دونباس... من قلعة الصناعة السوفييتية إلى منطقة الصراعات العالمية

19 فبراير 2022
منذ عام 2014 أضيفت دونباس إلى قائمة المناطق المتنازع عليها (Getty)
+ الخط -

حتى عام 2014، لم يحظ اسم منطقة دونباس بأي شهرة حول العالم، إلى أن تغيّر الأمر في ربيع ذلك العام، بعد إعلان النشطاء الموالين لروسيا عن قيام "جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك" الشعبيتين المعلنتين من طرف واحد، مما شكل بداية لنزاع مزمن ازداد سخونة هذه الأيام، متصدراً عناوين جميع وسائل الإعلام العالمية، ومتحولاً إلى الساحة الرئيسية للمواجهة الروسية الغربية غير المباشرة، عبر البوابة الأوكرانية. 

وتعد دونباس من المناطق القابلة للاشتعال الموروثة من حقبة الاتحاد السوفييتي، حين رسم البلاشفة والسلطات الشيوعية الحدود بين جمهوريات الاتحاد انطلاقاً من اعتبارات إدارية دون مراعاة التشكيلة الإثنية لجمهورياته الـ15.

 ومنذ عام 2014، أضيفت دونباس إلى قائمة المناطق المتنازع عليها والانفصالية التي تضم إقليم ترانسنيستريا في مولدافيا، وإقليم ناغورنو كاراباخ المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان، وإقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية في جورجيا. 

قبل ثورة البلاشفة في عام 1917، كانت دونباس جزءا من الإمبراطورية الروسية، ولعبت دوراً في ثورتها الصناعية في القرن الـ19 الميلادي بفضل احتياطاتها من الفحم. كما عرفت هذه المنطقة في عهد الإمبراطورية الروسية باسم "مالوروسيا" ("روسيا الصغيرة") نسبة للهجة المحلية للغة الروسية، مما دفع بالانفصاليين إلى طرح هذه التسمية في بداية الأزمة الأوكرانية، ولكنه لم يتم الإجماع على هذا المشروع، وسط عجزهم عن توحيد "جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك" تحت قيادة سياسية واحدة.

وفور وقوع ثورة البلاشفة، كان جلياً توجه دونباس نحو موالاة موسكو لا السلطات المحلية، إذ لم تحصل الأحزاب الأوكرانية مجتمعة سوى على 12 في المائة من الأصوات في انتخابات الجمعية التأسيسية المحلية في نوفمبر/تشرين الثاني 1917. وحتى تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991، تم اعتماد اللغة الروسية كلغة التعليم بالمدارس في البلدات السكنية الكبرى في دونباس مع الدراسة المعمّقة للغة الأوكرانية وأدبها. 

وبعد الحرب العالمية الثانية (1939 -1945)، تحولت دونباس إلى واحدة من المناطق القليلة ذات "عقلية سوفييتية" حقيقية من جهة الصبر والالتزام نظراً للعمل الشاق بالمناجم والمصانع، التي شكلت أحد أعمدة الدولة السوفييتية الكبرى. 

ولكن في العقود التالية، توجهت القيادة السوفييتية نحو تهميش دونباس لاعتقادها أنها قد أكملت مهمة زرع الوطنية السوفييتية في هذه المنطقة، مما أدى إلى وقوع إضرابات عمال المناجم جراء تفاقم المشكلات الاجتماعية والاقتصادية في دونباس بحلول نهاية ثمانينيات القرن الماضي، في مؤشر لخسارة السلطة السوفييتية دعم الطبقة العمالية.

وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي، واصلت قيادة الدولة الأوكرانية الوليدة تهميش دونباس التي لم يبد سكانها درجة عالية من الولاء لكييف، وسط استمرارهم في اعتماد اللغة الروسية في تعاملاتهم اليومية. 

وفي ربيع عام 2014، ألهمت تجربة انضمام شبه جزيرة القرم إلى روسيا، النشطاء الموالين لموسكو في دونباس إلى الدعوة لإجراء استفتاء تقرير المصير لحذو حذو القرم، وسط إعلان السلطات الأوكرانية الجديدة آنذاك توجهات قومية متشددة عن بدء عملية "مكافحة الإرهاب" في دونباس، مما أدى إلى اندلاع حرب مفتوحة راح ضحيتها نحو 13 ألف قتيل، وفق أرقام الأمم المتحدة.

وفي حوار سابق مع "العربي الجديد"، أرجع رئيس "جمهورية دونيتسك الشعبية"، دينيس بوشيلين، تباين تصرف موسكو في حالتي القرم ودونباس إلى أن وضع الحكم الذاتي بالقرم كان يتيح إجراء استفتاء "استعادة الوحدة" مع روسيا، محملاً النخب السياسية الأوكرانية في مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك مسؤولية الهروب بدلاً من دعم تطلعات السكان المحليين.

المساهمون