ذكرى مجزرتي جامعة حلب والحصوية... جرائم حرب بلا محاسبة

15 يناير 2023
تشديد على ضرورة ملاحقة المتورطين في المجزرتين (Getty)
+ الخط -

تصادف، اليوم الأحد، الذكرى السنوية التاسعة لمجزرة جامعة حلب، التي راح ضحيتها أكثر من ثمانين شخصاً، معظمهم من طلاب كلية العمارة، والذين قضوا نتيجة قصف طائرة "ميغ" تابعة للنظام السوري الجامعة بصاروخين، استهدف الأول تجمعاً للطلاب، والثاني السكن الجامعي المقابل للكلية. كما تحل اليوم الذكرى العاشرة لمجزرة الحصوية بريف حمص، أو ما يعرف بـ"مذبحة الثلاثاء الأسود".

وفي ذلك اليوم، أصيب سكان مدينة حلب بالصدمة جراء انفجار صاروخٍ على دوار العمارة قرب كلية الهندسة المعمارية في الجامعة، وصاروخٍ آخر استهدف مبنى السكن الجامعي الذي كان مكتظاً بنازحين من مناطق حلب الشرقية، وسقط إثر الاستهداف عشرات القتلى من الطلاب والنازحين، وأصيب المئات.

ومنذ اللحظة الأولى، تباينت تصريحات النظام السوري عن أسباب الانفجارين، وقال بداية إنهما نتيجة قصفٍ من المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة، ثم عزا الأمر إلى انفجار صواريخ حرارية للمعارضة أُطلقت بالخطأ، بالتزامن مع جهود حثيثة لطمس الرواية الحقيقية، واعتقال كل شخص يتحدث عن تورط للنظام في عملية القصف.

ونقلت "الرابطة السورية لحقوق الإنسان" عن شهود عيان، كانوا في المنطقة وقت الانفجارات، تأكيدهم أن طائرة حربية شنّت غارة بشكلٍ مباشرٍ على طلاب الجامعة في يوم امتحانهم الأول بالقرب من كلية العمارة، كما استهدفت بشكلٍ مباشرٍ السكن الجامعي الذي يقطن فيه الآلاف من النازحين الفارين من مناطق حلب الشرقية، والتي كانت تتعرض للقصف اليومي من جانب قوات النظام السوري.

وذكر الناشط أيمن الدالي الذي عايش تلك الفترة، لـ"العربي الجديد"، أن تلك المجزرة التي استهدفت الطلاب والنازحين "تعكس الطريقة التي تعامل بها النظام السوري مع شعبه طيلة السنوات، بل والعقود الماضية، والتي ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا، ما يؤكد استحالة الركون لأية تسوية أو وعود يطلقها النظام الذي أوغل في دماء السوريين".

وأوضح الدالي أن القصف تزامن من تقديم الطلاب لامتحانات الفصل الدراسي الأول، حيث كانت كلية العمارة مزدحمة بالطلاب، مشيراً إلى أن إعلام النظام حضر إلى المكان بسرعة، مقدماً روايات متضاربة، حيث ادعى تارة أن الانفجار ناجم عن سيارات مفخخة، ثم قال إنه ناجم عن صاروخ حراري أطلقته المعارضة باتجاه طائرة لقوات النظام، لكنه أخطأ هدفه.

وإمعاناً في التضليل، أطلق النظام على الطلبة الذين قتلهم اسم "شهداء العلم"، وسعى إلى تكريمهم.

وفي إحيائها ذكرى المجزرة، ذكرت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، في تقرير لها اليوم الأحد، أن جامعة حلب تأسست عام 1960، وهي الثانية في البلاد، وتتكون من 27 كلية و12 معهداً، إضافة إلى مستشفى جامعي. وشهدت الجامعة أقوى حراك جامعي في جميع جامعات سورية، بالرغم من وقوعها ضمن سيطرة النظام السوري ولم تخضع في أي وقت من الأوقات لسيطرة المعارضة.

ونقلت الشبكة عن شاهد عيان كان موجوداً وقت القصف، وهو طالب يُدعى حسام الحلبي، قوله إنه عند "معهد التمريض، كانت هناك كثافة طلابية كبيرة، حيث كان وقت تبديل بين امتحانات الطلاب، وفجأة شهدنا تحليقاً للطيران الحربي، وقامت الطائرات ومن دون سابق إنذار بقصفنا بصاروخ، وألقت معه بالونات حرارية، ولم تمضِ سوى لحظات حتى قصفنا بصاروخ ثانٍ، ما أدى إلى تكسر الزجاج وإغلاق أبواب سور الجامعة، وتبع ذلك إطلاق رصاص كثيف لم يُعرف مصدره".

وأضاف: "لم نستطع الخروج إلا بعد قليل، حيث كان الوضع كارثياً، وكان هناك عدد كبير من الجثث المتفحمة والأشلاء، وسور الجامعة قد تضرر، ولحق الضرر الكبير بواحد من مباني سكن الطلاب، واحترق عدد كبير من السيارات، وقام الطلاب والمواطنون بنقل الجرحى بسيارات الأجرة والسيارات الخاصة".

