روسيا وميانمار... اختبار مبكر لسياسة بايدن الخارجية

02 فبراير 2021
بايدن تعهد بدعم الديمقراطية في العالم(Getty)
+ الخط -

يشكل الانقلاب العسكري في ميانمار والقمع الجماعي بحق المعارضين في روسيا اختباراً مبكراً لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، في وقت تحاول إعادة ترسيخ التفوق الأميركي كقائد عالمي مؤيد للديمقراطية.

وأثناء توليه منصبه، تعهد بايدن باستعادة الدعم الأميركي الجاد لحقوق الإنسان وحرية التعبير والانفتاح السياسي، لكن الرئيس يواجه تحديين جديين في جزأين متباينين من العالم؛ أحدهما تم إهماله والآخر كان موضع رسائل غير متضاربة خلال عهد دونالد ترامب.

وتواجه الولايات المتحدة الآن، بعد استثمار عقود من الوقت والطاقة والمال في تعزيز الديمقراطية في كل من ميانمار وروسيا، تحديات يمكن أن تؤثر على ميزان القوى العالمي، حيث يتوقع أن تعزز الاضطرابات في ميانمار نفوذ الصين في المنطقة.

وعلى الرغم من أنه لا يمكن ربط أي من الحالتين بشكل مباشر بالأحداث الداخلية التي شهدتها الولايات المتحدة خلال الأشهر الأخيرة من ولاية ترامب، يعتقد بعض الخبراء أن تلك الأحداث ستلقي بظلالها على الساحة العالمية.

ورفض مساعدو بايدن التكهنات بأن يمثل اقتحام الكابيتول، من قبل أنصار ترامب في 6 يناير/ كانون الثاني، ضرراً للنفوذ الأميركي على المدى الطويل. لكنهم اعترفوا بذلك كعامل للإضرار بهذا النفوذ خلال محاولة بايدن إعادة تأكيد القيادة الأخلاقية الأميركية بعد أربع سنوات من شعور ترامب بعدم الثقة.

اختبار الديمقراطية

وقالت السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض جين بساكي عن بايدن، أمس الإثنين: "الولايات المتحدة لا تزال الدولة الوحيدة في العالم التي يُنظر إليها للاضطلاع بالقيادة، وسوف يستغرق الأمر بعض الوقت، لكنها بالتأكيد ملتزمة بفعل ذلك".
جاءت تصريحات بساكي بعد بيان بايدن الذي قال فيه إنه سيدرس إعادة فرض العقوبات على ميانمار، والتي تم رفعها بعد العودة الجزئية للبلاد إلى الديمقراطية.
وقال داني راسل، المساعد السابق لوزيرة الخارجية لشؤون شرق آسيا والمحيط الهادئ، والذي يشغل الآن منصب نائب الرئيس لشؤون الأمن الدولي والدبلوماسية في معهد سياسات مجتمع آسيا، لوكالة "أسوشييتد برس": "هذه نكسة لميانمار وللحكم الديمقراطي في جميع أنحاء آسيا. إنها عودة مؤسفة نحو الاستبداد وتضرب مثالاً مروعاً للبلدان الأخرى".
وطالما عُدّ صعود الديمقراطية في ميانمار إنجازاً رئيسياً للرئيس السابق باراك أوباما ونائبه حينذاك بايدن، باعتباره شكّل فتحاً لدولة مغلقة تدور في فلك الصين.
لكنّ الزعيمة المدنية أونع سان سو تشي وحاملة نوبل للسلام التي اعتقلت مع مسؤولين آخرين، أمس الإثنين، إثر الانقلاب، كانت تخسر الدعم الغربي بشكل متسارع مع صمتها حيال وحشية الجيش البورمي ضدّ أقليّة الروهينغا، وهو صمت فسّره البعض بأنه محاولة لعدم معادة الجيش.
وحذّر بايدن في بيان قوي، أمس الإثنين، ميانمار من إعادة فرض العقوبات عليها، معرباً عن دعمه الثابت لمبدأ الديمقراطية الذي يتوافق مع وعوده خلال حملته الانتخابية بطيّ صفحة سلفه دونالد ترامب الذي اعتاد الإشادة بالحكّام المستبدّين.
وقال بايدن في بيانه إنّ "الولايات المتحدة ستدافع عن الديمقراطية في أي مكان تتعرّض فيه لاعتداء"، مطالباً الجيش البورمي بـ"التخلي بشكل فوري عن السلطة التي استولى عليها".

