رهانات 17 ديسمبر... إنقاذ الثورة والديمقراطية التونسية

17 ديسمبر 2021
خلال تظاهرة في العاصمة تونس ضد قرارات سعيّد (حسام زويري/الأناضول)
+ الخط -

لم يتردد الرئيس التونسي قيس سعيّد قبل نحو أسبوعين، في القول إن موعد انطلاق الثورة التونسية في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2010، هو عيد الثورة الحقيقي، وليس 14 يناير/ كانون الثاني الذي شهد هروب الرئيس آنذاك زين العابدين بن علي وسقوط نظامه بالكامل. لا بل ذهب سعيّد أبعد من ذلك، بقوله إن تاريخ 14 يناير كان "ضرباً للثورة وإجهاضاً لها".

ولم يتوقف الرئيس التونسي عند تقديم هذه القراءة كوجهة نظر تاريخية وتقويمية للأحداث، وإنما حوّلها بفعل قوة المراسيم التي بين يديه، إلى قراءة رسمية، عبر إلغاء موعد 14 يناير وتحويل 17 ديسمبر (يصادف اليوم الجمعة)، إلى عيد الثورة الرسمي.

وجاء ذلك على الرغم من أنّ الخطوة تتضارب مع الدستور، الذي لا يزال قائماً نظرياً، والذي يرد في توطئته بوضوح، ذكر "ثورة 17 ديسمبر 2010 - 14 جانفي (يناير) 2011"، في إطار الإقرار بمسار كامل من النضالات التي قادت إلى ميلاد الثورة التونسية وتأسيس الجمهورية الثانية.

اختبار المعارضة التونسية

ولن تكون الأنظار متجهة في تونس إلى عدد الذين سيخرجون لإحياء ذكرى الثورة اليوم، بدلاً من 14 يناير، إذ إن التونسيين يجمعون على رمزية ومركزية تاريخ 17 ديسمبر. لكن اليوم سيكون موعداً لاختبار المعارضة التونسية في الشارع وقدرتها على التحشيد، ضد تصوّر شخصي للرئيس ورؤية فردية بشأن خريطة طريق لحل الأزمة.

وكان سعيّد قد استبق موعد 17 ديسمبر الذي كانت المعارضة حددته لتنظيم احتجاجات جديدة، وأطلق قبل أيام خريطته لحل الأزمة، والتي تضمنت استفتاء على الدستور وإبقاء مجلس النواب مجمداً لحين تنظيم انتخابات نيابية مبكرة في أواخر العام المقبل، وذلك لقطع الطريق على المعارضة.

أعلنت رئاسة البرلمان رفضها المطلق لتعطيل مجلس نواب الشعب سنة أخرى

واستدعت هذه الخريطة مواقف منددة عدة داخلياً، أحدثها من رئاسة البرلمان التونسي، التي عبّرت، أمس الخميس، عن "رفضها المطلق لتعطيل مجلس نواب الشعب سنة أخرى"، معتبرةً هذا الإجراء "غير دستوري وغير قانوني".

وأشارت رئاسة البرلمان في بيان، إلى أنّ "الخطاب الذي أدلى به رئيس الجمهورية بتاريخ 13 ديسمبر 2021، جاء لمزيد من تمديد (حالة) الخروج عن الدستور والحكم الفردي، وهو ما عمق الأزمة السياسية في البلاد وزاد من انعكاساتها المالية والاقتصادية والاجتماعية وفاقم من عزلة تونس الدولية".

ورأت أن "الخروج من الأزمة التي تعمقت في البلاد، لن يكون إلا بالإلغاء الفوري للإجراءات الاستثنائية، والدخول في حوار وطني شامل للتحديد الجماعي لمستقبل البلاد".

واعتبرت رئاسة البرلمان أن "أي تحوير في الدستور يكون عبر الإجراءات الدستورية"، رافضةً "أي مساس بهذا التمشي الذي حدده دستور 2014"، وشددت على "حق النواب في النضال السلمي والمشروع، دفاعاً عن الديمقراطية وعن المجلس المنتخب بإرادة شعبية حرة".

