لا تبدو معركة خلافة أوهورو كينياتا، في منصب رئاسة كينيا، سهلة بالنسبة للمتنافسين الرئاسيين، رايلا أودينغا وويليام روتو. فمنذ تاريخ إجراء الانتخابات الرئاسية، الثلاثاء الماضي، تشهد البلاد توتراً سياسياً واسعاً، تؤججه تقارب النتائج بين المرشحين، بعد فرز نحو 50 في المائة من الأصوات.
واعترف رئيس المفوضية المستقلة للانتخابات وافولا تشيبوكاتي أن المفوضية ربما تُرجئ إعلان النتائج الرسمية، التي كانت مقررة بعد غد الثلاثاء، بسبب تأخر عملية فرز الأصوات.
وتمرّ كينيا أساساً بفترة صعبة اقتصادياً، خصوصاً مع ارتفاع الأسعار، بفعل الغزو الروسي لأوكرانيا وتداعيات وباء كورونا، فضلاً عن انتشار البطالة في البلاد وتفشي الفساد.
تقارب الأصوات
وبعد 24 ساعة على إعلان تقدم أودينغا بنسبة 54 في المائة، في مقابل 46 في المائة لروتو، بعد فرز أكثر من 26 في المائة من الأصوات بقليل، بدا اليوم الأحد، أن الأخير التقط أنفاسه، فتقدم بنسبة 51 في المائة، في مقابل 48 في المائة لمنافسه، وذلك بعد فرز نحو 50 في المائة من الأصوات.
مع العلم أن على الفائز بالانتخابات الرئاسية الحصول على أكثر من 50 في المائة في الجولة، فضلاً عن الحصول على 25 في المائة من أصوات الناخبين في 24 مقاطعة على الأقل، من أصل 47 في كينيا.
أما في حال عدم تجاوز أي من المرشحين نسبة الـ50 في المائة في الجولة الأولى، فسيخوضان جولة ثانية بعد 30 يوماً، على أن يقود الرئيس المنتخب البلاد لولاية من 5 سنوات.
بعد فرز نحو 50% من الأصوات، يتقدم روتو على أودينغا
والأربعاء الماضي، أعلنت المفوضية المستقلة للانتخابات أن عدد المقترعين بلغ 14 مليوناً من أصل 22 مليون ناخب، أي ما نسبته نحو 65.6 في المائة من الناخبين، وهي نسبة أدنى من مثيلتها في عام 2017، حين اقترع 78 في المائة من الكينيين.
وتواجه المفوضية ضغوطاً متزايدة بعدما تم اتهامها بارتكاب مخالفات خلال انتخابات 2017، ووقوع مشاكل تقنية أدت خصوصاً إلى إلغاء ست عمليات اقتراع محلية.
ومساء أمس السبت، شهد مركز الإحصاء الوطني في العاصمة نيروبي، اضطراباً محدوداً، عندما ردت شرطة مكافحة الشغب على مشاجرات وقعت فيه.
وأعلن سايتاباو أولي كانشوري، وكيل زعيم المعارضة، رايلا أودينغا، الذي يترشح للمرة الخامسة للمنصب، أن مركز الإحصاء "مسرح جريمة" قبل استعادة الهدوء.
ولم يقدم الوكيل أي دليل في أحدث مثال على الادعاءات غير المؤكدة التي قدمتها كلتا الحملتين الرئيسيتين. وظلت الشرطة في مركز الإحصاء الوطني، حتى صباح اليوم الأحد، لمنع تكرار المناوشات.
ويحظى أودينغا بدعم كينياتا، الذي لا يحق له الترشح بعد ولايتين متتاليتين. مع العلم أن أودينغا كان خصماً للرئيس لفترة طويلة، غير أن كينياتا اختلف مع نائبه السابق ويليام روتو، فقرر دعم أودينغا.
وفي كينيا، يُعتبر الانتماء العرقي أساسي في عملية الانتخاب، مع انتشار 44 إثنية عرقية في البلاد. وينتمي كينياتا إلى إثنية كيكويو، وروتو إلى كالنجين، وهما العرقيتان اللتين ينحدر منهما الرؤساء في كينيا منذ استقلالها عام 1963 عن بريطانيا. أما أودينغا فينتمي إلى إثنية لوو.
