رمضان قديروف... جندي بوتين للمهمات القذرة

01 مارس 2022
قديروف أثناء توديع قواته الذاهبة إلى أوكرانيا الأسبوع الماضي (يلينا أفونينا/Getty)
+ الخط -

بعد سنوات طويلة من "تطويع" الشيشان الجمهورية الصغيرة في شمال القوقاز الروسي، وحكمها بالحديد والنار، وسجل "دموي" في التعامل مع معارضي السلطات في جمهوريته وروسيا عموماً، يبدو أن الكرملين حدد مهمات جديدة لحاكم الشيشان رمضان قديروف، تتجاوز حدود روسيا إلى أوكرانيا.

وهو ما ينذر بارتكاب جرائم فظيعة في معركة الرئيس فلاديمير بوتين للسيطرة على أوكرانيا. وعلى عكس الإمام شامل الداغستاني (1797 ـ 1871) الذي صدّ القياصرة الروس ومنعهم من السيطرة على جبال القوقاز لمدة ربع قرن (1834- 1859) على الرغم من المعارك غير المتكافئة، والمجازر بحق شعوب القوقاز، إلا أن قديروف قرر أن يكون "جندي بوتين" قولاً وفعلاً، بعدما وصف نفسه بهذه الصفة منذ أشهر، رداً على انتقادات معارضيه.

وقد يكون موقف قديروف أشبه بالتزلف لـ "سيد الكرملين" حتى يواصل حكم الشيشان لسنوات، يأمل أن تزيد عن فترة مقاومة الإمام شامل في حال واصلت موسكو التغاضي عن سجله السيئ في مجال حقوق الإنسان، وتصريحاته المثيرة للجدل.

"الجنرال" رمضان قديروف

وبعد ساعات على إعلان بوتين قرار الحرب ضد أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط الماضي، وقف قديروف هذه المرة بصفة "الجنرال" التي منحها بوتين له منذ سنوات في وسط العاصمة غروزني، ليلقي خطبة في وداع 12 ألف مقاتل شيشاني أرسلهم على عجل إلى جبهات القتال "الأكثر سخونة" في أوكرانيا.

ومع تأكيده أن 70 ألف "متطوع" جاهزون لتنفيذ أوامر القائد العام للجيش الروسي، ويعني بوتين، لم يفت قديروف التشكيك بشرعية الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، والتذكير بموقف القيادة في موسكو. وعلى مبدأ رجال العصابات خاطبه بالقول: "إذا كنت تريد حقاً الالتقاء بنا، فنحن ندعوك بكل سرور إلى فوج أحمد حاجي قديروف".

قديروف لزيلينسكي: اطلب العفو وتقبّل كل الشروط الروسية

واستغل قديروف فرصة الحرب على أوكرانيا، على ما يبدو، للتغطية على فضائحه الأخيرة بشأن احتجاز عائلات المعارضين لحكمه وطريقة إدارته التي أثارت موجة استياء كبيرة وصلت أصداؤها للكرملين.

ومنذ بداية الحرب ينشط قديروف على وسائل التواصل الاجتماعي. وعلى عكس تصريحاته السابقة حول قادة أجانب أثارت حفيظة الكرملين أكثر من مرة، ما اضطر المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إلى التذكير بأن السياسة الخارجية ليست من شأن حكام المقاطعات والجمهوريات، يبدو أن تصريحات "الجنرال المدلل" بشأن أوكرانيا تلقى استحساناً هذه المرة.

وفي استفادة ربما من تجربته السابقة للمحافظة على الحكم نصح قديروف، منذ أيام زيلينسكي بالاعتذار لبوتين، لإنقاذ بلاده من الحرب، وقال في فيديو نشره منذ أيام: "أود أن أقدم نصيحة للرئيس الحالي زيلينسكي، قبل أن يصبح الرئيس السابق لأوكرانيا، عليه أن يسارع ويتصل برئيسنا، قائد القوات المسلحة، فلاديمير بوتين ويطلب الصفح لعدم الاعتذار في الوقت المناسب". وأضاف: "اطلب العفو وتقبّل كل الشروط الروسية. هذا هو الحل الأفضل".

وبعد يومين من التباهي بأن جنوده "البواسل" يؤدون المهمة على أكمل وجه، أقرّ قديروف، اليوم الثلاثاء، بسقوط جنديين وجرح ستة آخرين، ولكن الإقرار بالخسائر التي يمكن أن تكون أكبر جاء ضمن تعليق طويل في قناته على "تلغرام" دعا فيه الأوكرانيين إلى التخلي عن قيادتهم " النازية"، وتفهّم مطالب روسيا وعدم المقاومة لتجنب الخسائر.

وبعد عرض طويل قال: "بالمناسبة، والحديث عن الضحايا، فإن ضمن مواطني الشيشان للأسف بات هناك خسائر، للأسف قتل شخصان رحمهما الله وأيضاً جرح ستة آخرون"، ما يشير إلى طريقة التعامل مع أرواح الجنود كقضية ثانوية في الحروب وفق مفهومه.

ويحكم قديروف جمهورية الشيشان منذ 2007، وهو الحاكم الفعلي للجمهورية منذ مقتل والده أحمد قديروف في عملية اغتيال في 9 مايو/ أيار 2004. وحاز على عدة أوسمة من بوتين، ومنها لقب "بطل روسيا" في عام 2015، وفي 2019 منحه بوتين لقب جنرال في الجيش برتبة لواء.

