أثار لقاء الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أمس الاثنين، مع إيريك ترابييه، رئيس شركة "داسو" الفرنسية للصناعات الجوية المُصنِعة لطائرات الرافال الحربية، جدلاً كبيراً، فهي الشركة التي باعت بالتعاون مع شركة "نيكسا تكنولوجيز"، نظام مراقبة جماعية لنظام السيسي بمباركة الدولة الفرنسية، بحسب ما ورد في تقرير لموقع "ديسكلوز" الاستقصائي، ما فسره مراقبون على أنه يحمل رسائل متعددة ومقصودة.
وعلق دبلوماسي مصري سابق، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، قائلاً إن "لقاء السيسي برئيس الشركة الفرنسية المتهمة بالتواطؤ في مراقبة واعتقال وتعذيب مصريين، بعد أيام قليلة من تقرير "ديسكلوز" يحمل رسائل مقصودة من الرئيس السيسي مفادها بأننا "لا نخاف من أحد وسنكمل طريقنا في التعاون من دون اعتبار لأحد".
وأضاف المصدر، الذي فضّل عدم نشر اسمه، أن الجانب الفرنسي أيضاً أثبت في ذلك اللقاء، أنه "لا يخشى المحاسبة، ويعتمد في خطابه الداخلي، على أن الضحايا ليسوا مواطنين فرنسيين، وأن علاقته بالنظام المصري تحقق مصلحة عليا لفرنسا".
وأوضح المصدر أن "المسيطر على السياسيين والرأي العام في فرنسا بشكل خاص وأوروبا بشكل عام هو التيار اليميني الشعبوي، والذي يتبنى نظرية، الاستفادة من العالم الثالث بأي شكل من الأشكال من دون النظر لقضايا حقوق الإنسان".
واستقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أمس الاثنين، إيريك ترابييه، رئيس شركة "داسو" الفرنسية للصناعات الجوية المُصنِعة لطائرات رافال الحربية، والذي يشارك في معرض مصر الدولي للصناعات العسكرية والدفاعية "إيديكس 2021"، بحضور الفريق أول محمد زكي وزير الدفاع والإنتاج الحربي، والفريق محمد عباس حلمي قائد القوات الجوية، واللواء أحمد الشاذلي، رئيس هيئة الشؤون المالية في القوات المسلحة، واللواء أسامة عزت رئيس هيئة التسليح للقوات المسلحة.
وصرح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية بأن اللقاء تناول جوانب التعاون المشترك مع شركة "داسو" العالمية، في ظل ما تتمتع به من خبرات عريقة في الصناعات العسكرية ذات النظم التكنولوجية المتطورة.
"دكتاتورية" السيسي تحصل على نظام مراقبة جماعية
وجاء اللقاء بعد أيام قليلة من نشر موقع "ديسكلوز" الاستقصائي، تحقيقاً كشف خلاله عن بيع مجموعة شركات الأسلحة العملاقة داسو Dassault، وشركة نيكسا تكنولوجيز Nexa Technologies، وإحدى شركات تال Thales نظام مراقبة جماعية لدكتاتورية عبد الفتاح السيسي بمباركة الدولة الفرنسية، على حد تعبير الموقع.
وقال الموقع إن الكثيرين في مصر يقبعون خلف القضبان، المعارضون السياسيون والصحافيون وقادة المنظمات غير الحكومية والمثليون والعمال المضربون؛ وإنه على مدى السنوات الخمس الماضية كل أولئك الذين لا يفكرون أو يعيشون وفقاً لمبادئ النظام العسكري تعرضوا لخطر السجن.
واعتقل ما يقرب من 65 ألف معارض في سجون النظام في حين اختفى 3 آلاف آخرون بعد اعتقالهم، بحسب وزارة الخارجية الأميركية.
وأضاف الموقع أن هناك قمعاً غير مسبوق للمجتمع المدني المصري سهّله نظام مراقبة سيبراني ضخم أقامته ثلاث شركات فرنسية بموافقة ضمنية من السلطات.
وأشار إلى أن "الشركة الأولى تسمى Nexa Technologies ويديرها مؤسسو Amesys، وهي شركة متهمة بتوريد معدات المراقبة إلى ديكتاتورية القذافي في ليبيا. أما الثانية Ercom-Suneris (وهي شركة تابعة لشركة Thales منذ عام 2019) معروفة بأنها مسؤولة عن تأمين أحد هواتف الرئيس ماكرون. والثالثة هي داسو سيستيمز Dassault Systèmes، الفرع التكنولوجي لشركة تصنيع الأسلحة المصنعة لطائرات رافال.
الضغط على القاهرة لعقد صفقات جديدة
وكانت مصادر دبلوماسية مصرية وغربية، قد قالت لـ"العربي الجديد" إن "فضيحة تجسس نظام الرئيس السيسي، على المعارضين وتعذيبهم وإخفائهم قسرياً، قد تؤدي إلى الضغط على القاهرة من أجل عقد صفقات سلاح جديدة مع فرنسا".
وأكد لقاء السيسي برئيس داسو، أمس الإثنين، ما ذكرته مصادر دبلوماسية مصرية وفرنسية استبعدت أن يتسبب الكشف، أول من أمس الأحد، عن اتهام القضاء الفرنسي لشركة "نيكسا تكنولوجي" بـ"التواطؤ في أعمال تعذيب وإخفاء قسري" جراء بيع معدات ونظم مراقبة للنظام المصري، في توتر العلاقات بين القاهرة وباريس.
ووصفت المصادر الدبلوماسية المصرية والفرنسية التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، العلاقة بين فرنسا ومصر بـ"الاستراتيجية على كل المستويات: الأمنية والاقتصادية والسياسية، والتي يصعب أن تتأثر بتلك القضية التي نظر فيها القضاء الفرنسي".
استغلال فرنسي
من جهة أخرى، قال دبلوماسي مصري سابق، تحفّظ على ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "باريس قد تستغل القضية في علاقتها التجارية مع مصر، التي تعدّ من أكبر مستوردي الأسلحة من فرنسا، وتضغط أكثر على النظام من أجل الدخول في صفقات سلاح وصفقات اقتصادية أكبر معها".
داخلياً في فرنسا، قال المصدر نفسه إن "الحكومة الفرنسية والرئيس إيمانويل ماكرون يستطيعان تبرير موقفهما في القضية أمام القضاء والرأي العام، بأنهما فعلا ذلك من أجل مصالح فرنسا العليا، بالإضافة إلى التحقق بأن من مورست ضدهم أعمال تعذيب وإخفاء قسري واعتقال ليسوا مواطنين فرنسيين، بل هم جماعات إرهابية عانت منها فرنسا وتحديداً في موجة الإرهاب التي ضربت البلاد عام 2015".
وأضاف المصدر أنه في سبيل ذلك "ستمد القاهرة باريس بأحكام من القضاء المصري تؤكد ذلك"، موضحاً أن "معظم مثل هذه الشكاوى والقضايا في فرنسا تكون عبارة عن مكايدات سياسية بين الحكومة والمعارضة"، على حد وصفه.