استمع إلى الملخص
- تقلد العلي مناصب دبلوماسية وسياسية مرموقة، وانشق عن نظام صدام بعد غزو الكويت، مؤسسًا منظمة سياسية في لندن لتصحيح أوضاع العراق. كان معارضًا للحرب العراقية الإيرانية وداعيًا للحوار مع المعارضين.
- عُرف بتأثيره الكبير على الساحة الثقافية والسياسية، متخطيًا الطائفية ومدافعًا عن القضية الفلسطينية. وفاته في المنفى تعكس مصير العديد من الشخصيات العراقية البارزة، لكن إرثه القومي والوطني يظل حاضرًا في تاريخ العراق الحديث.
وُوري الثرى أمس الأربعاء في مدينة تكريت وزير الثقافة والإعلام العراقي الأسبق وعضو قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي صلاح عمر العلي الذي اختار موقفاً معارضاً من نظام الرئيس السابق صدام حسين، إثر غزو الكويت عام 1990، وذلك بعد وفاته في إسطنبول عن عمر ناهز الـ 87 عاماً.
العلي هو آخر الراحلين من مجلس القيادة القطرية لحزب البعث العراقي، عام 1968، وعُرف بنزعته القومية ومخالفته لتوجهات وسياسات حزب البعث لاحقاً، كما ظل على معارضته بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، إذ رفض الانخراط في العملية السياسية، كما رفض الدخول بالترتيبات الأميركية والبريطانية التي سبقت الاحتلال على غرار شخصيات معارضة أخرى.
ويقول شقيقه وليد عمر العلي لـ"العربي الجديد"، إن الراحل توفي في مدينة إسطنبول بعد اختيارها مقراً لإقامته منذ سنوات قادماً من بيروت، مضيفاً أنّ "طائرة نقلت جثمان شقيقه إلى العراق ودفن في مدينة تكريت، يوم أمس، وسيقام مجلس العزاء في بغداد غداً الجمعة، وينتقل المجلس إلى أربيل، لمشاركة محبي الفقيد وزملائه العزاء. وأوضح أنّ العلي، كان بصحة جيدة، لكن خلال الشهرين الأخيرين عالج أوجاعاً بالعمود الفقري وبقي في المستشفى لمدة 36 يوماً وتوفي هناك". ونعى زياد، الابن الأوسط للعلي، والده في تدوينة على منصة إكس، مؤكداً إقامة مجلس العزاء في بغداد.
— Zaid Al-Ali (@zalali) May 29, 2024
صلاح عمر العلي من مواليد 1937 من مدينة تكريت، مركز محافظة صلاح الدين شمالي العراق، وتخرج من كلّية الحقوق وأصبح ناشطاً سياسياً ضمن صفوف حزب البعث خلال دراسته الجامعية، لكن اسمه ظهر واضحاً بعد انقلاب عام 1986 الذي أطاح حكم الرئيس عبد الرحمن عارف، وكان ضمن الستة الذين شكلّوا نواة مجلس قيادة الثورة العراقية وأبرزهم صدام حسين وعزة إبراهيم الدوري وأحمد حسن البكر، وصالح مهدي عماش.
لم يستقر صلاح عمر العلي على علاقة ثابتة مع صدام حسين أو أقربائه، خاصة أشقاء صدام حسين ممن تولوا مناصب وزارية وقيادية أمنية، وتولى عدة مناصب منها وزارة الثقافة والإعلام ليستقيل منها إثر خلافات بينه وبين بعض قيادات حزب البعث، وخرج من العراق قبل أن يعود مرة أخرى في السبعينيات، وعُرفت عنه مواقفه الداعية لإنهاء الحرب العراقية الإيرانية، وأيضاً دعوته لفتح حوار سياسي مع المعارضين السياسيين لحزب البعث داخل العراق، مثل الشيوعيين والقوميين.
تولى صلاح عمر العلي عدة مناصب دبلوماسية خارج العراق، أبرزها سفيراً في السويد، ثم إسبانيا، وأخيراً عُيِّن مندوباً دائماً للعراق لدى الأمم المتحدة، قبل أن يستقيل من المنصب، لكن كانت النقطة الفارقة للعلي مع صدام حسين تحديداً والنظام العراقي ككل هي غزو الكويت واحتلالها، عام 1990 التي دفعته لإعلان رسمي عن معارضته النظام وانشقاقه عن حزب البعث العراقي في بغداد.
