زعامة جديدة للصحوة في العراق: انتقال للمعسكر الإيراني؟

15 فبراير 2023
سطام أبو ريشة في مؤتمر صحافي بالأنبار، يونيو الماضي (يوتيوب)
+ الخط -

يشتد الصراع السياسي بين أطراف سياسية عدة في الأنبار، كبرى المحافظات العراقية في غرب البلاد، مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية (مجالس المحافظات) المفترض أن تُجرى في منتصف شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.

وينخرط في الصراع، حزب "تقدم" الذي يقوده رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، و"تحالف الأنبار الموحد" الذي يجمع شخصيات سياسية عن العرب السنة، بينهم وزراء ورؤساء برلمان سابقون أبرزهم محمود المشهداني وسليم الجبوري وقاسم الفهداوي ونوري الدليمي.

لكن طرفاً جديداً برز في المعادلة، وهو سطّام أبو ريشة (نجل زعيم الصحوات السابق عبد الستار أبو ريشة) الذي يعارض الحلبوسي، ولا يتفق مع بقية الشخصيات السياسية، ويمضي في خطٍ سياسي ثالث يحظى بدعم الفصائل المسلحة الموالية لإيران، وتحديداً "كتائب حزب الله".

ومساء الجمعة الماضي، أعلنت عدة شخصيات في "مجالس الصحوة"، التشكيل العشائري المسلح الذي أشرفت واشنطن على دعمه وتسليحه عامي 2006 و2007 لمواجهة تنظيم "القاعدة"، في المدن العراقية ذات الغالبية العربية السنية، عن خلع زعيم "المجالس" أحمد أبو ريشة، أبرز حلفاء الحلبوسي، وتسليم القيادة إلى سطّام أبو ريشة.

زعامة جديدة للصحوة

وظهر في مؤتمر صحافي رجال عشائر يمثلون مناطق مختلفة في الأنبار، وغالبيتهم من مدينة الرمادي. وصدر بعد الاجتماع بيان جاء فيه أنه "تمت إعادة الصحوة مجدداً إلى العمل في أرض الأنبار والعراق". وأضاف البيان أن "القادة والمسؤولين أعلنوا عن عزل أحمد أبو ريشة عن الصحوة وتسليم راية قيادة صحوة العراق للشيخ سطام أبو ريشة".


نائب مستقل: سطّام أبو ريشة محسوب على كتائب حزب الله

ويرى مراقبون أن تحوّل قيادة "الصحوة" إلى سطّام المعروف بقربه من "كتائب حزب الله"، حركة تهدف إلى خلق جبهة سياسية حليفة لإيران داخل محافظة الأنبار، وهو ما يزعج الحلبوسي ويزيد من تمكين الفصائل المسلحة التي تسيطر على الشريط الحدودي مع سورية، وتسعى إلى زيادة نفوذها داخل مدن المحافظة.

وسيخلق هذا التغيير تنافساً حزبياً وسياسياً جديداً على مقاعد مجلس المحافظة من جهة، ومجلس النواب من جهة ثانية، ما يُشير إلى بداية صراع قد يطول، وقد يأخذ أشكالاً خطيرة في المستقبل، وفقاً لمراقبين.

ويؤكد نائب مستقل في البرلمان العراقي، أن خطوة "الصحوة محاولة لنقلها إلى النفوذ الإيراني". ويضيف في حديثٍ مع "العربي الجديد" أن "سطّام أبو ريشة محسوب على كتائب حزب الله، بمعنى أن تحوّل زعامة الصحوة إليه فعلياً، يعني انتقال هذا التشكيل إلى المعسكر الإيراني، وأنها أصبحت مصادرة لأحد الأوراق التي كانت محسوبة ضمنياً على الأميركيين، على الرغم من أنه فعلياً لم يعد لها أي أثر على الأرض من ناحية أمنية، بعد دمج أفرادها في الوظائف الحكومية منذ عام 2012".

ويشير النائب المستقل إلى وجود مشاكل تحول دون إكمال هذا الإعلان، أبرزها "أن الصحوة تحولت لكيان سياسي ومسجل في دائرة الأحزاب باسم أحمد أبو ريشة، إلى جانب أن الصحوة وخلال حكومة نوري المالكي (2006 ـ 2014) تعرضت للتفكك وسحب سلاحها، ودمج أفرادها بوظائف حكومية منها الشرطة ووزارات البلدية والكهرباء وحماية الطرق الخارجية وحرس الحدود التابعة لوزارة الداخلية. وهو ما قد يعني أننا أمام محاولة ترميم إيرانية لها لتكون بديلاً في المناطق العربية السنية بشكل أو آخر".

ويشدّد على أن "موضوع الصحوة يعتبر امتداداً للصراع الحالي داخل القوى السياسية في الأنبار، وقد يمتد إلى مناطق أخرى في شمال العراق وغربه".

