صوت مجلس النواب الليبي، اليوم الخميس، بالإجماع على اختيار فتحي باشاغا، رئيسا للحكومة الجديدة، بعد إعلان منافسه خالد البيباص انسحابه خلال جلسة اليوم، التي عقدها المجلس في مقره في طبرق، وخصصها لمناقشة التعديل الدستوري واختيار رئيس الحكومة.
وعمل فتحي باشاغا (60 عاما) ضابط شرطة، ورجل أعمال، ونشط في دعم ثورة فبراير/شباط عام 2011م، التي أطاحت حكم العقيد الراحل معمر القذافي، قبل أن يُعرف في المشهد الليبي بنشاطه السياسي إثر انتخابه كأحد نواب مدينة مصراتة في الانتخابات البرلمانية الثانية عام 2014.
وظهر باشاغا في العديد من التصريحات منحازا لحكم المحكمة العليا، في سبتمبر/أيلول 2014م، الذي أبطل دستورية عقد مجلس النواب في طبرق، ما أهله ليكون من أبرز أعضاء لجان الحوار السياسي التي أطلقتها البعثة الأممية عام 2015، ومن بين الشخصيات الليبية البارزة التي وقعت على الاتفاق السياسي في الصخيرات المغربية نهاية ذات العام.
وإثر تشكيل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، مطلع عام 2016، اختير باشاغا رئيساً لمجلس الأمن القومي، قبل أن يعلن اعتذاره عن القبول برئاسته، لكن المجلس الرئاسي عاد وكلفه بمنصب وزير الداخلية في أكتوبر/تشرين الأول 2018.
ورغم موقفه المجاهر بالتحفظ على موافقة مجلس النواب حيال نشاطات معسكر اللواء المتقاعد خليفة حفتر وشرعنة حروبه، بل والمجاهرة برفضها، إلا أنه عُرف أيضا بمواقفه الرافضة لبقاء التشكيلات المسلحة في غرب ليبيا خارج شرعية المؤسسات الأمنية والعسكرية.
تفكيك المجاميع المسلحة
وعُرف عن باشاغا نشاطه الحثيث في اتجاه تفكيك المجاميع المسلحة خصوصا التابعة لوزارة الداخلية، وكثيرا ما أثنت بيانات السفارات الغربية على جهوده في هذا الاتجاه، سيما السفارة الأميركية التي رعت زيارتين له لواشنطن للقاء مسؤولين أمنيين بارزين، ولقاءات أخرى في طرابلس، لكن جهوده اصطدمت بواقع المجاميع المسلحة التي بدأت تعاني من الجهوية، خصوصا مجموعات طرابلس المسلحة، التي اعتبرت جهوده في إطار مساعي قادة مصراتة للسيطرة على طرابلس وإقصائهم.
وزادت علاقته توترا بالتشكيلات المسلحة في غرب ليبيا، سيما في طرابلس، بعد إرساله وفدا أمنيا رفيعا من وزارة الداخلية إلى بنغازي، في يناير/كانون الثاني 2019م، للقاء نظرائهم في الحكومة المنبثقة عن مجلس النواب شرق البلاد، والموالية لحفتر، بهدف توحيد المؤسسة الأمنية، وواجه في ذلك اتهامات بوجود اتصالات غير مباشرة بينهم وبين حفتر، وفي المقابل اتهمته أطراف موالية لمعسكر حفتر بالولاء لتيار الإسلام السياسي، وتحديدا حزب العدالة والبناء، على الرغم من أن خطاباته ومواقفه لا تتبنى أي لغة حزبية أو أيديولوجية معينة.
وخلال إعلان حفتر عدوانه على العاصمة طرابلس في إبريل/نيسان 2019، تأخر باشاغا عن الإفصاح عن موقفه، لكن مواقفه اللاحقة من عدوان حفتر جاءت في سياق معارضته لأي عمل مسلح ومعارضة استمرار الحروب في البلاد، ففي أكتوبر/تشرين الأول من ذات العام، ندد بدعم روسيا لمليشيات حفتر، كما عُرف عنه أنه من أبرز الشخصيات التي دعمت توقيع حكومة الوفاق مع تركيا اتفاقا عسكريا لدعم قوات الوفاق ضد مليشيات حفتر.
