يتجه الكولومبيون، غداً الأحد، إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس الجمهورية الـ34 في تاريخ البلاد، وسط تقدم لافت في استطلاعات الرأي للمرشح اليساري غوستافو بترو، الذي في حال فاز فسيكون أول رئيس يساري في بوغوتا، بعد عقود من هيمنة اليمين واليمين الوسط على السلطة.
وأياً تكن نتيجة الانتخابات، فإن أمام الرئيس العتيد للبلاد مهمات صعبة، تحديداً في الملف الاقتصادي، الذي شهد تراجعاً في ولاية الرئيس المنتهية ولايته إيفان دوكي، فضلاً عن تأثره بتفشي وباء كورونا في العامين الماضيين.
ويتنافس في الانتخابات، بالإضافة إلى بترو، كل من سيرجيو فاياردو ورودولفو هرنانديز وجون ميلتون رودريغيز وإنريكي غوميز (جميعهم من تيارات يمينية)، وفيديريكو غوتييريز (مستقل، لكنه مُتهم بكونه من مؤيدي الرئيس اليميني الأسبق ألفارو أوريبي).
وينصّ القانون الكولومبي على إجراء دورة أولى من الانتخابات الرئاسية، وفي حال فوز أحد المرشحين بنسبة 50 في المائة يُصبح رئيساً، أما في حال لم يتجاوز أي مرشح حاجز الـ50 في المائة، فتُجرى دورة ثانية، مقررة في 19 يونيو/ حزيران المقبل.
وتبدو فرص بترو واعدة في الدورة، مع إجماع مؤسسات "سي أن سي" و"موسكويتيروس" و"إنفايمر" و"غوارومو" و"سيلاغ" و"أتلاس إنتل"، في استطلاعاتها التي أجرتها في شهر مايو/ أيار الحالي، على تصدّره لائحة المرشحين الستة، بنسب تراوح ما بين 35.8 في المائة و44.7 في المائة.
لكن بترو سيشهد منافسة أقوى في الدورة الثانية، خصوصاً إذا تأهل رودولفو هرنانديز لملاقاته، إذ أجمعت مؤسسات الاستطلاع على أنه قادر على هزيمة المرشح اليساري. أما في حال تأهل أي من المرشحين المتبقين فإن فوز بترو سيكون محسوماً.
اليمين الكولومبي الأقوى تاريخياً
تاريخياً، يتمتع اليمين الكولومبي بنفوذ كبير، ناجم عن تماسك مؤسسات النظام والجيش والكنيسة الكاثوليكية، الذي أرسى مفهوماً لتوزيع الثروات والأراضي غير عادل، مساهماً في نشوء حركات تمرّد يسارية، مثل "القوات المسلحة الثورية الكولومبية" (فارك).
أما اليسار فتمّت شيطنته أيام الحرب الباردة (1947 ـ 1991)، في ظلّ موالاة السلطات الكولومبية للولايات المتحدة وحصول الحركات اليسارية على دعم الاتحاد السوفييتي وكوبا.
تمنح مختلف استطلاعات الرأي بترو تقدماً مريحاً في الدورة الأولى
غير أن السلام الكولومبي، المولود في عام 2016، بين الدولة و"فارك"، ساهم في إنهاء التمييز الأيديولوجي نسبياً، مع تطلّع المواطنين إلى مرحلة جديدة من السلام.
إلا أن هذه المرحلة اصطدمت بعقبات عدة، بدءاً من العلاقة المتوترة بين كولومبيا، ذات الحكم اليميني، وفنزويلا، ذات الحكم اليساري. واتهمت كاراكاس بوغوتا مراراً بالتدخل في شؤونها الداخلية، وكادت بعض الأحداث أن تؤدي إلى حرب بين البلدين في العامين الماضيين.
وبالإضافة إلى العلاقة الصعبة مع الفنزويليين، فإن المشاكل الداخلية في بوغوتا تفاقمت على وقع تفشي وباء كورونا، وتحديداً إعلان دوكي عن زيادة الضرائب وتعديل الرعاية الصحية، ما أدى إلى نشوء احتجاجات واسعة في كولومبيا بين 28 إبريل/ نيسان 2021 و31 ديسمبر/ كانون الأول من العام عينه.
ولم تكن الاحتجاجات الأولى من نوعها في عهد دوكي، إذ سبقتها حملة احتجاجات بين نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 وفبراير/ شباط 2020، تُطالب بالتصدي لعمليات تهريب المخدرات وأعمال العنف وتحسين أوضاع العمال، ودعم التعليم الرسمي، وحماية السكان الأصليين والمدافعين عن الحقوق، واحترام اتفاق السلام مع "فارك". وبين أكتوبر/ تشرين الأول 2018 وديسمبر من العام عينه، اندلعت احتجاجات طلابية رافضة لرفع الدعم عن الطلاب.
