أطلق الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، أول من أمس الثلاثاء، باكراً جداً السباق في الولايات المتحدة لرئاسيات 2024، بترشحه للمرة الثالثة للرئاسة، وهو ما كان متوقعاً على نطاق واسع، وينذر بمعركة داخل الحزب المحافظ. وفي الواقع، لم تغب رئاسيات 2024 يوماً عن المشهد الأميركي منذ انتهاء الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، والتي فاز فيها جو بايدن على ترامب. إذ إن رحيل الأخير عن البيت الأبيض ظلّ محكوماً بهاجس العودة إليه، بالنسبة إليه، ولثلث القاعدة الجمهورية على الأقل، التي اقتحم بعضها مقر الكابيتول في 6 يناير/ كانون الثاني 2021، لمنع المصادقة على فوز بايدن.
لكن أحداً في واشنطن لم تكن لديه شكوك أيضاً بأن ترامب سيُجرّب حظّه الرئاسي مرة أخرى، رغم الدعاوى التي تلاحقه، والتي لا يزال يربطها بعضهم بجهود "الدولة العميقة" لمنعه من الترشح. ورغم صعوبة التنبؤ بمآلات الأمور اليوم، فإن طريق ترامب إلى البيت الأبيض تبدو صعبة، لأسباب تتعلق به وبوضع الحزب الجمهوري وبالظروف السياسية العامة في البلاد، التي جعلت نتائج الانتخابات النصفية للكونغرس تُكذّب استطلاعات الرأي التي تنبأت بتسونامي جمهوري. وصوّت العديد من الجمهوريين، والمترددين، والمستقلين، من الأميركيين، "عقاباً" لترامب. لكن لا شيئ يبقى مضموناً، علماً أن ترامب حين ترشح للرئاسة في 2016، لم تكن لديه الكثير من أوراق القوة التي في حوزته اليوم، والتي لا يزال يملكها، رغم ضعفه الحالي.
ترامب: سأضمن عدم حصول بايدن على 4 أعوام أخرى
وأعلن ترامب، أول من أمس، من مقر إقامته في مارآلاغو بفلوريدا، ترشحه للرئاسة، ما ينذر بحملة رئاسية صعبة لمعسكر الجمهوريين الذين أضعفتهم الانتخابات النصفية التي أجريت في 8 نوفمبر الحالي، والتي لم يتمكنوا خلالها من السيطرة على مجلس الشيوخ، وقد يفوزون فيها بأغلبية ضئيلة جداً في مجلس النواب. وقال الرئيس السابق البالغ من العمر 76 عاماً: "أعلن ترشحي للانتخابات الرئاسية"، مضيفاً أن "عودة أميركا بدأت الآن".
وكما تعهد من قبل بأنه سيفوز بولاية ثانية، وهو ما لم يحصل، وبأنه سيقود الجمهوريين لاستعادة مجلسي الشيوخ والنواب في انتخابات التجديد للكونغرس، فيما خسر معظم المرشحين الذين دعمهم، تعهد الرئيس الأميركي السابق، أول من أمس، بمنع إعادة انتخاب بايدن في 2024، قائلاً أمام الناشطين والمؤيدين الحاضرين "سأضمن عدم حصول بايدن على 4 أعوام أخرى، بلادنا لا يمكنها تحمل ذلك".
ورسم ترامب، في كلمته التي استمرت ساعة، صورة مثالية لفترة ولايته الأولى، متحدثاً عن دولة تعيش بسلام وازدهار واحترام على الساحة الدولية، رغم حالة التراجع الدولي الذي عاشته الولايات المتحدة في عهده، والتوتر الدائم مع الحلفاء. كما أن سوء إدارته لأزمة كورونا، كلّفت أميركا غالياً على الصعيد الصحي والاقتصادي، وهو ما ساهم في خسارته سعيه لولاية ثانية.
وهاجم ترامب سجل خليفته الديمقراطي، متحدثا عن بلدٍ غارق في العنف والجريمة، تخنق الأسعار المرتفعة الأسر الأميركية فيه، ويعبر "ملايين" المهاجرين غير النظاميين حدوده مع المكسيك. واتهم الرئيس السابق بايدن بأنه "يجسد إخفاقات اليسار وفساد واشنطن، ويقودنا إلى حافة حرب نووية"، وأضاف أنه "بالفوز، سنبني أفضل اقتصاد على الإطلاق"، ورأى أن "الشوارع المعبدة بالدماء في مدننا التي كانت ذات يوم عظيمة، هي بؤر للجرائم العنيفة"، وتعهد بـ"استعادة وتأمين حدود أميركا"، وقال لأنصاره "لن تكون هذه حملتي ستكون حملتنا"، مكرراً رغبته في "تطهير" واشنطن، في إشارة إلى النخب السياسية الأميركية.
