت خليل زاد اختفى منذ عادت "طالبان" إلى السلطة في أعقاب انهيار الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة إثر سلسلة هجمات خاطفة، بعدما كانت تصريحاته تنتشر بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي.
وذكرت وزارة الخارجية الأميركية، الأسبوع الماضي، أن المبعوث لا يزال في قطر، حيث يجري اتصالات على أمل التوصل إلى تسوية دبلوماسية.
وأفاد الباحث الرفيع لدى "معهد هادسن" حسين حقاني بأن خليل زاد قال للرؤساء الأميركيين المتعاقبين على السلطة الذين كانوا متحمسين لسحب جنود بلادهم من أفغانستان إنه توصل إلى اتفاق سلام، "لكنه كان في الواقع استسلاما".
وقال حقاني لـ"فرانس برس": "تفاوض بشكل سيئ، دفع طالبان للتجرؤ، وادعى أنه بإمكان المحادثات أن تثمر اتفاقا لتشارك السلطة رغم أن لا نية لطالبان لتشارك السلطة".
مسيرة مهنية طويلة
تولى خليل زاد ملف العلاقة بين الولايات المتحدة وأفغانستان في 2018 بعدما عيّنته إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مبعوثا خاصا للإشراف على المفاوضات مع طالبان.
وأعقبت تكليفه مسيرة مهنية طويلة، إذ شكّل خليل زاد حكومات وليدة في أفغانستان والعراق بعد عمليات اجتياح أميركية متعاقبة، ما أكسبه سمعة بشأن قدرته على جلب المجموعات المتناحرة إلى طاولة المفاوضات.
وأعقبت قرار واشنطن بعقد المحادثات سنوات من العنف المتزايد في كابول. وضمن خليل زاد الغفران عن المؤسس المشارك لطالبان الملا عبد الغني برادر، الذي كان محتجزا في باكستان لإطلاق المبادرة، فيما كان الطرفان يعملان معا للتوصل إلى اتفاق يمهّد لانسحاب واشنطن بعد نزاع دام لنحو عقدين.
وخلال المفاوضات التي استمرت على مدى شهور في قطر، قيل إن خليل زاد تقارب مع وفد طالبان. وأظهرت صور نشرت على الإنترنت المبعوث وهو يضحك مع ممثلي الحركة، ما أثار امتعاضا في أفغانستان حيث كانت الحرب مستعرة.
وعندما تم التوقيع النهائي على اتفاق الانسحاب في شباط/فبراير 2020 خلال حفل باذخ في الدوحة، كان خليل زاد قد حصل على تطمينات مبهمة بمعظمها من طالبان بشأن أي سلام مستقبلي.
وكتبت كيت كلارك، من "شبكة محللي أفغانستان"، في تقرير جديد: "انتزع خليل زاد.. التزاما قويا واحدا فقط (من عناصر طالبان) -- وهو أنهم لن يهاجموا الولايات المتحدة وحلفاءها".
فوات الآوان
وبدا أن الاتفاق لم يكن أكثر من مجرّد سلسلة تنازلات أميركية. تغادر الولايات المتحدة أفغانستان من دون وقف لإطلاق النار ولم تضع حتى إطار عمل لأي عملية سلام مستقبلية ستكون ضرورية للتوصل إلى تسوية تنهي الحرب.
وبدلا من انتزاع ضمانات من طالبان في الأشهر التي تلت الاتفاق، كثّف خليل زاد الضغط على الحكومة الأفغانية فأجبر الرئاسة على إطلاق سراح آلاف السجناء التابعين للحركة الذين عززوا على الفور صفوف مسلّحي الحركة.
وفاقم الاتفاق الضغط على الحكومة عبر إطلاقه عدا تنازليا نظرا لتعهّد الولايات المتحدة بسحب كامل جنودها من أفغانستان بحلول أيار/مايو 2021، في مهلة تم تمديدها لاحقا إلى أيلول/سبتمبر.
ولم يترك ذلك أمام الحكومة الأفغانية الكثير من الوقت والمساحة للمناورة.
وأشعل قرار الرئيس الأميركي جو بايدن، في نيسان/إبريل الماضي، قدما بالانسحاب آخر فتيل، فأطلق العنان لهجوم شامل شنّته طالبان أطاح بالحكومة الأفغانية بالقوة في 15 آب/أغسطس.
وقبل يومين من ذلك التاريخ، بعث النائب الأميركي مايكل والتز (الذي كان جنديا في أفغانستان)، رسالة إلى بايدن ندد فيها بأداء خليل زاد.
وكتب أن خليل زاد "قدّم لك مشورة سيئة وفشلت استراتيجيته الدبلوماسية فشلا ذريعا".
وأضاف "في ضوء هذه الكارثة، يتعيّن على السفير (خليل زاد) الاستقالة فورا أو إقالته من منصبه".
في اليوم ذاته، صدرت آخر تغريدة من خليل زاد ناشد فيها طالبان سحب قواتها التي دخلت كابول.
وقال فيها "نطالب بوقف الهجمات على المدن فورا ونحض على تسوية سياسية ونحذر من أن أي حكومة تفرض بالقوة ستكون بمثابة دولة منبوذة".. وهي دعوات جاءت بعد فوات الأوان.
(فرانس برس)