أرادت "القسام"، عبر المتحدث باسمها، تأكيد التزام الكتائب تجاه الأسرى الفلسطينيين، وإيصال أكثر من رسالة لاستهداف ممنهج تقوم به سلطات الاحتلال الإسرائيلي تجاه الأسرى الفلسطينيين في سجونها، عبر عقوبات مشددة، وسلسلة طويلة من الانتهاكات اليومية بحقهم. لكن مراقبين وكتابا ونشطاء فلسطينيين يرون أنّ "القسام" وجهت رسالة أخرى لإسرائيل عبر الخطاب، إذ يوحي حديث المتحدث العسكري بأنّ الأسرى الإسرائيليين في غزة على قيد الحياة، عبر التأكيد أنهم سيلقون ذات المعاملة التي يلقها أسراهم في السجون الإسرائيلية.
وحذّر أبو عبيدة من استمرار الإجراءات الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين، معتبراً أنّ "استقواء الاحتلال على الأسرى عبر إجراءات عقابية وعنصرية يؤكد فشل وعجز الاحتلال الأخلاقي والعسكري والسياسي". وعرضت القسام خلال مسيرة عسكرية لعناصرها في رفح، تزامناً مع كلمة أبو عبيدة، كارافاناً حديدياً كتب عليه سجن رقم 4، وشعار وحدة الظل التابعة للقسام المنوط بها حماية الأسرى وتأمينهم لحين الوصول إلى صفقة تبادل أسرى مع الاحتلال الإسرائيلي.
في هذا السياق، يقول مدير مركز "أبحاث المستقبل"، إبراهيم المدهون، لـ"العربي الجديد"، إنّ تصريح "القسام" عن معاملة الأسرى الإسرائيليين إشارة واضحة تنسف الرواية الإسرائيلية عن كون جنودهم مجرد جثت بل هناك أسرى أحياء. ويشير إلى أنّ "القسام" يريد توجيه رسالة للاحتلال أن بمقدوره التحكم في نوع المعاملة لدى الأسرى الموجودين لديه، حال استمرت مصلحة السجون الإسرائيلية بالضغط على الأسرى الفلسطينيين، والتضييق عليهم.
ويلفت إلى أن عائلات الجنود الإسرائيليين الأسرى تحركوا في الآونة الأخيرة، لا سيما عائلتَي هدار غولدن وشاؤول أرون، بعدما التقطوا العديد من الإشارات غير المباشرة عن مصير ابنيهما وخصوصاً عائلة شاؤول التي أعلنت ندمها لتبنيها الرواية الإسرائيلية عن مصيره. ويضيف مدير المركز أن موقف عائلات الجنود الإسرائيليين مختلف عن موقف الحكومة الإسرائيلية التي لا تزال تراهن على كسب المزيد من الوقت من دون فتح ملف الجنود المفقودين بغزة، وعدم دفع استحقاقات هذا الملف في المرحلة الحالية ومحاولة تأجيله قدر المستطاع.
وينبه إلى وجود خشية لدى الحكومة الإسرائيلية من إقدام "القسام" على كشف أدلة دامغة ومباشرة عن مصير الجنود والذي سيثبت تضليل المسؤولين وقيامهم بذلك لأسباب شخصية وليست سياسية، والفرار من المعركة من دون تحمل مصير الجنود المفقودين. ويؤكد المدهون أن الاحتلال يريد إهمال الملف في الوقت الحالي وعدم الدخول في تفاصيله لدفع استحقاقه، في حين أن "القسام" تدير الأمر بصراع الأدمغة، وبتأنٍ في فتح الملف، قبل قيام الاحتلال بالإفراج عن الأسرى المحررين في صفقة شاليط عام 2011، والذين أعاد اعتقالهم.
وينوّه إلى أن "القسام" تدير الأمر بنوع من الحسابات والتعقل وكل خطوة تقوم بها مدروسة حتى وإن قدمت خلالها بعض المعلومات، باعتبار أنها في مرحلة التفاوض ستصعّب الثمن الذي سيدفعه الاحتلال في أي صفقة تبادل مستقبلية قد تحدث لاستعادة جنوده.
أما المحلل السياسي، الكاتب طلال عوكل فيستبعد في حديث لـ"العربي الجديد" أن تكون القسام قدّمت معلومات من خلال خطاب المتحدث باسمها، كونها معلومات كبيرة ولها ثمن، ومن غير الوارد تقديم هذه المعلومات، إلا أنّ هناك بعض الجنود المعروف أنهم أحياء، بالإضافة إلى اثنين آخرين مجهولي المصير. ويقول عوكل إنّ رسالة "القسام" هي للأسرى الفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية، بالإضافة إلى كونها رسالة للاحتلال بهدف تحريك الملف، عدا عن كونها حافزاً لتحريك عائلات الجنود للضغط على الحكومة الإسرائيلية.
ويرى المحلل السياسي أن الذراع العسكرية لحركة حماس معنية بتحريك الملف على شتى المستويات داخل الاحتلال لتشكيل حركة ضاغطة على الحكومة الإسرائيلية للتفاوض ومحاولة الوصول إلى صفقة تبادل أسرى جديدة بين الجانبين. ويوضح أن الاحتلال التقط رسالة "القسام" ورد عليها عبر سلسلة من الغارات الجنونية التي شنها على مواقع تابعة للمقاومة الفلسطينية، والتي تعتبر ردا خشناً على خطاب "القسام".