توقف إطلاق النار بين "الجيش الوطني" السوري المعارض ومجموعات تتبع "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) في ريف حلب الشمالي، وسط أنباء عن اتفاق تم بين الطرفين تحت ضغط تركي يقضي بتسليم معبر الحمران، محل الخلاف الرئيسي، إلى الشرطة العسكرية بهذا "الجيش"، الذي تستغل هذه الهيئة تشرذم فصائله للتمدد أكثر في مناطق سيطرته.
ورفض عضو مكتب العلاقات العامة في "الفيلق الثالث" التابع لـ"الجيش الوطني" هشام اسكيف، الخوض في تفاصيل الاتفاق الذي تم مساء الثلاثاء الماضي، بيد أنه قال، في حديث مع "العربي الجديد": "لا يوجد حالياً غير وقف إطلاق النار".
لكن مصادر في "الجيش الوطني" أكدت حدوث اتفاق ينص على إزالة السواتر الترابية على الطرقات، وانسحاب العناصر الموجودين على الحواجز إلى مقارهم، وتسليم "الجيش الوطني" القرى والبلدات التي سيطرت عليها المجموعات التي تدور في فلك "هيئة تحرير الشام" الثلاثاء. كما قضى الاتفاق بتسليم معبر الحمران إلى الشرطة العسكرية في "الجيش الوطني"، وتشكيل إدارة مدنية مسؤولة عن جميع المعابر والموارد في منطقتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، وعودة الفصائل إلى مقارها التي خرجت منها أثناء الاقتتال، بالإضافة إلى إطلاق سراح المعتقلين.
الفاروق أبو بكر: مغامرة الجولاني فشلت في ريف حلب الشمالي
وشهد ريف حلب الشمالي توتراً على مدى الأسبوعين الأخيرين بين "الجيش الوطني" ومجموعات منضوية في "تجمع الشهباء" تتبع "تحرير الشام"، سببه الرئيسي السيطرة على معبر الحمران الذي تدخل عبره المحروقات من منطقة سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) إلى الشمال السوري.
واقتتل الطرفان الثلاثاء في عدة مناطق في ريف حلب الشمالي، حيث يجهد "الجيش الوطني" لإبقاء نفوذه في هذا الريف المضطرب، والذي يعاني من فوضى أمنية بسبب ازدحامه بعشرات الفصائل متباينة الأهداف. ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 16 عنصراً خلال الاشتباكات، تسعة منهم من فصائل "الجيش الوطني" والباقون من المجموعات التابعة لـ"تحرير الشام" في ريف حلب الشمالي.
وتعد الخلافات التي تضرب فصائل هذا "الجيش" هي الثغرة الواسعة التي تستغلها "تحرير الشام" للتمدد أكثر في منطقتي "غصن الزيتون" (عفرين وريفها شمال غربي حلب)، و"درع الفرات" (ريف حلب الشمالي) واللتين تخضعان لهذا "الجيش".
فشل مغامرة الجولاني
من جهته، أكد الفاروق أبو بكر، وهو قيادي في "الجيش الوطني"، في تصريح مع "العربي الجديد"، أن "مغامرة (أبو محمد) الجولاني (قائد هيئة تحرير الشام) فشلت في ريف حلب الشمالي"، مضيفاً: لا يمكن السماح للجولاني بالتمدد في شمال حلب.
ولطالما شهد ريف حلب الشمالي حوادث اقتتال بين فصائل المعارضة السورية المختلفة، والتي تنتهي عادة باتفاقات وتفاهمات هشة لا تصمد كثيراً. فالصراع على النفوذ يتجدد بين وقت وآخر في هذا الريف محدود الموارد والذي يضم أعداداً هائلة من النازحين.