وحارب قديروف في صفوف الانفصاليين ضد الجيش الروسي في مطلع شبابه مع والده، الذي كان واحداً من قادة الانفصاليين المعادين لروسيا. وبعد انتهاء حرب الشيشان الأولى، منذ عام 1996، عمل كمساعد وحارس شخصي لوالده.

واستطاع الكرملين استمالة قديروف الأب في 1999، الذي أصبح رئيساً للإدارة المؤقتة في الشيشان في عام 2000، وأوكل لابنه رمضان جهاز الأمن التابع له.

وفي عام 2004 وبعد ساعات على مقتل أحمد قديروف في تفجير استهدفه أثناء الاحتفالات بذكرى يوم النصر، عين بوتين رمضان نائباً أولا لرئيس الحكومة الشيشانية ومسؤولاً عن الأمن. ورفض بوتين التماساً من برلمان الجمهورية المحلي بتعديل الدستور وخفض سن الترشح لرئاسة الشيشان تحت سن 30 عاماً للسماح بترشح رمضان للرئاسة، وعين علي ألخانوف رئيساً للجمهورية.

بوتين مستقبلاً قديروف في المقرّ الرئيس في نوفو ـ أوغاريوفو في ضواحي موسكو في عام 2019 (أليكسي نيكولسكي/Getty)
بوتين مستقبلاً قديروف في المقرّ الرئيس في نوفو ـ أوغاريوفو في ضواحي موسكو في عام 2019 (أليكسي نيكولسكي/Getty)

وفي عامي 2005 و2006 عمل رمضان على تقوية أوضاعه في أجهزة الأمن سعياً لوراثة أبيه حين تسنح الفرصة. وفي عام 2007 وبعد اشتداد الصراع على السلطة، تزامناً مع إتمام رمضان عامه الثلاثين، صدر قرار بوتين بتعيينه قائماً بأعمال الرئاسة خلفاً لألخانوف المستقيل، لينتخب بعدها عدة مرات بأغلبية شبه مطلقة في انتخابات لا تختلف عن انتخابات الأنظمة الشمولية في أي مكان في العالم.

وعمل قديروف في السنوات الأخيرة على تعيين أقاربه في مناصب حكومية رفيعة في الشيشان، وفي العام الماضي، عين ابنته البكر عائشة في منصب وزيرة الثقافة على الرغم من أن عمرها لم يتجاوز 22 عاماً.

تصفية رجاله في سياق "الحرب على الإرهاب"

وأثار تحقيق صحافي نُشر في مارس/ آذار 2021 ضجة كبيرة، ونقل التقرير الذي نشرته صحيفة "نوفايا غازيتا" المستقلة المعارضة شهادة من أحد المقاتلين السابقين الذي انشق وهاجر إلى ألمانيا، قال فيها إن قديروف أشرف على قتل كثير من المسلحين بعد اعتقالهم، للإيحاء بأنه يشارك في عمليات مكافحة الإرهاب.

وعمدت السلطات الشيشانية إلى اعتقال عدد من أهالي المقاتل السابق في القوات الخاصة من أجل الضغط عليه لتغيير شهادته، وفقاً لمؤسسات حقوقية روسية.

وبعد نشر "نوفايا غازيتا" التقرير تعرّض مقرها في وسط موسكو لاعتداءات بمواد كيميائية، لم تحدد السلطات الأمنية المسؤول عنها حتى الآن.

كان قديروف معارضاً للكرملين مع والده قبل ان يستميلهما بوتين

وعلى الرغم من هذه الفضيحة ومطالبة مجلس أوروبا موسكو بالتحقيق ومعاقبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات، قال قديروف في 10 مايو/أيار الماضي، إن الرئيس فلاديمير بوتين منح زميد تشالايف قائد فوج الشرطة الخاص بوزارة الداخلية الشيشانية، لقب "بطل روسيا".

ويُتهم قديروف بتصفية المعارضين لحكمه في داخل الجمهورية وخارجها، وفي السنوات الأخيرة تسببت حملة اغتيالات في ألمانيا والنمسا والسويد في أزمات دبلوماسية مع روسيا.

اغتيال الصحافية آنا بوليتكوفسكايا في موسكو

ووُجّهت اتهامات له بالمسؤولية عن اغتيال الصحافية آنا بوليتكوفسكايا في عام 2006، التي أعدّت تقارير عن فظائع الحرب في الشيشان، وقُتلت أمام مدخل بيتها في موسكو، ولم يعرف حتى الآن من أمر بعملية الاغتيال، على الرغم من معاقبة ثلاثة شيشانيين بالسجن.

وفي نهاية فبراير/ شباط 2015، قُتل المعارض الروسي، نائب رئيس الوزراء الأسبق بوريس نيمتسوف على بعد مئات الأمتار من الكرملين، بعد رفضه الحرب على أوكرانيا.

واعتُقل شيشانيون يعملون في الأجهزة الأمنية وحوكموا بتهمة القتل، وقيل إنه لم ترق لهم تصريحات نيمتسوف حول المسلمين، وأغلق الملف من دون معرفة المجرم الحقيقي وراء الاغتيال.

وعلى الرغم من تصريحاته الحادة في القضايا الاجتماعية والثقافية والسياسية التي أثارت أكثر من مرة جدلاً واسعاً في روسيا وخارجها، يمتنع بوتين والكرملين عن توجيه انتقادات علنية لقديروف، الذي استطاع في السنوات الأخيرة ضبط الجمهورية التي طالما وصفت في التسعينيات من القرن الماضي وبداية القرن الحالي بـ"خاصرة روسيا الضعيفة".

تقارير دولية
التحديثات الحية
المساهمون