وعلى الرغم من ذلك، بقيت علاقته بقوات الحكومة التي تقاتل تحت مسمى قوات "عملية بركان الغضب" متوترة، خصوصا بعد قراره بحل كتيبة الإسناد الأولى في مدينة الزاوية، التي تعد أحد مكونات قوات بركان الغضب، على خلفية اتهامه لها بالإساءة إلى الطيار التابع لمليشيات حفتر، عامر الجقم، الذي أسرته قوة الإسناد بعد سقوط طائرته قريبا من الزاوية، في ديسمبر/كانون الأول 2020م، أثناء تنفيذ غارات على المنطقة.
التحول في علاقة باشاغا مع مجلس النواب
وبدأت ملامح علاقة جديدة تربط باشاغا بمجلس النواب، بإعلان دعمه لإعلان السلام الذي تلاه رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، في إبريل/نيسان 2020م، إثر بداية انكسار مليشيات حفتر، وصرح بأن "مشروع حفتر انتهى"، ودعا أنصار حفتر إلى عدم المراهنة عليه، بل وضرورة إنهاء مظاهر التسلح في البلاد.
ومن محطات التوتر البارزة في علاقته بالمجاميع المسلحة في غرب البلاد، تصديه بواسطة مجموعة مسلحة تابعة لوزارته، لمسلحين أطلقوا الرصاص على عدد من المظاهرات التي عمت طرابلس خلال أغسطس/آب، وسبتمبر/أيلول من العام الماضي، ما دفع تلك المجاميع المسلحة للضغط على رئيس الحكومة، فايز السراج إلى إصدار قرار، في أغسطس 2020، بوقف باشاغا عن العمل وإحالته للتحقيق، قبل أن تتراجع الحكومة عن قرارها.
وفي يونيو/حزيران العام الماضي، تعرض موكب سيارته لوابل من الرصاص، أثناء مروره بمنطقة جنزور، غرب طرابلس، اعتبرته وزارة الداخلية محاولة اغتيال، لكن الحادث مر دون اهتمام إعلامي كبير، حيث كانت الأنظار متجهة إلى أعمال ملتقى الحوار السياسي، الذي شارف وقتها على إعداد القوائم الانتخابية للسلطة التنفيذية الجديدة.
وتعد محطة انتخابات ملتقى الحوار السياسي لسلطة تنفيذية موحدة، أبرز المراحل التي أظهر فيها باشاغا تغيرا في سياساته، فقد ترشح في تلك الانتخابات في قائمة واحدة مع رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، صعدت لمراحل التنافس الأخيرة، مقابل قائمة رئيس المجلس الحالي محمد المنفي ورئيس الحكومة الحالي عبد الحميد الدبيبة، التي فازت في تلك الانتخابات في مارس/آذار الماضي.
ومنذ تسليمه لمنصبه في وزارة الداخلية لنائبه السابق خالد مازن، وزيرا للداخلية في حكومة الوحدة الوطنية، لم يبد باشاغا أي نشاط سياسي معلن، باستثناء أنباء تتداولها وسائل إعلام محلية ودولية بشأن استمرار اتصالاته بعدد من العواصم الفاعلة في الملف الليبي، كالقاهرة وباريس، لتقديم نفسه كمرشح للانتخابات الرئاسية، التي قدم أوراقه للترشح لها في 18 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وقبيل انهيار العملية الانتخابية، التي كان مقررا إجراؤها في 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي، ظهر باشاغا، فجأة، رفقة عدد من المترشحين للرئاسة، في بنغازي، في زيارة لحفتر، معلنا عن تقارب جديد، يحمل في طياته ملامح حلف جديد يتجاوز الحلف السياسي إلى تقارب عسكري، خصوصا أن آمر الكتيبة 166، محمد الحصان، أبرز التشكيلات المسلحة المقربة منه، التقى بآمر لواء طارق بن زياد التابع لصدام حفتر، أمراجع المقرحي، لمرتين في أغسطس وديسمبر الماضيين، للتنسيق لبناء قوة مشتركة بإشراف لجنة 5 + 5 العسكرية المشتركة.