لم يكن مفاجئا للكثيرين الإعلان عن الدبلوماسي نذير العرباوي رئيسا للحكومة في الجزائر، إذ كان اسمه قد دخل قبل فترة لا تقل عن ستة أشهر مربع الأسماء المقترحة لتولي رئاسة الحكومة، وكان متوقعا أن يعتلي رئاسة الحكومة في شهر يونيو/ حزيران الماضي أو ما قبله، قبل أن يتأجل ذلك إلى ما بعد عرض بيان السياسة العامة للحكومة على البرلمان في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
في القمة العربية التي عقدت في الجزائر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، جلس نذير العرباوي خلف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، فيما جرت العادة أن يجلس في ذلك المكان وزير الخارجية، كما هو الشأن بالنسبة لكل الرؤساء، واعتبر ذلك ملمحا لتقدّم العرباوي درجة على سلم القرب من تبون ومؤشرا إلى تقدير سياسي واهتمام بشخصيته، وبأنه بصدد لعب دور في مستوى أعلى.
ينظر إلى رئيس الحكومة الجديد من زوايا ثلاث، دبلوماسي قدم أدوارا في مواقع مهمة ضمن جهاز العلاقات الخارجية، ورجل يحمل خلفية حقوقية حيث اشتغل لفترة في مجال المحاماة والإدارة والشؤون القانونية، وهو شخصية كان لها احتكاك بالقطاع الاقتصادي في محطاته الوظيفية الأولى. ومن ملعب إلى ملعب، قفز العرباوي وعبر ثلاث مسافات مختلفة، مستفيدا من تجربة رياضية مر بها في السبعينيات كلاعب في نادي "الناديت" لكرة اليد في العاصمة الجزائرية، وفي الفريق الوطني الجزائري لكرة اليد، وكانت تلك قفزته الأولى.
وبخلاف أغلب رؤساء الحكومات الجزائرية في العقود الثلاثة الأخيرة، والذين تخرجوا من المدرسة العليا للإدارة، درس العرباوي الحقوق واشتغل لفترة محاميا وعضوا في نقابة المحامين لولاية تبسة، شرقي الجزائر، وكان مساره في المحاماة مدخلا له لتعيينه مديرا لوحدة اقتصادية تعمل في مجال الحديد والصلب، وهو موقع سمح له بالاحتكاك بالقطاع الاقتصادي والصناعي.
لم تكن للعرباوي صلة بالدبلوماسية، لكنه قفز إلى وزارة الخارجية من باب الشؤون القانونية اعتمادا على خلفيته القانونية، حيث شغل منصب مدير عام الشؤون القانونية والقنصلية، ومديراً للعلاقات الاقتصادية الدولية بوزارة الخارجية، وممثلاً للجزائر لدى الأمانة العامة لاتحاد المغرب العربي، قبل أن يتم تعيينه للمرة الأولى سفيرا، إذ كانت باكستان محطته الجديدة، قبل أن يشغل منصب سفير الجزائر ومندوبها الدائم لدى الجامعة العربية في القاهرة.
يعدّ العرباوي من الشخصيات الجزائرية المتحمسة للقضية الفلسطينية، وعبّر عن مواقف جريئة لصالحها عندما كان يشغل منصب مندوب الجزائر لدى الجامعة العربية، ورئيس البعثة الجزائرية في نيويورك، وحصل في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 على وسام "نجمة القدس" من الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
يعدّ العرباوي من الشخصيات الجزائرية المتحمسة للقضية الفلسطينية
وقال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتيه حينها إن هذا التكريم يأتي تقديرا لدور العرباوي المتميز وجهوده في دعم الشعب الفلسطيني ونصرة قضيته العادلة. اعتبر العرباوي هذا التوسيم "الأعز على نفسي لما يحمل من رمزية، فما قمت به ليس أكثر مما يمليه علي واجبي القومي كأي مواطن جزائري في دعم القضية الفلسطينية".
بعد ذلك بفترة قصيرة، وفي الشهر نفسه، تم استدعاء نذير العرباوي لشغل منصب مستشار لوزير الخارجية السابق رمطان لعمامرة، وبقي في هذا المنصب حتى سبتمبر/ أيلول 2021، حيث عين رئيسا للبعثة الجزائرية الدائمة لدى منظمة الأمم المتحدة في نيويورك، وتم استدعاؤه إلى الجزائر.
وكان العرباوي قريبا من شغل منصب وزير الخارجية في التعديل الحكومي الذي أقرّه الرئيس عبد المجيد تبون في مارس/ آذار 2023، لكن الرئيس تبون فضل الاحتفاظ به بتعيينه رئيسا للديوان الرئاسي في الشهر نفسه، إلى حين تعيينه رئيسا للحكومة في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.
يمكن ملاحظة أن العرباوي قد يكون رئيس الحكومة الوحيد في الجزائر، على الأقل في العقود الثلاثة الأخيرة، الذي قفز إلى رئاسة الحكومة دون أن يكون قد شغل منصبا وزاريا ومن دون أن يكون قد أدار قطاعا وزاريا، وهذا يثير أسئلة حول مدى ما إذا كان الرهان الأساسي للرئيس تبون من وراء تعيينه رهان سياسي بالدرجة الأولى يرتبط بالزمن الانتخابي، قبل سنة من إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة في غضون الثلث الأخير من العام المقبل 2024، حيث يتجهز الرئيس عبد المجيد تبون للترشح لولاية رئاسية ثانية.