ثقل أميركي أقلّ 
وقال ديريك ميتشل أول سفير لواشنطن لدى ميانمار بعد انتقالها إلى الحكم المدني، إن الولايات المتحدة لم تعد تتمتّع بنفس النفوذ.
وأضاف، لوكالة "فرانس برس": "أعتقد أن أزمة الروهينغا أعادت الأمور إلى الوراء بشكل كبير، والسبب الجلي هو تحدّثنا علانية عن الإبادة الجماعية التي حصلت وعملنا ضدّها، ولكن ذلك جاء على حساب علاقاتنا".
وحضّ ميتشل، الذي يرأس اليوم المعهد الديمقراطي الوطني الأميركي، بلاده على التنسيق مع حلفائها، وقال إنّ على العالم أن يحترم الانتصار الساحق الذي حقّقته الرابطة الوطنية للديمقراطية بزعامة سو تشي في انتخابات العام الماضي.
وأضاف أنّ الغرب "ربما اعتبرها أيقونة للديمقراطية في العالم قبل أن يخبو هذا البريق. لكن إذا كنت مهتماً بالديمقراطية في العالم، عندها عليك احترام الخيار الديمقراطي وهي تمثّله بوضوح".
ولفت إلى أن "الأمر لا يتعلق بالشخص، بل بالعملية".
وفي أمر نادر في واشنطن، فإن سياسة ميانمار حظيت بإجماع الديمقراطيين والجمهوريين، وكان السناتور الجمهوري البارز ميتش ماكونيل داعماً صريحاً لسو تشي.
وقالت سوزان ديماجيو من معهد كارنيغي للسلام الدولي، لـ"فرانس برس" إنّ على إدارة بايدن اختبار الدبلوماسية والامتناع عن فرض عقوبات بشكل فوري، وهي أداة استخدمها ترامب بشكل يومي خلال ولايته.
وأضافت أنّ "ميانمار اختبار مبكر غير متوقّع لإدارة بايدن التي تعتبر حقوق الإنسان والديمقراطية ركنين أساسيين للسياسة الخارجية الأميركية".
واعتبرت أنّ "إيفاد مبعوث رفيع على وجه السرعة إلى نايبيداو، يتمتّع بدعم الحزبين الرئيسيين في الكونغرس، قد يكون خطوة تالية مناسبة".

صعوبة مواجهة روسيا
وفي روسيا، على الرغم من مكائد ترامب السياسية، كانت النار تضطرم تحت الرماد منذ سنوات بعد محاولات لجرّ موسكو إلى الحظيرة الديمقراطية؛ بدءاً من نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي. ستكون مواجهة الروس أكثر صعوبة.
هناك، يستخدم الرئيس فلاديمير بوتين قبضة من حديد في محاولة لقمع التظاهرات المؤيدة للمعارض أليكسي نافالني، في مواجهة تحذيرات من واشنطن وأوروبا.
وقال دان فرايد، دبلوماسي أميركي كبير سابق في أوروبا، الذي يعمل الآن في المجلس الأطلسي، لوكالة "أسوشييتد برس"، "إنه تحدٍ لبايدن، لكنهم لا يتحدونه بشكل مباشر". وقال إن "العقوبات قد لا تكون فعالة على المدى الطويل لكنها ستلفت الانتباه".
(أسوشييتد برس، فرانس برس)

المساهمون