شهدت الساحة التونسية، على مدى يوم أمس السبت، جدلاً كبيراً بعد زيارة الوفد الأميركي رفيع المستوى لتونس، الذي نقل رسالة مكتوبة من الرئيس جو بايدن إلى الرئيس التونسي قيس سعيد.
وتركزت التعليقات على محاولة تحليل أبعاد الزيارة وأهدافها وشكلها وتوقيتها، ونوعية الضيوف وحجمهم السياسي، وتأويل كل مفردات البيان الأميركي والبيان التونسي، والاختلافات فيما بينهما.
وسارعت بعض الأحزاب إلى التنديد بـ"التدخل الخارجي" في الشأن التونسي.
وأصدرت "حركة الشعب"، المعروفة بدعمها للرئيس سعيد، بياناً قالت فيه إنها تتابع "الدعوات الصادرة من عديد الأطراف الحزبية والسياسية، وخاصة حركة النهضة، للتدخل الأجنبي في الشأن الداخلي تحت شعار حماية الديمقراطية والمسار الديمقراطي، والحملات الإعلامية المحمومة مدفوعة الأجر في بعض وسائل الإعلام العربية والأجنبية، وبث الأكاذيب حول الوضع العام في البلاد".
وردّ معارضون لـ"حركة الشعب" بأنه كان يُفترض أن تصدر هذه التنديدات أيضاً بمناسبة زيارة أو مواقف دول ومسؤولين من الإمارات والبحرين ومصر وفرنسا والسعودية وغيرها.
من جهته، قال "حزب العمال" اليساري المعارض، الذي يترأسه حمة الهمامي إنه "تكثفت منذ 25 يوليو الماضي التدخلات الإقليمية والدولية في شؤون بلادنا، وفي الصراع الدائر بين شقّي منظومة الحكم، بين داعم لانقلاب قيس سعيد، ومنتقد له انتصاراً لحركة النهضة، وبين ضاغط على الطرفين ومرشد لهما كي لا تنفلت الأمور من مراقبته".
وتابع: "وقد جاءت زيارة الوفد الأميركي لتونس يوم الجمعة محملاً برسالة من بايدن إلى قيس سعيد يحدد له فيها المطلوب منه القيام به لتؤكد أنّ مصير بلادنا أصبح يطبخ بشكل سافر واستفزازي في الخارج، ورغم ما يمثله هذا التدخل من انتهاك صارخ لسيادتنا الوطنية، في ظلّ تغييب ممنهج للشعب التونسي وقواه الحية، فإنّ طرفي الصراع لا يتوانيان عن مواصلة الاحتكام إلى القوى الأجنبية والتنافس على كسب تأييدها".
وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي تعليقات متعددة على زيارة الوفد الأميركي.
وكتب أستاذ القانون حسني الباجي، على صفحته بـ"فيسبوك"، أن "الموقف الأميركي واضح وضوح الشمس في كبد سماء قرطاج، إلا للذي لا يريد أن يرى، العودة إلى الديمقراطية البرلمانية يعني لا لحكم الفرد الواحد، واستعجالياً ومن دون إبطاء تكليف رئيس حكومة جديد، وإجراء حوار وطني يشمل كامل الطيف السياسي".
وأضاف: "شكلياً، هذا أرفع وفد أميركي منذ سنتين، والإدارة الأميركية اتخذت هذه الخطوة بعد خطابين شفاهييين من نائبة الرئيس (كامالا) هاريس، ووزير الخارجية (أنتوني) بلينكن لم يجديا نفعاً، وشكلياً أيضاً، في أعراف الإدارة الأميركية والدبلوماسية في واشنطن، رئيس الدولة الأميركي لا يرسل خطاباً مكتوباً لأي رئيس دولة في العالم إلا إذا كان الأمر خطيراً والخطب جللاً".
وتحدث عن عدة سيناريوهات: "السيناريو الأول، تونس في عين الإعصار، إذا ما أقدم قيس سعيد على تنفيذ الإملاءات الأميركية من عودة للبرلمان وتنظيم حوار وطني شامل، وربما يواجه بصد شعبي في ظل رغبة شعبية حقيقية في التغيير، وفي ظل تصاعد الخطاب الشعبوي التحشيدي، وفي صورة هذا السيناريو، يصبح بقاء الرجل في قصر قرطاج مهدداً لفقدانه الشرعية والمشروعية في آن واحد".
وتابع: "السيناريو الثاني هو أن يلقي الرئيس قيس سعيد بالاشتراطات الأميركية عرض الحائط، ويتمادى في ما يسميه البعض انقلاباً، وما يسميه البعض الآخر تلبية لرغبة شعبية جامحة في التغيير، وحينها كل حنفيات العالم سوف تغلق في وجه تونس، وننطلق بسرعة البرق نحو المثال اللبناني، انهيار فظيع للدينار، عدم قدرة على خلاص أجور الموظفين، وعدم قدرة على سداد الدين الخارجي، وانتهاء بإعلان حالة الإفلاس. أما السيناريو الثالث، فلا أريد أن أتخيله ولا أفكر فيه لحظة... حفظ الله البلاد والعباد".