ومن دون أن يطرح برنامجاً واضحاً للحكم، انتقد ترامب الأجندة "البيئية" للديمقراطيين، قائلاً: "يقولون إن مياه المحيطات سترتفع خلال 200 لـ300 سنة، بأقل من نصف البوصة (الإنش) الواحدة، لكنهم ليسوا قلقين من الأسلحة النووية التي قد تقضي على دول بأكملها بضربة واحدة"، كما زعم أن إدارته ملأت احتياطي البترول الاستراتيجي، لكن إدارة بايدن "استنزفته عملياً". وتطرق ترامب إلى الانسحاب الأميركي الفوضوي من أفغانستان في عهد بايدن، معتبراً أنه "من أكثر الأوقات إحراجاً ربما في تاريخ بلادنا، حيث فقدنا أرواحاً، وتركنا أميركيين وراءنا، وأفضل المعدات العسكرية التي قد تجدها في العالم، والتي تقدر بـ85 مليار دولار".
وأوضح الرئيس السابق أنه سيضغط في حال فوزه بالرئاسة من أجل تطبيق عقوبة الإعدام على تجار المخدرات ووضع قيود على فترات عمل المشرعين، وإعادة توظيف أعضاء الجيش الذين تمّ فصلهم لرفضهم الحصول على لقاح كورونا، كما أكد أنه سيكون أكثر تصميماً على نشر القوات الفيدرالية لمحارية الجريمة، والشغب، والتظاهرات، في إشارة أيضاً إلى الحراك ضد العنصرية الذي خرج في عهده إثر مقتل المواطن من أصول أفريقية جورج فلويد، في مدينة مينابوليس (مينيسوتا) في مايو/ أيار 2020، بعدما ضغط شرطي على رقبته لتسع دقائق، في حادثة أثارت موجة طويلة من الاحتجاجات في الولايات المتحدة، وأضاف: "إذا قالوا إنهم لا يريدون مساعدتنا، فسنصرّ هذه المرة على أن نساعدهم".
وتوقع ترامب أن "تعارض الجماعات اليسارية وواشنطن" ووسائل الإعلام حملته، وقال "لكننا لن نخاف وسنثابر وسنسير إلى الأمام". كما جدّد الرئيس السابق طلبه بتشديد القيود على حقوق التصويت، بما فيها إنهاء التصويت المبكر (المعتمد حالياً في 46 ولاية)، والتصويت بالبريد (مسموح به من دون عذر في 35 ولاية)، وقال: "سأنجز ذلك. إنها مهمة أعتبرها شخصية جداً بالنسبة لي".
ولم يتأخر بايدن، الذي لم يخف بدوره رغبته بالترشح لولاية ثانية بعد عامين، في التعليق على ترشح سلفه مجدداً، كاتباً على "تويتر" أن "ترامب خذل أميركا" خلال توليه منصبه.
وينذر ترشح ترامب للرئاسة، الذي كان استبق إعلانه الثلاثاء بتقديم أوراق ترشحه لهيئة الانتخابات الفيدرالية الأميركية، ولتشكيل لجنة تسمى "دونالد جيه. ترامب رئيساً لأميركا 2024"، بإمكانية استعادة الولايات المتحدة في 2024، للمنافسة ذاتها بين ترامب وبايدن في 2020، علماً أن الرئيس السابق لم يعترف قط بفوز منافسه قبل عامين، بل يعتبر أن الفوز "قد سرُق منه".
لكن كل من يزور مارآلاغو، منذ عامين، يروي أن الضغينة التي يحملها ترامب ليست موجهة للديمقراطيين فحسب، الذين حاولوا عزله مرّتين خلال ولايته، وما زالوا يلاحقونه بتحقيق في مجلس النواب باقتحام الكونغرس، بل إلى "الخونة" من الجمهوريين، لا سيما زعيم الأقلّية الحالية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، وأيضاً نائب ترامب السابق مايك بنس، الذي لا يخفي بدوره حالياً طموحاً لديه بالترشح للرئاسة. ولم يخف ترامب في إعلان الترشح الطويل رغبة لديه في تقديم نفسه كبديل نهائي للقيادة التقليدية للحزب الجمهوري التي يربط هزيمة الانتخابات النصفية بها، رغم أن هذه القيادة هي التي حمته خلال محاولتي عزله، بينما يتهمها بعدم فعل ما يكفي لمنع "سرقة انتخابات" 2020.
بايدن عبر "تويتر": ترامب خذل أميركا خلال توليه منصبه
ويبدو أن ترامب بترشيحه المبكر، الذي حاول مساعدوه ومستشاروه ثنيه عنه، لا سيما بعد نتائج الانتخابات النصفية، أراد أيضاً استباق الطامحين الرئاسيين داخل حزبه، أو ربما تخويفهم من منافسته على الترشيح بعد أن يكون قد استنفر قاعدته، وهي حوالي 35 في المائة من رصيد الجمهوريين الانتخابي، للالتفاف حول ترشيحه قبل أن يدخل المنافسون حلبة الترشيح. ويأتي ذلك خصوصاً أن المحتمل دخولهم حلبة السباق من المحافظين هم من أصحاب الأسماء المعروفة التي تحظى بحضور انتخابي في أوساط الجمهور التقليدي للحزب، مثل بنس، أو تلك التي بدأ يلمع نجمها في سماء الحزب مثل حاكم ولاية فلوريدا رون دي سانتيس، الذي استشعر ترامب خطره ففتح عليه النار، والتي ردّ عليها سانتيس بالمثل.