والسياسة الكينية شديدة التقلّب، إذ أن روتو وأودينغا تحالفا في عام 2007، بعد فوز الرئيس السابق مواي كيباكي بالرئاسة في مواجهة أودينغا، الذي رفض الاعتراف بالنتائج، لتندلع اشتباكات عرقية، بين كالنجين وكيكويو (التي ينتمي إليها كيباكي)، أسفرت عن مقتل بين 800 و1500 شخص، في الفترة بين 7 ديمسبر/كانون الأول 2007 و28 فبراير/شباط 2008، ونزوح أكثر من 600 ألف شخص.
وزار الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي أنان، نيروبي، فوقّع كيباكي وأودينغا اتفاقاً لتقاسم السلطة. وأكد المرشحان، أنهما سيقبل بنتائج الاقتراع، لكن البلاد تخشى مع ذلك موجة جديدة من أعمال العنف تلي الانتخابات كالعادة، بما أنه تم الاعتراض على نتائج كل عمليات الاقتراع التي جرت منذ 2002، متسببة باشتباكات دموية ومجازر إثنية.
مع العلم أن كينيا نقطة ارتكاز للديمقراطية في المنطقة. وعملياً لم تشهد نيروبي انقلاباً منذ استقلالها، بل محاولة انقلابية حصلت ضد الرئيس السابق دانيال أراب موي في 1 أغسطس/آب 1982، قادها مجموعة من الجنود المتمردين، بقيادة هيزيكياه أوشوكا، ومدعومة من كوريا الشمالية والاتحاد السوفييتي وكوبا وألمانيا الشرقية، غير أنها فشلت بفعل دعم تنزانيا وأوغندا وبريطانيا لحكومة أراب موي.
وعبّر بعض الكينيين عن ضجرهم من رؤية قادة سياسيين مألوفين منذ فترة طويلة وسط المشكلات الاقتصادية، بما فيها انتشار الفساد وارتفاع الأسعار. لكن الفساد ظل مستشرياً وأدت آثار الوباء والحرب في أوكرانيا والجفاف المستمر إلى تفاقم التفاوت الصارخ ولا سيما في الأرياف.
التأثير الاقتصادي على الانتخابات
ويرى محللون لوكالة "فرانس برس" أن الارتفاع في تكلفة المعيشة أثّر على التصويت القبلي التقليدي. ووعد كل من أودينغا وروتو بمستقبل اقتصادي أكثر إشراقاً لمن هم دون سن الـ34 عاماً الذين يمثلون ثلاثة أرباع السكان، ولكنهم يتأثرون خصوصاً بالبطالة. مع ذلك، لا يكترث كثيرون منهم بلعبة سياسية يعتبرونها فاسدة.
وقالت كارولين موانجي، النادلة في مطعم في نيروبي لـ"فرانس برس": "إنهم الأشخاص المسنون أنفسهم يروون القصص القديمة نفسها ولا يفعلون أي شيء لنا".
لكينيا أهمية قصوى في شرق أفريقيا، بسبب مجاورتها الصومال وإثيوبيا
ولكينيا أهمية قصوى في شرق أفريقيا، بسبب مجاورتها الصومال وإثيوبيا، اللتين تشهدان توترات أمنية واسعة النطاق لأسباب مختلفة. في مقديشو، تواجه السلطات "حركة الشباب"، أما في أديس أبابا، فتشكل الخلافات بين الحكومة الاتحادية وإقليم تيغراي، نموذجاً للصراعات الإثنية المتجددة في القرن الأفريقي.
ويحظى الملف الصومالي بأولوية قصوى لدى نيروبي، غير أن تطورات إثيوبيا قد تُنذر بانتقال الاقتتال الإثني إليها. وتطلّ كينيا على المحيط الهندي، مع اعتبار شواطئها نقطة بارزة على الساحل الشرقي لأفريقيا.
عدا ذلك، فإن الأميركيين يعدّون كينيا، مع أوغندا، بمثابة مقرّات للانطلاق في شرق أفريقيا أو في وسطها. وسعت وكالة الاستخبارات الأميركية "سي آيه إيه" سابقاً، إلى تدريب قوات كينية على مكافحة الإرهاب، خصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001.
(العربي الجديد، أسوشييتد برس، فرانس برس)