وتراهن المعارضة التونسية على اليوم، الجمعة، لتثبت مرة أخرى للداخل والخارج أن رقعة المعارضين لقرارات الرئيس تتّسع، وأن جزءاً كبيراً من التونسيين يرفضون الإقصاء والبقاء على الهامش في تصوّر مستقبل بلادهم.

 

حشد مبكر لـ17 ديسمبر في تونس

وحشدت منظمات وأحزاب ومبادرات متعددة أنصارها لهذا اليوم. وأعلنت مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" عن انطلاق تحركاتها الاحتجاجية خلال شهر الثورة، بداية من يوم 17 ديسمبر وحتى 14 يناير المقبل، للمطالبة بإسقاط الانقلاب وعودة الديمقراطية.

وأوضحت المبادرة، في بيان على صفحتها بموقع "فيسبوك"، أن أبرز مطالبها تتمثل في "إنهاء العمل بالتدابير الاستثنائية التي أقرها الرئيس التونسي قيس سعيد في 25 يوليو/ تموز الماضي، وما تبعها من قرارات وإجراءات للمسك بجميع السلطات التنفيذية والتشريعية، وتعليق العمل بالدستور وتجميد البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه".

وأشارت إلى أن التحركات "ستنطلق من شارع الثورة في تونس العاصمة بداية من صباح 17 ديسمبر، في وقفة عز وتصميم لمواجهة انقلاب 25 يوليو".

ولفتت المبادرة إلى أن "هذه الوقفة تتزامن مع ذكرى اندلاع شرارة ثورة الحرية والكرامة، وهي تفتتح مساراً كفاحياً متصاعداً في الشوارع على امتداد شهر الثورة حتى يوم 14 يناير، ذكرى هروب المخلوع، والتي ستكون ذكرى إغلاق قوس الانقلاب الكريه، وإنهاء كل إجراءاته الاستثنائية، واستئناف مسار البناء الديمقراطي".

وقال عضو المبادرة رضا بلحاج، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الخروج يوم 17 ديسمبر له رمزية تاريخية، فهو تاريخ انطلاق الثورة، وبداية مسار الانتقال الديمقراطي الذي عرفته تونس، وهو يمثّل هذا العام وبصفة خاصة أول موعد بعد الإجراءات التي بدأها سعيّد في 25 يوليو، ومحاولته تمرير برنامجه الذي أعلن عنه في 22 سبتمبر/ أيلول الماضي، وفي خطابه الأخير يوم 13 ديسمبر".

حشدت منظمات وأحزاب ومبادرات متعددة أنصارها لهذا اليوم

وأضاف بلحاج أن "هذا التاريخ يمثّل أهمية قصوى ومناسبة للتعبير عن رفض المسار الذي اختاره سعيّد، وللمطالبة بالعودة إلى الشرعية والتخلي عن الحكم الفردي وجمع السلطات".

وأوضح أن "الأهم هو التذكير بالاستحقاقات الاجتماعية، فالبلاد في وضع إفلاس اقتصادي، فضلاً عن مالية عمومية متردية، فيما سعيّد لا يعطي ذلك أهمية"، معتبراً أن هذه المسائل "ستكون عاملاً حاسماً في التطورات المقبلة".

وأكد بلحاج أن "كل هذه الرهانات تجعل (مواطنون ضد الانقلاب) تتحرك في 17 ديسمبر وفي المواعيد المقبلة"، موضحاً أن "الرهان هذه المرة سيكون على غلق قوس الانقلاب والعودة للشرعية، بتحركات متتالية تهدف إلى التعبير عن جزء من الشعب لا يتوافق مع سعيّد، وعن نواب تم إقصاؤهم بطريقة غير شرعية وبالضد من الإرادة الشعبية، على الرغم من أنهم منتخبون من الشعب".

