الرئاسيات الروسية شرق أوكرانيا: تثبيت الأمر الواقع بلا اعتراف دولي

13 مارس 2024
هذه الانتخابات هي ثاني استحقاق سياسي تجريه روسيا في "الأراضي الجديدة" (Getty)
+ الخط -

مع بقاء يومين فقط على انطلاق المرحلة الرئيسية من الانتخابات الرئاسية الروسية في أيام 15- 17 مارس/آذار الجاري، يواصل سكان مقاطعات دونيتسك ولوغانسك وزاباروجيا وخيرسون شرق أوكرانيا الأدلاء بأصواتهم في التصويت المبكر، وسط توقعات تؤكد فوز المرشح الأوفر حظاً، الرئيس الحالي فلاديمير بوتين، بنسبة كبيرة من الأصوات.

ومع ذلك، ثمة إجماع بين المحللين السياسيين على استبعاد احتمال اعتراف المجتمع الدولي بنتائج التصويت في المناطق التي ضمتها روسيا في نهاية سبتمبر/ أيلول 2022 وقطعت طريقاً طويلاً نحو إدماجها في الحياة السياسية والاقتصادية الروسية، ولو من دون تمكنها من إحكام السيطرة على كامل أراضي المنطقة، إذ لا تزال مساحات شاسعة منها موضعاً لمعارك الكر والفر بين القوات الروسية والأوكرانية.

وهذه الانتخابات هي ثاني استحقاق سياسي تجريه السلطات الروسية في "الأراضي الجديدة"، بعد أن نظمت في النصف الأول من سبتمبر/ أيلول الماضي أول انتخابات محلية شرق أوكرانيا، وسط تنديد أوكراني ودولي بإجراء التصويت في أراضٍ ضمتها روسيا بشكل أحادي الجانب.

رهانات روسية يقابلها رفض غربي

سعى بوتين لمغازلة السكان المحليين في دونباس عبر التأكيد على دعم الأقاليم الروسية "الجديدة" والارتقاء بها إلى المستوى الفيدرالي العام.

وقال بوتين في حوار مع قناة "روسيا 1" ووكالة "نوفوستي" الحكومية الروسية، أجراه الإعلامي الموالي للكرملين دميتري كيسيليوف، الذي يعد واحداً من أعمدة الدعاية الروسية: "بالطبع، كانت الكثافة السكانية في هذه الأقاليم عالية إلى حد كبير دائماً، والمناخ هناك رائع. فيما يتعلق بدونباس، فهذه منطقة متطورة صناعياً. استثمر الاتحاد السوفييتي كثيراً في هذه المنطقة وقطاع إنتاج الفحم فيها والميتالورجيا، وكل شيء على مستوى عالٍ هناك".

وأضاف في الحوار الذي جرى بثه اليوم الأربعاء أن المنطقة تحتاج إلى استثمارات، لافتاً إلى أن نوفوروسيا (التسمية التاريخية لمناطق شرق أوكرانيا في عهد الإمبراطورية الروسية) هي "منطقة ذات زراعة متطورة، وسنقوم هنا بكل ما بوسعنا من أجل دعم مجالات الأنشطة التقليدية وتلك الجديدة التي تندمج ضمن هذه الأقاليم".

ومع ذلك، يجزم الصحافي والباحث بالشؤون الأوكرانية، قسطنطين سكوركين، بأن أوكرانيا والمجتمع الدولي لن يعترفا بنتائج التصويت في المناطق "الجديدة"، مستبعداً في الوقت نفسه احتمال أي تشديد مهم للعقوبات المفروضة على موسكو على خلفيتها.

وقال سكوركين، في حديث لـ"العربي الجديد": "لن تعترف أوكرانيا والدول الغربية بالانتخابات التي تجريها السلطات الروسية في الأراضي المحتلة، شأنها في ذلك شأن أي انتخابات سابقة، وهي غير قانونية من وجهة نظر القانون الأوكراني كونها من فعاليات إدارات الاحتلال".

