روسيا تنسف سبب وجود اللجنة الدستورية السورية: الأسد باقٍ

29 ديسمبر 2021
لافرنتييف مشاركاً في مؤتمر بدمشق عام 2020 (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

بعدما نجحت روسيا في ضرب كل الجهود الدولية لإيجاد حل سياسي في سورية، وخلق مسارات متعددة من الحوارات بلا نتيجة، وإثر نجاحها بإعادة بسط سيطرة نظام بشار الأسد على مناطق واسعة من سورية، باتت تتحدث بشكل واضح عن رفض تغيير السلطة القائمة في دمشق، وهو ما يؤكد عدم جديتها بالتعاطي مع القرارات الدولية الداعية صراحة إلى إجراء تغيير حقيقي في بنية السلطة في البلاد.

وفي تصريحات جديدة، قال ألكسندر لافرنتييف، مبعوث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى سورية، أول من أمس الإثنين، إن إعداد دستور جديد لسورية يجب ألا يهدف إلى تغيير السلطة في البلاد، خصوصاً أن "حكومة النظام راضية عن الدستور الحالي، وفي رأيها لا داعي لتعديلات".

لكنه أشار إلى أنه "إذا رأت المعارضة إجراء تغييرات، يجب النظر في القضايا التي تهمها وطرحها على التصويت، في استفتاء، أو للموافقة عليها بطريقة أخرى". وأضاف لافرنتييف أنه "إذا سعى شخص ما إلى هدف وضع دستور جديد من أجل تغيير صلاحيات الرئيس، وبالتالي محاولة تغيير السلطة في دمشق، فإن هذا الطريق لا يؤدي إلى شيء".

ودعا لافرنتييف المعارضة إلى طرح "بعض المقترحات الملموسة، وألا تنغمس في التكهنات بأنه لا يمكن أن تكون هناك تغييرات طالما أن بشار الأسد في السلطة".

وحمّل المبعوث الروسي المعارضة السورية مسؤولية التأخيرات والمشاكل التي تظهر في عملية المفاوضات، معتبراً أنه من الخطأ إلقاء اللوم دائماً على النظام، وأنه يجب تحمل المسؤولية من قبل الطرفين.


رفض لافرنتييف إجراء تعديلات لتغيير صلاحيات الرئيس

وتؤكد تصريحات المسؤول الروسي أن موسكو لم تكن جادة منذ البداية في التوصل إلى حل سياسي وفق القرارات الدولية ذات الصلة، وفي مقدمتها القرار الدولي 2254 الذي بني على بيان جنيف 1 الذي صدر منتصف عام 2012 ورسم خريطة طريق للحل تفضي إلى تغيير بنية السلطة في سورية.

واتخذت موسكو من مساري التفاوض في جنيف ومسار أستانة سبيلاً لإضاعة الوقت بهدف تمييع القضية السورية، وتثبيت بشار الأسد في السلطة.

استقالة إبراهيم جباوي من اللجنة الدستورية السورية

وفور صدور تصريحات لافرنتييف، أعلن المتحدث باسم هيئة التفاوض التابعة للمعارضة السورية، إبراهيم جباوي، انسحابه من عضوية اللجنة الدستورية احتجاجاً على موقف موسكو.

وفي حديث مع "العربي الجديد"، أشار جباوي إلى أن الهدف من تصريحات المسؤول الروسي "نسف العملية السياسية برمتها"، مستدركاً بالقول: ولكن موسكو ليست اللاعب الوحيد في القضية السورية.

كما أشار إلى أن مفاتيح الحل في سورية "بيد الولايات المتحدة"، مضيفاً: "إذا لم يصدر من واشنطن موقف ضد الموقف الروسي هذا يعني أن هناك تناغماً بين الطرفين حول القضية السورية".

من جهته، اعتبر الائتلاف الوطني السوري في بيان له أمس الثلاثاء، تصريحات المسؤول الروسي "انقلاباً على العملية السياسية وعلى مسار اللجنة الدستورية"، واصفاً إياها بـ"اللامسؤولة"، وبأنها "تدخّل مرفوض في خيارات السوريين وفي مسار العملية السياسية".

