في 23 مارس/آذار 2013، وُجد الملياردير والسياسي الروسي المنشق، يهودي الأصل، بوريس بيريزوفسكي، ميتاً في ظروف غامضة بمنزل زوجته السابقة في بلدة أسكوت في ضواحي مدينة وندسور البريطانية.
وبدأ بيريزوفسكي مسيرته الحافلة في تسعينيات القرن الماضي، وتحول خلالها إلى واحد من الشخصيات الأكثر نفوذاً في عهد الرئيس الروسي الراحل، بوريس يلتسين، وأدى دوراً محورياً في وصول الرئيس الحالي، فلاديمير بوتين، إلى سدة الحكم.
وعمل بيريزوفسكي في الأساس بروفيسوراً في الرياضيات، ولكنه تمكن من اختراق دائرة الكرملين والتلاعب في آن معاً بأجهزة القوة الفدرالية والمسلحين في جمهورية الشيشان ذات النزعة الانفصالية في أعقاب تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991، وبناء إمبراطورية مالية وإعلامية متكاملة الأركان.
وفي عام 1996، التحق بيريزوفسكي بصفوف مجموعة من رجال الأعمال من طبقة الأوليجاركيا، عرفت إعلامياً باسم "سيميبانكيرشينا" (أي "المصرفيون السبعة") ضمت عدداً من أباطرة المال الأكثر تأثيراً، أغلبهم من أصول يهودية، وحّدوا جهودهم من أجل ضمان إعادة انتخاب يلتسين رئيساً لروسيا أمام منافسه الشيوعي، غينادي زيوغانوف، في تلك السنة المفصلية في تاريخ البلاد.
ونظراً لنفوذه على الكرملين بموازاة تدهور حالة يلتسين الصحية، برز دور بيريزوفسكي المتنامي في الحياة السياسية الروسية من خلف الكواليس، مترجماً قوته السياسية إلى ثروة هائلة تضخمت في سنوات معدودة إلى مليارات الدولار، ومستحوذاً على القناة الأولى الروسية، وسط هيمنة الأوليجاركيا على قطاع الإعلام في روسيا التسعينيات.
وبعد تنحي يلتسين عن حكم روسيا ليلة رأس سنة 2000، دعم بيريزوفسكي حملة القائم بأعمال الرئاسة والمرشح الرئاسي حينها، فلاديمير بوتين، بما في ذلك إعلامياً عبر القناة الأولى المملوكة له، ولكنه بدأ بحلول خريف ذلك العام بتوجيه انتقادات علنية إلى بوتين، معتبراً مبادراته التشريعية غير ديمقراطية.
وبعد تفاقم الخلافات بينه وبين الإدارة الروسية الجديدة، باع بيريزوفسكي أسهمه في القناة الأولى وشركة "سيبنفط" النفطية، متجهاً إلى بريطانيا التي تحولت في ذلك الزمن إلى وجهة رئيسية للمنشقين الروس.
ومن بريطانيا، واصل بيريزوفسكي انتقاد السلطة الروسية وبوتين بشخصه، بما وصل إلى حد اتهامه جهاز الأمن الفيدرالي الروسي بتفجير مبان سكنية في مدن موسكو وبويناكسك وفولغودونسك لتوفير ذريعة لبدء الحرب الشيشانية الثانية في عام 1999.
وفي عام 2007، أصدر القضاء الروسي حكماً غيابياً بالسجن لمدة ست سنوات بحق بيريزوفسكي في قضية الناقل القومي الروسي "أيروفلوت"، بينما وصف رجل الأعمال المنشق محاكمته بأنها "مسرحية هزلية"، رافضاً الاعتراف بمشروعيتها.
وفي عام 2009، صدر بحقه حكم آخر بالسجن لمدة 13 عاماً في قضية سرقة أسهم شركتي "لوغوفاز" و"أفتوفاز"، ولكن بريطانيا رفضت تسليمه باعتباره لاجئاً سياسياً.
وقبل وفاته بفترة قصيرة، أرسل بيريزوفسكي خطاباً إلى بوتين اعترف فيه بارتكابه أخطاء، طالباً السماح له بالعودة إلى روسيا. وأقرّ بوتين بتلقيه خطابين مطابقين من بيريزوفسكي وصل ثانيها بعد وفاته، رافضاً الكشف عن تفاصيل فحواهما، مكتفياً بالقول إنه لم يرد على الخطاب الأول.