وربما كان هدف ترامب الحدّ من عدد الطامحين الجمهوريين قدر الإمكان، وبما يعزز في النهاية احتمال أن يرسو عليه الاختيار في انتخابات التصفية الحزبية، أي الانتخابات التمهيدية التي ما زالت بداياتها على مسافة 14 شهراً من اليوم. كما يربط مراقبون عناده وإصراره على إعلانه المبكر باعتبارات أخرى، منها استقواؤه بالترشيح لمواجهة الاتهامات، وربما المحاكمات الجزائية في دعاوى عدة على وشك أن يقرر فيها القضاء الأميركي أو وزارة العدل.
ومع إعلان ترامب ترشحه للرئاسة، يبدو الحزب الجمهوري في مأزق كبير على بعد عامين من الاستحقاق الرئاسي في 2024. فإذا فاز ترامب بترشيح الحزب للرئاسة إثر انتخابات التصفية، ستكون كفّة الحزب الديمقراطي راجحة للفوز، إذا ما اخذت بالاعتبار نتائج الانتخابات النصفية الأخيرة. وتتضاعف حظوظ الديمقراطيين إذا ما نجح بايدن في تحسين الاقتصاد.
أما إذا خسر ترامب في التصفية، فلا مجازفة في القول إنه قد يدعو قاعدته لمقاطعة الانتخابات، وبالتالي حرمان المرشح الجمهوري من أصوات حوالي ثلث أصوات حزبه، واستطراداً من الرئاسة. وتكمن الأزمة الأخطر في أن يدخل ترامب المعركة ويخسرها، ويتكرر سيناريو 2020. ومن هنا، تأتي الدعوات داخل الحزب الجمهوري، ومن أسماء وازنة فيه، للتحرك المبكر والبحث عن بديل من بين من هم في وارد الترشح.
ويربط البعض هذه الدعوات المتصاعدة بخسارة مرشحين عديدين دعمهم ترامب في الانتخابات النصفية، أي أن بعض قيادات الحزب تحاول التبرؤ من ترامب، الذي أصبح بالنسبة إليها عبئاً، فيما يرى متابعون أن هذه "الخيانة" بدأت مبكراً، وخصوصاً منذ حادثة اقتحام الكونغرس. وينسحب هذا النفور من ترامب على جزء من القاعدة الشعبية الجمهورية، وهو نفور تشي أرقام استطلاعات الرأي بأنه في تصاعد، علماً أن هناك جزءاً من القاعدة "معجب بحركة جعل أميركا عظيمة مجدداً" MAGA، من دون أن يكون بعد الآن مؤيداً لترامب أو سيصوت له في أي انتخابات مقبلة إذا ما وصل إلى المنافسة فيها. ووجد استطلاع للرأي أجرته شبكة "أن بي سي" أخيراً، وأجري بين 3 و5 نوفمبر الحالي، أن 47 في المائة من الأميركيين لديهم "انطباع سلبي" عن ترامب، فيما ازداد عدد الجمهوريين الذين عرّفوا عن أنفسهم بأنهم جمهوريون وليسوا ترامبيين.
وبحسب الصحيفة، فإنه على الرغم من أن شعبية الرئيس السابق لا تزال مرتفعة لدى الجمهوريين، إلا أن هناك إحساساً ملموساً بين القياديين والقاعدة أيضاً بأن الحزب سيكون في وضع أفضل من دونه وبوجه جديد في 2024. غير أن "واشنطن بوست" أقّرت، في تقرير لها نشر أمس، بأن ترامب لا يزال يملك بعض نقاط القوة، ومنها أنه الأكثر قدرة على جمع التمويل الانتخابي، وإقامة التجمعات الحاشدة، كما أن غالبية استطلاعات الرأي لا تزال ترجح فوزه في الانتخابات التمهيدية للحزب.
يُذكر أن ترامب هو أول رئيس أميركي مهزوم يترشح مرة ثالثة للرئاسة بينما هو يواجه احتمال إدانته، في إشارة إلى القضايا المفتوحة ضده، ومنها التحريض على اقتحام الكونغرس، أو محاولة التأثير والضغط في ولايات لتغيير نتيجة التصويت، أو التهرب الضريبي، أو وثائق مارآلاغو المصادرة. كما أنه أول رئيس أميركي سابق يترشح مجدداً للرئاسة منذ تيودور روزفلت (1901 – 1909)، والأول منذ الرئيس غروفر كليفلاند (فاز بالرئاسة في 1885)، للترشح مجدداً (1889) بعد خسارة سعيه لولاية ثانية.