وتابع أن "المسار الدستوري جزء من حزمة مسارات في القرار الدولي 2254، ولا بد من فتح بقية المسارات وعلى رأسها مسار هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية. وهذا الأمر من مسؤولية الأمين العام للأمم المتحدة، والدول الفاعلة في المجتمع الدولي".

وأكد الائتلاف أن "موقف الشعب السوري واضح بشأن ضرورة محاسبة مجرمي الحرب وفي مقدمتهم رأس النظام"، مضيفاً أن "على من يحلم ببقاء مجرم الحرب بشار في السلطة، أو بأي دور له في مستقبل سورية، أن يستفيق من وهمه".

ومنذ بدء جولات اللجنة الدستورية أواخر عام 2019، حرص النظام السوري على إضاعة الوقت وحرْف اللجنة عن مسارها، لذا كانت نتيجة ست جولات من التفاوض في جنيف تحت إشراف الأمم المتحدة صفراً.

وكان موقف النظام واضحاً منذ البداية وهو رفض القرارات الدولية وهو ما تدركه المعارضة جيداً، إلا أنها تضطر للذهاب في كل مرة إلى جنيف استجابة لضغوط إقليمية ودولية كي لا تظهر بمظهر المعطّل للعملية السياسية.

وجاء الموقف الروسي الجديد عقب تراجع اهتمام واشنطن بالقضية السورية. ويقتصر التعامل الأميركي مع هذه القضية على فرض عقوبات اقتصادية على النظام ورموزه، أثبتت الوقائع أنها لم تكن ذات جدوى في دفع بشار الأسد للتراجع عن رفضه تسهيل مهام الأمم المتحدة التي فشلت فشلاً ذريعاً في تطبيق القرارات الدولية.

وعلى الرغم من ذلك لم يصدر حتى اللحظة موقف عن الأمم المتحدة يحمّل النظام مسؤولية هذا الفشل، بل إن المعارضة اتهمت المبعوث الدولي غير بيدرسون بشكل غير رسمي، بالتماهي الكامل مع الرؤية الروسية للحل، القائمة على تثبيت الأسد في السلطة.

انتظار موقف الولايات المتحدة

ورأى الباحث السياسي رضوان زيادة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تصريحات لافرنتييف "ترجمة عملية للسياسة الروسية في سورية لجهة تعطيل العملية السياسية".

وحول الموقف المتوقع من واشنطن حيال هذه التصريحات، قال زيادة: "حتى لو صدر موقف رافض فإن السياسة الأميركية إزاء سورية لن تتغير. سورية ليست أولوية في السياسة الخارجية الأميركية الآن".


المعارضة اتهمت بيدرسون بالتماهي مع الرؤية الروسية للحل القائمة على تثبيت الأسد

وفي السياق، قال المحلل السياسي المختص بالشأن الروسي طه عبد الواحد، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "لا جديد في تصريحات لافرنتييف"، مضيفاً: "لا أجد أنه قال شيئاً غير متوقع في الموقف الروسي تجاه سورية".

وتابع بالقول: "لا أحد يقف في وجه المشروع الروسي في سورية. تركيا لديها مصالحها التي تنطلق منها في تعاطيها مع الملف السوري، وهناك دول عربية تطالب بعودة النظام إلى الجامعة العربية، وموسكو باتت اليوم مؤمنة بأنه بمقدورها الإبقاء على الأسد".

ولا يستبعد عبد الواحد أن تكون تصريحات لافرنتييف التي "كشف فيها من دون مواربة حقيقة موقف بلاده في الشأن السوري" بمثابة رد فعل مسبق على الحراك السياسي الذي يقوده رئيس الوزراء المنشق رياض حجاب في الدوحة.

وأضاف: "رياض حجاب معروف بصلابة موقفه لاسيما في موضوع كيفية تطبيق القرارات الدولية، وتمسكه برحيل الأسد".

ولفت إلى أن موسكو "تدرك أن لدى حجاب القدرة والدعم الإقليمي لتشكيل معارضة حقيقية مؤثرة"، مضيفاً أن "الروس يخشون على ما يبدو أن تؤدي عودته (حجاب) إلى الواجهة إلى تحريك المواقف الغربية وتفعيلها، باعتبار أن الغرب سيجد فيه شخصية يمكن التعامل معها وقادرة على قيادة المعارضة".

المساهمون