وعمل العلي بشكل مبكر في تنظيمات حزب البعث، ونشط داخل التيارات القومية في العراق منذ منتصف الخمسينات وكان من ضمن أول قيادة قطرية في العراق بعد تولي البعث السلطة. وأصبح وزيراً للإعلام عام 1969 وتولى كثيراً من المناصب خلال السبعينيات وصولاً إلى أن أصبح ممثلاً للعراق في نهاية الثمانينيات لدى الأمم المتحدة، وكان من الكوادر العليا في الدولة.
غير أنه بعد غزو الكويت عام 1990، كان له موقف معارض ضد صدام حسين، وعلى أثره تبنى موقف المعارضة للنظام واستقر في لندن وأسس مُنظمة سياسية تسعى لتصحيح الأوضاع العراقية، لكنه لم يكن جزءاً من المعارضة التي شكلتها أميركا وبريطانيا أو تحالفت معها لغزو العراق، بل ورفض التعامل معها.
العلي، الذي يكنى بأبي أيوب أيضاً، تخطى عقدة الطائفية في العراق مبكراً، حيث عمل في مدينة الناصرية بمحافظة ذي قار مطلع ستينيات القرن الماضي، موظفاً حكومياً منتدباً، وكانت له علاقات واسعة مع أدباء وشعراء ومفكرين عراقيين مختلفين مع حزب البعث، ولعل صداقته مع الشاعر الراحل محمد مهدي الجواهري أبرزها، كما عرف الشاعر مظفر النواب، والمخرج السينمائي قاسم حول والشاعر فوزي كريم في بيروت حيث مقر إقامته الاختياري بعد انشقاقه عن النظام العراقي آنذاك.
وظل صلاح عمر العلي على فكره القومي، وكانت معارضته مستندة إلى مصلحة العراق، بينما كان خلافه على سياسات نظام الرئيس السابق صدام حسين وتحديداً غزو الكويت، ولم يكن خلافاً شخصياً أو حتى حزبياً، كما كان العلي جزءاً من سياق إثر غزو الكويت حيث انشق آخرون كثر معه. لذلك يمكن القول إنّ انشقاق العلي كان مبدئياً وليس شخصياً. وخلال الفترة التي تلت الغزو الأميركي للعراق عام 2003، تنقل صلاح عمر العلي بين بيروت ولندن وبغداد، وحافظ على علاقته مع التيار القومي العربي لكنه كان معارضاً للنظام العراقي الجديد بعد الاحتلال الأميركي، بصفته طائفياً مبنياً بشكل غير شرعي.
وأصدر العلي صحيفة (لم تستمر طويلاً) تُعبر عن أفكاره المعارضة للاحتلال الأميركي وللطائفية ولكل الإجراءات التي اتخذت بعد غزو العراق. وظل العلي محافظاً على ثوابت وطنية عراقية، إلى جانب القضية الفلسطينية التي اعتبرها قضية الأمة العربية الرئيسة وما دونها قضايا ثانوية، كما كان يؤكد ذلك، وظل مدافعاً عنها حتى آخر يوم من حياته، وتوفي، كما توفي كثيرون خارج بلدهم، منفياً وهذا يبدو أنه قدر يلاحق العراقيين من أصحاب المواقف والفكر.
ويقول عضو التيار المدني العراقي، طالب اللامي لـ"العربي الجديد"، إنّ نقل جثمان قيادي مهم وبارز بحزب البعث إلى العراق ودفنه يُعتبران "سابقة"، فيما بعد عام 2003. ويضيف أنّ "الثقافة والنزعة القومية لصلاح عمر العلي، جعلتاه مختلفاً عن باقي قيادات البعث، وانتهت بتخلّيه عن النظام، رغم الامتيازات الكبيرة آنذاك، وهذا ما يجعل احترام الرجل يفرض نفسه على الجميع حتى بعد رحيله".