وشدد على أن "الوعود التي قدمها سعيّد من أجل التشغيل واسترجاع الأموال المنهوبة وتوزيعها على الفقراء، والتذرع بـ17 ديسمبر للقول إنه سيكون العيد الوطني، يتبيّن أن كلها وعود زائفة".

ولفت إلى أن "الفئات الشعبية ستفهم أن ما قدمه سعيّد مجرد سراب، والوضع زاد تدهوراً منذ 25 يوليو إلى اليوم، والرئيس يرى أن سرديته تواجه صعوبات، ولذلك قدّم خطابه قبل أيام (13 ديسمبر) من هذا الموعد (17 ديسمبر)، في استباق ربما لعدم وجود دعم شعبي ومساندة له يوم 17 ديسمبر، ونحن لن نسمح بمحاولة احتكار سعيّد لهذا الموعد لأن المسار يجمع كل التونسيين ولا يفرقهم".

واعتبر بلحاج أن "تشتت الرافضين لقرارات الرئيس إيجابي، لأن البهتة التي حصلت في 25 يوليو تضمحل، وهناك ديناميكية وحركية ووعي بالانقلاب، فعلى الرغم من أن البعض اعتبره في البداية مساراً تصحيحياً، إلا أن الوضع تغيّر، وهناك انخراط في الدفاع عن الديمقراطية".

ورأى أن "هناك تشرذماً أيضاً لأسباب عدة، ومن الأفضل طبعاً أن تكون هذه التحركات واحدة دفاعاً عن الديمقراطية. والحقيقة أن التشرذم سمة من سمات الانتقال الديمقراطي والمشهد السياسي في تونس".

وفي شارع بورقيبة في العاصمة التونسية، تتظاهر اليوم أيضاً أحزاب تنتمي للعائلة الاجتماعية الديمقراطية، للتصدي للإجراءات المعلنة من قبل سعيّد، وتشكيل قوة ضغط لتصحيح المسار والعودة إلى دستور 2014.

بلحاج: الرهان هذه المرة سيكون على غلق قوس الانقلاب والعودة للشرعية

وقد أُعلن عن ذلك في مؤتمر صحافي قبل أيام لأحزاب التيار الديمقراطي، والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، والحزب الجمهوري، والتي عبرت عن رفضها للانقلاب وللقرارات التي أعلن عنها سعيّد، مؤكدة أنه سيتم يوم 17 ديسمبر النزول إلى الشارع "ضمن حراك شعبي للدفاع عن الديمقراطية المهددة".

في السياق، قال الأمين العام لـ"التيار الديمقراطي" غازي الشواشي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الأحزاب الاجتماعية ستكون في الموعد يوم 17 ديسمبر، دفاعاً عن الديمقراطية المهددة، ورفضاً للحكم الفردي والاستبداد بالسلطة أو الاستقواء بها، كما يفعل رئيس الجمهورية".

من جهته، اعتبر حزب العمال، الذي يرأسه حمة الهمامي، أول من أمس الأربعاء، أن خطاب سعيّد الأخير "خطوة متقدمة لفرض مشروعه الاستبدادي"، مشدداً على أن "السقف الزمني للإجراءات الاستثنائية الذي تعهّد سعيّد يوم 25 يوليو الماضي بأنه سيدوم شهراً واحداً خدمة لمصلحة البلاد، تمّ مطه أخيراً لمدة سنة ونصف السنة خدمة لمصلحة سعيّد لا غير".

وانتقد الحزب في بيان له، مشروع سعيّد ووصفه بأنه "ذو طبيعة رجعية لمشروع شعبوي استبدادي"، مؤكداً أن "ما حدث منذ 25 يوليو الماضي، ليس سوى انقلاب من شقّ رجعي في المنظومة، على شق آخر لا يقلّ عنه رجعية".

بدورها، دعت مبادرة "توانسة من أجل الديمقراطية" إلى الاحتجاج اليوم الجمعة. وقال أحد أعضاء هذه المبادرة، الوزير السابق عبد اللطيف المكي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الرهان الحقيقي على 17 ديسمبر هذا العام، يتمثّل في إنقاذ أهم مكتسب للثورة وهو الجمهورية الثانية، وكذلك إنقاذ الديمقراطية".