ويعتبر مسؤول "الحراك الشعبي في الأنبار"، المحسوب على الطرف المناوئ لحزب "تقدم"، علوان الدليمي، أن "الأنبار عانت خلال السنوات الثلاث الماضية من وجود الحزب الواحد (حزب تقدم)، وانتشار عناصر هذا الحزب في كل مفاصل المؤسسات المحلية والأمنية والاجتماعية داخل الأنبار، والتفرد في القرارات مع عدم مراعاة وجود ألوان سياسية أخرى".

ويقول الدليمي في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن "الصراع السياسي ما بين سطام أبو ريشة و(تحالف الأنبار) من جهة، والحلبوسي من جهة ثانية، سببه التفرد بالقرارات ومنع أي حراكات سياسية جديدة للتنفس ضمن المساحة المعقولة داخل المحافظة".

ويلفت إلى أن "سطام أبو ريشة، ابن المحافظة، وأن حراكه الجديد لا يهدف إلى النيل من أي طرف سياسي، بقدر ما أنه يريد أن يدخل على خط إنقاذ المدينة من التغول الذي يمارسه حزب تقدم". ويرى أن "العمل السياسي حق، ويمكن لأي فرد أن يدخل عالم السياسة"، مشيراً إلى أن "سطام لم يتجاوز الأعراف العشائرية في تحويل قيادة الصحوة إليه، وأن عودة الصحوة لم يُعلن عنها لحد الآن، لكن إن اقتضت الحاجة فإنها قد تعود لمساندة الجهود الأمنية وليس كمليشيا خارجة عن القانون".

الأهالي يرفضون حلفاء إيران

من جهته، يشير الناشط السياسي من محافظة الأنبار بكر الكبيسي، إلى أن "الأنبار تشهد حراكاً سياسياً غير عادي، وهناك صراعات حزبية كبيرة تجري بين الحلبوسي وتحالف الأنبار، إضافة إلى الحراك الذي يقوده سطّام أبو ريشة لمحاولة صناعة بديل سياسي قريب من حكومة بغداد، وتحديداً تحالف (الإطار التنسيقي)، وهذا ما يرفضه معظم أهالي الأنبار الذين لا تربطهم علاقات بالفصائل المسلحة، إلا عبر سطام أبو ريشة".

ويكشف في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "سطام على علاقة قوية بالفصائل المسلحة، وهذا اللون السياسي جديد على الأهالي، وهناك ريبة حقيقية مما يحدث حالياً، خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية".


بكر الكبيسي: معظم أهالي الأنبار يرفضون الإطار التنسيقي

ويمتنع أعضاء حزب "تقدم"، وهو الأكبر في المحافظة، عن التعليق على أي مواضيع سياسية، ما يجعل الخلافات لا تظهر إلى العلن بشكلٍ واضح، لكن معظم المصادر تتحدث عن عمق هذه الخلافات ما بين الشخصيات السياسية التقليدية والمعروفة في المحافظة، ومحاولة بعضها الاستقواء بالفصائل المسلحة الموالية لإيران والتي تنشط بمناطق عدة في المحافظة.

بدوره، يوضح الباحث في الشأن السياسي مهند الراوي، أن "المؤتمر الأخير الذي عقد في محافظة الأنبار، حمل اسم (صحوة أهل العراق)، وهو يختلف عن تجمع (الصحوة) الذي يترأسه أحمد أبو ريشة".

ويؤكد في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "المعلومات المتوفرة حالياً تفيد بأن سطام أبو ريشة سيشارك في انتخابات مجالس المحافظات كمنافس للشيخ أحمد أبو ريشة وبقية الأحزاب في المحافظة". ويلفت إلى أن "سطام أبو ريشة لديه علاقات جيدة مع الكثير من قادة الأحزاب في المحافظة وعموم العراق، لكن الحديث مبكر عن توجهه للتحالف مع طرف سياسي معين، كما أن موقف أهالي الأنبار، ما بين متخوف ومؤيد للشيخ سطام".

وتأسست "قوات الصحوة" العشائرية، على يد عبد الستار أبو ريشة (والد سطام)، في نهاية عام 2006 بدعمٍ من القوات الأميركية، وتحديداً الجنرال ديفيد بترايوس، قائد القوات الأميركية في العراق آنذاك، لمواجهة تنظيم "القاعدة"، الذي كان قد سيطر فعلياً على مساحات واسعة في الأنبار، فيما تكفلت واشنطن بدفع أجور المقاتلين الذين استقدمهم أبو ريشة الذي قتل عام 2007 على يد "القاعدة"، بهجوم انتحاري، حينها تحولت قيادة "الصحوة" إلى شقيقه أحمد أبو ريشة.

المساهمون