في ظلّ هذه التوترات، لم يعد وارداً بالنسبة للكولومبيين اختيار اليمين التقليدي، مع بروز بترو وغوتييريز مرشحين قويين لرئاسيات الغد. وإذا كان غوتييريز لا يزال معروفاً بتأييده خطّ أوريبي، فإن بترو يبقى خياراً جاذباً للشباب، في ظل تعهداته بتغيير النظام بـ"إنهاء النموذج الاقتصادي النيوليبرالي"، ما دفع بغوتييريز إلى اتهامه بأنّه "شعبوي وسلطوي"، قبل أن يردّ بترو بإعلانه أنه لن يصادر أي ملكية خاصة في حال أصبح أول يساري يُنتخب رئيساً للبلاد.
وفي محاولة لتبديد مخاوف المشككين في سياساته الاقتصادية اليسارية واستمالتهم، دعا بترو وسائل الإعلام إلى مكتب كاتب عدل في بوغوتا، في إبريل الماضي، لتغطية توقيعه على وثيقة تتضمن إقراراً بأنّه سيحترم الملكية الخاصة في حال انتخابه. وقال بترو للصحافيين: "اقتراحي بشأن التحول لهذا البلد لا يستند إلى أي نوع من المصادرة أو يشمل ذلك".
وحاول المرشحون اليمينيون إخافة الناخبين الكولومبيين بعد فوز الائتلاف اليساري بغالبية كبيرة في مجلسي النواب والشيوخ في انتخابات 13 مارس/ آذار الماضي.
ومن شأن فوز بترو في الرئاسيات تكريس هيمنة يسارية على كامل مؤسسات الدولة، بما يشبه الانتفاضات المماثلة في تشيلي والإكوادور والبيرو.
لكن تحديات أي رئيس ستكون كبيرة، وفقاً للخبيرة ماريا أليخاندرا فيليز، من جامعة يونيفرسيداد، التي اعتبرت أن على الرئيس الجديد أن "يسيطر على مسألة انتشار الأسلحة الفردية، التي تؤدي إلى زيادة أعمال العنف والسرقة وغيرها من الجرائم"، كما سلطت الضوء على أهمية معالجة مشكلة الاتجار بالمخدرات بما يتجاوز النماذج القمعية حصراً، تحديداً تجاه مزارعي أوراق الكوكا، وفقاً لما ذكرته لصحيفة "ال تيمبو" التشيلية.
بترو وحركة "19 إبريل"
كان بترو عضواً في مجلس الشيوخ وعمدة العاصمة بوغوتا وعضواً في مجلس النواب. لكن انطلاقته الفعلية كانت مع "حركة 19 إبريل"، التي وُلدت نتيجة للتزوير الذي شاب الانتخابات الرئاسية في عام 1970، ورفض المرشح الخاسر غوستافو روخاس بينيلّا الاعتراف بفوز ميسالي باسترانا بورّيرو.
تحولت الحركة إلى ثاني أكبر تنظيم مسلّح في كولومبيا بعد "فارك"، واشتهرت بسرقة "سيف بوليفار"، وهو سيف مؤسس كولومبيا، الملقّب بـ"محرّر أميركا الجنوبية"، سيمون بوليفار، في 17 يناير/ كانون الثاني عام 1974، بغرض التأكيد على ولادة "انتفاضة مدنية ضد نظام يُنظر إليه على أنه غير عادل".
تشرّب بترو أفكاره اليسارية من حركة "19 إبريل"
وقاد "حركة 19 إبريل" العديد من السياسيين، أبرزهم كان ألفارو فياض، وهو من أصول لبنانية، الذي ساهم في تفعيل دور الحركة فكرياً وميدانياً، قبل مقتله على يد الشرطة في عام 1986.
ويستعين بترو دوماً بقراءات لفياض، حول العمل السياسي والانخراط في "العمل الوطني الجامع من دون إقصاء، وفقاً للإرادة الشعبية". وقادت الحركة هجوماً على المحكمة العليا في بوغوتا في 6 و7 نوفمبر 1985، أدى إلى مقتل المهاجمين الـ35 جميعهم و25 قاضياً.
واعترف بترو لاحقاً بأن الهجوم على قصر العدل، مقرّ المحكمة العليا، كان "خطأً"، لكنه شدّد على أنه لم يكن مشاركاً فيه، "فقد كنت قابعاً في السجن في حينه".
وعلى عكس التاريخ الصدامي في ربع القرن الأخير بين كولومبيا وفنزويلا، إلا أن بترو يبدو قريباً من كاراكاس، خصوصاً أنه زار الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز، حين كان مسجوناً بين عامي 1992 و1994 بسبب محاولة انقلاب فاشلة. كما انتشرت صور للرجلين وهما يقفان مع خمسة أشخاص آخرين قبالة تمثال بوليفار في بوينتي دو بوياكا، في كولومبيا.
(العربي الجديد)