وشكك الصحافي في إمكانية تشديد العقوبات الغربية المفروضة على روسيا على خلفية الانتخابات في المناطق "الجديدة"، مضيفاً: "قد فرضت العقوبات بحق أغلبية المسؤولين الروس العاملين على الأراضي المحتلة، فلن يذهب الأمر أبعد من إدراج أسماء جديدة لأشخاص ضالعين في تنظيم التصويت في دونباس أو في مقاطعتي زاباروجيا وخيرسون".

ومع ذلك، لا يستبعد سكوركين احتمالاً نظرياً بأن يقدم الغرب على خطوات مهمة بحق روسيا على خلفية الوضع في أوكرانيا مجتمعاً مع وفاة زعيم المعارضة الروسية، أليكسي نافالني، في ظروف غامضة بإصلاحية ذات نظام مشدد في منتصف فبراير/ شباط الماضي.

وقال: "يمكن لأوروبا استنساخ نموذج عدم اعتراف الاتحاد الأوروبي بشرعية الرئيس ألكسندر لوكاشينكو في بيلاروسيا، مع روسيا هذه المرة. صحيح أن هذه ستكون خطوة جديدة على طريق تصاعد التوتر العالمي، ولكن منطقها يكمن في أن بوتين لن يعود محاوراً مقبولاً لدى الغرب في هذه الحالة".

عودة الوضع الطبيعي؟

يرى المحلل السياسي والصحافي المتخصص في الشأن الأوكراني المتحدر من دونيتسك والمقيم في موسكو، ألكسندر تشالينكو، أن قطاعاً عريضاً من سكان دونباس، لا سيما ممن عاصروا عهد الاتحاد السوفييتي، يرون في اندماج أراضيهم ضمن المجال السياسي الروسي "أمراً طبيعياً".  

وقال تشالينكو، في حديث لـ"العربي الجديد": "يرى السكان من الفئة العمرية فوق الـ45 عاماً ممن عاصروا عهد الاتحاد السوفييتي في اندماج مناطقهم ضمن المجال السياسي الروسي عودة إلى الوضع الطبيعي. أما بالنسبة للشباب، فهذا يمثل زيادة لدرجة التكامل مع روسيا، وإن كانت لا تخلو من سلبيات من جهة الانعدام الفعلي للحياة السياسية في روسيا على عكس أوكرانيا التي اعتادوا فيها على تتابع السلطة بوتيرة عالية بواقع خمسة رؤساء مختلفين خلال ربع قرن".

ومع ذلك، يجزم تشالينكو الذي زار مناطق شرق أوكرانيا بعد ضمها إلى روسيا مرات عدة، بحصول بوتين على نسب تأييد عالية في الأقاليم الجديدة، مضيفاً: "أتوقع أن يحصل بوتين على ما بين 80 و90 في المائة، حيث يتلقى السكان المحليون المعلومات من التلفزيون الذي يقدمه كزعيم وطني قوي يحقق الاستقرار. أما أسماء المرشحين الثلاثة الآخرين، فتكاد تكون غير معروفة".

وحول رؤيته لسلوك تصويت السكان المعارضين للوجود الروسي شرق أوكرانيا، قال: "المعارضون الأكثر حدة قد غادروا إلى المناطق الخاضعة لسيطرة كييف. أما من اختاروا البقاء، فلن يذهبوا إلى مراكز الاقتراع أصلاً. وهناك آخرون متأرجحون أصبحوا يتقبلون الوجود الروسي بعد إدراكهم استمراره وفشل الهجوم الأوكراني المضاد في العام الماضي".  

يذكر أن بوتين وقع أثناء مراسم مهيبة أقيمت في الكرملين في 30 سبتمبر/ أيلول 2022 على اتفاقيات انضمام "جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين" المعلنتين من طرف واحد ومقاطعتي خيرسون وزاباروجيا، إلى روسيا ككيانات إدارية على إثر الاستفتاءات أحادية الجانب التي جرت في المقاطعات الأوكرانية الأربع.