وتقول الشبكة إنها وثقت بالاسم مقتل 38 شخصاً، بينهم 10 نساء وطفلان، إضافة إلى تسجيل أكثر من 250 جريحاً. وتضيف أن العدد الحقيقي للضحايا أكبر من ذلك بكثير، نظراً لوجود عدد كبير من الجثث المحروقة والمشوهة، والتي لم يتمكن أحد من التعرف على هوية أصحابها، لأن الجامعة كانت تضم طلاباً من جميع المحافظات السورية، وقدّر عدد الضحايا بأكثر من 70 شخصاً، في حين أكدت مصادر أخرى مقتل ما لا يقل عن 83 شخصاً.

مجزرة الحصوية

كما تصادف اليوم أيضاً الذكرى السنوية العاشرة لمجزرة الحصوية بريف حمص، أو ما يعرف بـ"مذبحة الثلاثاء الأسود"، والتي راح ضحيتها عشرات، وربما مئات المدنيين، في عمليات قتل جماعي حملت صبغة طائفية.

وذكّرت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" أنه في صباح يوم الثلاثاء 15-1-2013، اقتحمت قوات النظام السوري ومليشيات موالية لها قرية الحصوية بريف حمص، ونفذت أعمال قتل واسعة بحق الأهالي من سكان المنطقة والمهجرين إليها من حي دير بعلبة بحمص، وذلك رمياً بالرصاص أو ذبحاً بالحراب والسواطير. ووثقت الشبكة مقتل 108 مدنيين بينهم 25 طفلاً و17 سيدة.

وكانت الشبكة ذكرت في تقرير لها عام 2018، تحت عنوان "مقتل 3098 شخصاً بينهم 531 طفلاً على يد النظام السوري في مجازر تحمل صبغة طائفية"، أن التّحقيق في "مجزرة الحصوية" استغرق قرابة عام ونصف العام من جمع الأدلة والبحث عن ناجين من المجزرة، وخلصت وفق رواية 6 من الناجين، مع تحليل المقاطع المصوَّرة والصور التي نُشرت عبر الإنترنت، أو التي أرسلها إلى الشبكة نشطاء محليون، إلى القول إن من نفذ المجزرة هي مليشيات محلية وأخرى لبنانية من جبل محسن في مدينة طرابلس، ارتكبت عمليات قتل ذبحاً بالسكاكين، تبعتها عمليات حرق للجثث، إضافة الى عمليات نهب واغتصاب.

ووفق الشبكة، فقد جنّد النظام السوري مليشيات محلية تنتمي إلى الطائفة العلوية لارتكاب عدد كبير من المجازر بطريقة بدائية، مع تعمّد تسريبَ صور وفيديوهات لجثث مشوهة، ولأطفال ذُبحوا بالسكاكين، وقطِّعت أرجلهم، ولنساء جُرّدن من ملابسهنّ، بهدف متعمّد، وهو بعث الطائفية، ليأخذ الحراك الشعبي ضده بعداً طائفياً.

وأوضح التقرير أن أول عامين من الحراك الشعبي شهدا النسبة الأعلى من مجازر التطهير الطائفي، حيث "لم يكتفِ النظام السوري بتجنيد وتشكيل مليشيات طائفية من أبناء الطائفة العلوية، بل استعان بمليشيات إيرانية، لإذكاء صراع سني علوي شيعي، يصرفُ النظر عن الصراع الأساسي بين حراك شعبي وسلطة استبدادية عائلية حكمت لسنوات طويلة بالقمع والإرهاب".

ووفق "اللجنة السورية لحقوق الإنسان"، فقد شارك في تنفيذ المجزرة، التي قُدّر ضحاياها بالمئات، شبيحة موالون لنظام الأسد من قرية المختارية وقرية الحازمية وشبيحة آل الحلبي، بحماية فرع المخابرات الجوية التابع للنظام.

وفي حديث مع "العربي الجديد"، حث مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني الجهات الدولية المعنية، وخاصة "لجنة التحقيق الدولية"، على ملاحقة المتورطين بهذه الجرائم، والسعي إلى تقديمهم للعدالة، محمّلاً رأس النظام السوري المسؤولية المباشرة عنها.

وشدد عبد الغني على أهمية مواصلة التذكير بهذه المجازر، خاصة مع تزايد الحديث هذه الأيام عن عودة العلاقات مع هذا النظام المجرم، والذي لم تجرَ محاسبته وأجهزته الأمنية على جرائمها.

وطالب عبد الغني الهيئات الدولية بعدم التخفيف من هول هذه الجرائم لدواعٍ سياسية، بل التعامل معها في إطارها الحقيقي، بوصفها جرائم ضد الإنسانية، وأحياناً جرائم تطهير طائفي لبواعث سياسية.

المساهمون