لقي قيادي في مليشيا "كتائب البعث"، وهي إحدى المليشيات التي شكّلها النظام السوري بعد عام 2011، الأحد الماضي، مصرعه في ريف دمشق على يد مجهولين، ما أعاد التذكير بالدور الذي قامت به هذه المليشيا، إلى جانب مليشيات محلية أخرى شكلها النظام، في قمع الحراك الثوري منذ أكثر من 11 عاماً، والقتال ضد فصائل المعارضة السورية في مختلف المناطق. وانحسر دور "كتائب البعث" القمعي في السنوات الأخيرة الماضية، خصوصاً منذ عام 2018، وتحول من ارتكاب المجازر بحق أبناء الشعب السوري، إلى حراسة مقرات البعث ومهام "أمنية" للنظام.
وشاركت مليشيا "كتائب البعث" إلى جانب قوات النظام في القتال ضد فصائل المعارضة السورية، فضلاً عن حراسة مقرات "البعث" في المدن، إلا أن دورها تراجع في السنوات الأخيرة بعد سيطرة قوات النظام على الكثير من المناطق التي كانت تحت سيطرة فصائل المعارضة، وخصوصاً في عام 2018. وقال عمار ساعاتي، وهو قيادي في حزب البعث، العام الماضي، إن "كتائب البعث" كانت "رديفاً حقيقياً لقوات النظام"، وإنها "اليوم تقوم بتقديم الدعم والعون للأجهزة الحكومية".
تصفية قيادي في "كتائب البعث"
وذكرت مصادر إعلامية متقاطعة أن المدعو محمد دعاس العلي، قائد مركز "كتائب البعث" في منطقة القطيفة، في ريف دمشق، قتل مساء الأحد في كمين نصبه له مجهولون في قرية التواني. وبحسب شبكة "صوت العاصمة" التي تنقل أحداث العاصمة السورية دمشق وريفها، فإن مجهولين استدرجوا دعاس العلي إلى خارج منزله وأطلقوا عليه الرصاص مباشرة، قبل أن يلوذوا بالفرار.
لعبت مليشيا "كتائب البعث" دوراً كبيراً في قمع أي حراك ثوري في الجامعات السورية، وخصوصاً في جامعة حلب
ووفق الشبكة، تزعم القتيل سابقاً مليشيا محلية تتبع لفرع جهاز "المخابرات الجوية" في منطقة القلمون بريف دمشق، وشارك في العديد من العمليات العسكرية إلى جانب قوات النظام في القلمون والغوطة الشرقية، مشيرة إلى أنه متهم بالمشاركة في مجزرة دير الشيروبيم، بالقرب من بلدة صيدنايا في عام 2014.
وتعد منطقة القطيفة، الواقعة في شمال شرقي دمشق، والتي قتل فيها دعاس العلي، من أكثر المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام تحصيناً، كونها تضم مقرات ومعسكرات العديد من الفرق والألوية التابعة لقوات النظام. ولطالما تعرضت مواقع عسكرية في هذه المنطقة لقصف من الطيران الحربي الاسرائيلي، لوجود نشاط فيها للحرس الثوري الإيراني و"حزب الله" اللبناني.
ووفق مصادر محلية، فإن دعاس العلي كان مقرباً من "حزب الله"، وشارك مع مجموعته المسلّحة في المعارك التي شنّتها قوات النظام على فصائل المعارضة السورية طيلة سنوات الثورة، وصولاً الى عام 2018.
طلاب "البعث" يقمعون الحراك
وتعتبر "كتائب البعث" من المليشيات الرديفة لقوات النظام السوري، وكانت في بدايات تشكليها تضم أعضاء "عاملين" في حزب البعث الحاكم للبلاد منذ عام 1963. وأسس حزب البعث كتائبه في عام 2012، في ذروة الحراك الثوري في سورية، من طلاب جامعيين منتسبين للحزب، ولكن سرعان ما اتسع نطاق هذه الكتائب لتضم أعضاء من "البعث" من مختلف المستويات والأعمار.
وأدت هذه الكتائب دوراً كبيراً في قمع أي حراك ثوري في الجامعات السورية، وخصوصاً في جامعة حلب والتي أُطلق عليها في عام 2011 اسم "جامعة الثورة"، حيث شهدت تظاهرات حاشدة دفعت النظام إلى قصفها بالطيران في مطلع عام 2013. وأدى ذلك حينها إلى مقتل نحو 87 شخصاً على الأقل، جلّهم من طلاب كلية هندسة العمارة.