وأضاف أن "الشارع التونسي نجح في تعديل الكفة، وأصبح الرئيس قيس سعيّد غير قادر على أن يدعي أمام الرأي العام الوطني والدولي أنه يتحدث باسم كل التونسيين"، مؤكداً أن "يوم 17 ديسمبر هذا العام، سيكون أقوى في هذا الاتجاه".

واعتبر المكي أن "سعيّد يريد تزوير التاريخ، ويحاول ضرب ما أجمع عليه التونسيون وثبتوه في دستورهم، ولكن الأمور ستعود إلى نصابها وسنحتفل بالثورة من 17 (ديسمبر) إلى 14 (يناير)".

الأنظار على سيدي بوزيد

وككل عام، تتجه الأنظار إلى مدينة سيدي بوزيد في هذا التاريخ، حيث تكرر الجهة الآهات نفسها على اختلاف الحكام والأنظمة، بأن لا شيء تغيّر في مهد الثورة التونسية.

وفي السياق، أصدر "الاتحاد الجهوي للشغل" في سيدي بوزيد بياناً، أمس الخميس، بعنوان "الانفجار قادم". وقال إنّ الجهة "تحيي الذكرى الحادية عشرة لثورة الحرية والكرامة بكل لوعة ومرارة، في ظرف سياسي واجتماعي واقتصادي غير مسبوق تمر به البلاد عموماً والجهة خصوصاً، بعد أن أصبحت سيدي بوزيد موغلة في التهميش والنسيان ومضرباً للأمثال وعلى كل لسان، وعنواناً بارزاً للفساد، ولقمة سائغة لحملات التضليل والشيطنة والاستهداف المباشر لدعاة حملة مقاومة الفساد المغرضة، إذ تعددت الإيقافات وروعت العائلات ونظمت المحاكمات الاستعراضية".

وأشار البيان إلى "أنه لا فرق في الجهة بين ما قبل 25 يوليو وما بعده، إذ ظلّت مطالب أبنائها الاجتماعية واستحقاقاتهم في التنمية والتشغيل مجرد وعود وهمية غير مفعلة، بل وغير مسموعة''.

لا فرق في سيدي بوزيد بين ما قبل 25 يوليو وما بعده

وأضاف الاتحاد أن "ممثليه سيكونون في الصفوف الأمامية (اليوم)"، محذراً من أن "صمت سيدي بوزيد لن يطول، وسكوت ممثلي الشغالين لن يكون أبدياً وأبناء الجهة يعدون العدة ويستعدون لانفجار قادم كما يجب".

ويستعد العاطلون من العمل من أصحاب الشهادات العليا لتنظيم سلسلة احتجاجات تنطلق من سيدي بوزيد اليوم. وفي السياق، قالت عضو تنسيقية "الانتداب حقي" آمال العماري، في حديث مع "العربي الجديد"، إن زملاءها سيأتون من كل المدن والجهات القريبة للالتحاق بسيدي بوزيد والتجمع هناك والانطلاق في سلسلة احتجاجات.

وأضافت: "نحن لن نجتمع للاحتفال، ولكن للتعبير عن غضبنا، لأن شعار الثورة: شغل حرية كرامة وطنية، لم يتحقق منه شيء. ونحن نطالب بتفعيل القانون رقم 38 القاضي بتشغيل من طالت بطالتهم (الذي ألغاه سعيّد بدعوى أنه غير قابل للتنفيذ). والغريب أنّ الرئيس في قراراته الأخيرة لم يشر ولو بكلمة إلى الملفات الاجتماعية التي تهم أغلب شرائح الشعب التونسي، واكتفى بالحلول السياسية".

وأكدت أنه "جرى التنسيق مع كل ممثلي العاطلين من العمل في بقية الجهات، من أجل الاحتجاج وإيصال الرسالة إلى الجميع للالتفات إلى هذا الملف الحارق".

المساهمون