ورأى المحلل السياسي محمود السايح، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الاتفاق المبرم الثلاثاء الماضي بين "الجيش الوطني" و"هيئة تحرير الشام" يمكن أن يصمد، مشيراً إلى أن "أذرع الهيئة في مناطق سيطرة الوطني غير قادرة على تغطية مساحات واسعة". وأعرب عن اعتقاده بأن "مغامرة الجولاني فشلت"، مضيفاً: "هو غير قادر على فرض أمر واقع جديد على الأرض".
الكلمة الفصل لدى الأتراك
وبرأيه فإن "الكلمة الفصل فيما يجري لدى الجانب التركي"، والذي يفرض نفوذه على كامل الشمال السوري الخارج عن سيطرة النظام سواء الخاضع للهيئة أو لفصائل "الجيش الوطني".
وتشير المعطيات إلى أن "تحرير الشام" تعتمد استراتيجية زرع مجموعات لها في مناطق سيطرة "الجيش الوطني" في ريف حلب، والاعتماد عليها في توسيع نفوذها كخطوة أولى لفرض سيطرة على هذا الريف، وهو ما حاولته أواخر العام الماضي حيث استولت على عفرين، وكادت أن تتقدم باتجاه اعزاز، معقل المعارضة البارز في شمال البلاد، لولا التدخل التركي المباشر.
وتفرض "هيئة تحرير الشام" سيطرة مطلقة على الشمال الغربي من سورية وتديره من خلال حكومة "الإنقاذ"، إلا أنها كما يبدو تضع السيطرة على الشمال السوري كله في مقدمة أهدافها، ولكن الرفض الأميركي يحول دون ذلك.
رشيد حوراني: هيئة تحرير الشام وسعت قاعدتها من خلال العمل مع فصائل أخرى
وربطت الهيئة عدة فصائل تابعة لـ"الجيش الوطني" بها، وهو ما يسهّل مهامها في التمدد في ريف حلب الشمالي الذي يضم عدة معابر تجارية، وخصوصاً مع "قسد"، أبرزها معبر الحمران الذي تدخل من خلاله المحروقات إلى شمال سورية، وهو أبرز أهداف هذه الهيئة لتمويل نشاطها في مناطق سيطرتها في محافظة إدلب وبعض محيطها.
"تحرير الشام" توسع قاعدتها
وفي هذا الصدد، بيّن المحلل العسكري في مركز "جسور" للدراسات رشيد حوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هيئة تحرير الشام حين دخلت مناطق شمال حلب (درع الفرات وغصن الزيتون) مستغلة اقتتالاً فصائلياً، لم تخرج إلا بعد زرع وجود لها وتوسيع قاعدتها من خلال العمل مع فصائل أخرى، ويعتبر "تجمع الشهباء" مثالاً على ذلك".
وأشار إلى أن الهيئة "تمكنت أخيراً من الوصول إلى جرابلس والباب بذريعة دعم العشائر في مواجهة قسد، بعد أن شنت قسد شرق الفرات عملية عسكرية ضدهم".
وأشار إلى أن "الاتفاق الذي جرى الثلاثاء ينص في أحد بنوده على تسليم المناطق التي سيطر عليها تجمع الشهباء للقوة المشتركة، المكونة من فصيلي فرقة الحمزة والسلطان سليمان شاه، ويعد ذلك لصالح الهيئة لأن القوة المشتركة موالية للهيئة أكثر من موالاتها للجيش الوطني".
وتابع: "عليه فإن الهيئة ستحصل نتيجة ذلك على نفوذ كنفوذها في عفرين بحيث تكون فيه هي المسيطرة على أرض الواقع وفي الظاهر فصائل الجيش الوطني".
ورأى حوراني أن "هيئة تحرير الشام تستفيد من عدة عوامل، أبرزها تشتت فصائل الجيش الوطني وعدم قدرتها على إدارة مناطقها بشكل مركزي، بما يتعلق بالعمل العسكري"، مضيفاً: "الهيئة تسعى بشكل متدرج لبسط نفوذها على كامل الشمال السوري".