وتنتشر مليشيا "كتائب البعث"، التي يرتدي أفرادها الزي العسكري الخاص بقوات النظام، ويتميزون بوضع شعار "البعث" على سواعدهم، في أغلب المحافظات السورية.
بداية انتشار في صيدنايا ومجازر في القلمون
وأوضح الناشط الإعلامي مجد محمد (وهو من منطقة القلمون في ريف دمشق)، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "كتائب البعث كانت ضمن العديد من المليشيات التي شكلها النظام في محيط العاصمة السورية دمشق، مثل مليشيا درع القلمون وجيش الوفاء"، مشيراً إلى أن "نشاط كتائب البعث لُوحظ في ريف دمشق بعد عام 2013".
وأضاف محمد أن "هذه المليشيا ضمّت متخلفين عن الخدمة الإلزامية في قوات النظام، وأصحاب السوابق الجنائية، والذين قتل عدد كبير منهم في اقتحامات المدن والبلدات في ريف دمشق"، ولفت إلى أن بلدة صيدنايا (وهي مختلطة السكان من مسلمين ومسيحيين) في شمال شرقي دمشق، كانت أولى المناطق التي انتشرت فيها كتائب البعث، إضافة إلى مليشيا تابعة للحزب القومي السوري، والمعروفة بـ"نسور الزوبعة".
ووفق محمد، شاركت هذه المليشيات، وخصوصاً "كتائب البعث"، في العديد من المجازر التي ارتكبتها قوات النظام في ريف دمشق، لا سيما في منطقة القلمون، وأشار إلى أن "جثث القتلى من المدنيين والعسكريين من فصائل المعارضة، نقلت حينها، وسُحلت في شوارع بلدة صيدنايا".
مليشيات النظام، وخصوصاً "كتائب البعث"، شاركت في العديد من المجازر التي ارتكبتها قوات النظام في ريف دمشق، لا سيما في القلمون
وكان النظام السوري قد شكّل بعد مضي أشهر من انطلاق الثورة في سورية، العديد من المليشيات المحلية لقمع المتظاهرين وإرهابهم، أبرزها "الدفاع الوطني"، و"كتائب البعث"، و"الحرس القومي"، وغيرها من المليشيات التي ارتبط لاحقاً عدد منها بالجانب الإيراني.
وبيّن الناشط الإعلامي فارس حمدان، والذي كان طالباً في جامعة حلب مع انطلاق الثورة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "تأسيس كتائب البعث كان داخل جامعة حلب لمحاصرة الحراك الثوري في الجامعة"، وأشار إلى أن "هذه الكتائب كانت مزيجاً من الشبيحة ومن أعضاء حزب البعث"، وأضاف: "كان لهم دور تشبيحي في الجامعة، ولهم حواجز قرب المراكز والمقرات التابعة لحزب البعث وخصوصاً فرعه في الجامعة".
وأشار حمدان إلى أن أمين فرع حزب البعث في حينه هلال هلال "تبنى الكتائب ومنحها الامتيازات"، معرباً عن اعتقاده بأن هذا الأمر "مهّد له الطريق ليتسلم منصب الأمين العام المساعد لحزب البعث في سورية"، وأوضح أن "ماهر الأسد (شقيق رئيس النظام بشار الأسد) كان الموجه والداعم لتشكيل هذه المليشيا في مدينة حلب". ولفت حمدان إلى أنه "استحدث لاحقاً ضمن الكتائب تنظيم نسائي"، موضحاً أنه "تمّ الزجّ ببعض المنتسبات لهذه الكتائب في جبهات القتال وقتلت بعضهن".
وفي السياق، أوضح النقيب المنشق عن قوات النظام، الباحث في "المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام" رشيد حوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "كتائب البعث من ضمن مجموعات عدة شكّلها النظام من خارج المؤسسة العسكرية الرسمية التي يسيطر عليها"، وأضاف أن "معظم المنتمين إلى هذه الكتائب من البعثيين المستفيدين من سلطة نظام الأسد بامتيازات متنوعة تتمثل في المصالح المادية أو الوظائف".
وبرأي حوراني، فإن "أسوأ دور قامت به هذه الكتائب هو تحقيق رغبة النظام في تقسيم المجتمع ضمن المكون الواحد فيه"، ومثال ذلك، بحسب ما أوضح، "تجنيد البعثيين في مدينة القصير (ريف حمص)، لمواجهة أبناء المدينة المنتفضين ضد النظام"، وأوضح أنه "مع تطور العمليات العسكرية وانتشارها على كامل الجغرافيا السورية، لعبت كتائب البعث دورها كأي مليشيا تقف إلى جانب النظام، وتقدم مؤازرات في بعض الأماكن لوحداته القتالية".