من جهته، كتب المحلل السياسي منذر بالضيافي على صفحته بـ"فيسبوك": "نبقى في ترقب كيفية تفاعل الرئيس قيس سعيد مع خريطة الطريق الأميركية، وأعتقد أن الولايات المتحدة الأميركية قد تركت الباب مفتوحاً للتفاوض، كما تركت هامش المناورة واسعاً لقصر قرطاج، لكنها أعلمت الرئيس، بوضوح، أنه لا مجال للتراجع عن الديمقراطية، ولا مجال لحكم رئاسي فردي، خارج تصور الديمقراطية التشاركية، التي تقوم على الحوار ودون مغالبة، وهو ما يبين أيضاً الاهتمام الأميركي الكبير بالتجربة الديمقراطية التونسية، التي شهدت انحرافات كبيرة، وتحولت إلى ديمقراطية فاشلة وفاسدة، دون حاضنة مجتمعية".
وفيما بدا الموقف الأميركي واضحاً مناصراً في الظاهر على الأقل للتجربة الديمقراطية التونسية، فإن الاستغراب يبقى متعلقاً بالموقف الفرنسي، الذي بدا داعماً بكل وضوح للرئيس سعيد، وخصوصاً أن كثيرين يؤكدون أن الغضب الفرنسي ضد الائتلاف الحاكم السابق (النهضة وائتلاف الكرامة بالذات) تصاعد بشكل واضح بعد اللائحة التي تقدم بها ائتلاف الكرامة للبرلمان وطالبها بالاعتذار عن فترة الاستعمار.
وكان مشروع القرار، الذي قُدم للبرلمان في يونيو/حزيران من العام الماضي، ولم يُعتمَد بسبب عدم حصوله على عدد الأصوات اللازمة (77 فقط)، "يُعلن مُطالبته للدولة الفرنسية بإعلان اعتذارها الرسمي والعلني عن كل ما اقترفته في حق الدولة التونسية وفي حق الشعب التونسي زمن الاحتلال المباشر وبعده من جرائم قتل واغتيال وتعذيب واغتصاب ونفي وتهجير قسري ونهب للثروات الطبيعية والأملاك الخاصة، ودعم صريح للاستبداد والدكتاتورية".
مدير مركز الدراسات الاستراتيجية حول المغرب العربي، عدنان منصر، الذي كان قد شغل أيضاً منصب مدير ديوان الرئيس الأسبق منصف المرزوقي، قال، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "المواقف الدبلوماسية لفرنسا عموماً وصياغة مواقفها تخضع لجملة من المعطيات، ولثوابت الدبلوماسية الفرنسية على غرار ثوابت أي دولة، وملاءمة الوضع حسب تلك الثوابت، ومن الثوابت موقفهم من الإسلام السياسي باعتبار أنها دولة لائكية، والأمر الوحيد غير مناسب للفرنسيين هو انعدام الاستقرار، لأن مصالحهم تقتضي بقاء استقرار المنطقة، وهو ما يفسر حديث الغنوشي عن الهجرة غير الشرعية لأوروبا بسبب الأوضاع في تونس، لأن الأوروبيين حساسين جداً لهذه المسألة".
وأضاف: "ما دام من يحكم البلاد يسيطر على الوضع، فلا مشكلة، فهم ساندوا بن علي 23 سنة، وبالتالي مواقفهم توازن بين الأوضاع الجيواستراتيجية والمصالح والثوابت". وأكد أن "الموقف الدولي يتمثل الآن بمنح سعيد فترة إمهال في انتظار توضيحات ووعود"، مرجحاً أنه "إذا سيطر سعيد على الوضع وحقق الاستقرار، فسيتم مباركة الوضع، وهناك ربما وساطات وتدخلات غير معلومة حاولت إقناع الدول الكبرى بفترة الإمهال والصبر على التطورات في تونس".
وتابع: "لا أتصور أن عريضة ائتلاف الكرامة غيرت الموقف الفرنسي بوضوح، لأن موقف فرنسا من الإسلام السياسي سابق للائحة، ولم يشهد تغييراً، وهو موقف سلبي منذ البداية ". وأكد أن "المواقف الدولية عموماً، الإيطالية والأميركية والجزائرية، وغيرها، خلال الأسبوع الأول، تعكس عدم توقعها لما حصل، وتبين تفاجؤهم". وقال: "أستبعد علم أي دولة بما حصل مسبقاً، والقرار الاستراتيجي اتُّخذ منذ فترة، لكن اختيار اللحظة لم يتوقعه أحد".