منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، عمد الاحتلال الإسرائيلي إلى استخدام كثافة نارية غير مسبوقة في عدوانه على قطاع غزة، استهدف من خلالها البنية التحتية والشقق السكنية والأبراج والبنايات بطريقة مركزة ومعمقة، ما تسبب في دمار آلاف التجمعات السكنية، سواء على رؤوس ساكنيها أو بعد إخلائها.
وتسبب السلوك الإسرائيلي في دمار أحياء كثيرة وتجمعات بعينها كانت تشكل تجمعات سكنية مثل منطقة "أبو الكاس" في حي الرمال، وسط مدينة غزة، وحي الكرامة، وبعض مناطق حي الشيخ رضوان غربي المدينة، بالإضافة إلى مناطق واسعة في مدينة بيت حانون وبيت لاهيا شمالي القطاع.
وبات مصطلح "الحزام الناري" هو الأكثر تداولاً في صفوف سكان القطاع المحاصر إسرائيلياً للعام السابع عشر على التوالي، للدلالة على شدة القصف الإسرائيلي، بعدما ظهر هذا المصطلح للمرة الأولى خلال عدوان عام 2021 والذي استخدمه الاحتلال في المناطق الحدودية.
مقارنات مع حروب غزة السابقة
ولا يخلو حي أو شارع في القطاع من دمار في منزل أو شقة سكنية، عدا عن دمار تعرضت له أبرز أبراج القطاع السكنية، في ظل أزمة سكنية يعاني منها السكان نتيجة الزيادة الطبيعية في أعدادهم، حيث كان يحتاج الفلسطينيون إلى قرابة 100 ألف شقة سكنية لحلّ أزمة الإسكان قبل العدوان.
بات مصطلح "الحزام الناري" هو الأكثر تداولاً في صفوف سكان القطاع المحاصر
وعند مقارنة حجم الدمار الحالي بحجم الدمار الذي حلّ بالقطاع خلال الحروب وجولات التصعيد السابقة، فإن العدوان الحالي يبدو الأكبر من الناحية العددية، وحتى من المقارنة زمنياً، لا سيما مع عدوان 2014 الذي سجّل أعلى نسبة دمار إلا أنه كان على مدار 51 يوماً.
وإلى جانب ذلك، فإن دمار البنية التحتية يشكل تحدياً إضافياً بالنسبة للسكان، إذ أن القطاع لم يستفق من تبعات عدوان عام 2021 الذي عمد فيه الاحتلال إلى ضرب البنية التحتية وتدمير الطرق والشوارع الرئيسية، ما تسبب في أزمة على صعيد المياه والطرق.
ويخشى قرابة 2.3 مليون نسمة من أن يصبح ملف الإعمار بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي الحالي ورقة ضغط عليهم، في ظلّ الدمار غير المسبوق الذي تجاوز في إحصائيته الأولية ما جرى خلال جولات التصعيد السابقة، لا سيما وأن الكثافة النارية غير معهودة.
وحتى اللحظة، لم تتم إعادة إعمار منازل مئات العائلات من متضرري عدوان 2014، والتي تضررت بشكلٍ كلي، نتيجة تخلف الدول المانحة عن الوفاء بتعهداتها المالية التي قدّمتها خلال مؤتمر المانحين عبر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
ووفق وزارة الأشغال العامة والإسكان في غزة، فإن إجمالي الدمار الناتج عن العدوان الإسرائيلي خلال عام 2008، بلغ 5700 وحدة سكنية بشكلٍ كلي، فيما بلغ 200 وحدة سكنية بشكلٍ كلي خلال عدوان 2012، وبلغ الضرر الكلي 11 ألف وحدة سكنية خلال عدوان عام 2014، فيما دُمّرت 1700 وحدة سكنية في عام 2021، بشكل كامل خلال 11 يوماً فقط.
أضرار غير معهودة في البنية التحتية
في الأثناء، يقول وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان في غزة، جواد الأغا، إن إجمالي ما تم توثيقه حتى اللحظة 10500 وحدة سكنية نتيجة العدوان المتواصل حالياً، إلا أن هذه الإحصائيات غير نهائية وغير دقيقة بنسبة شاملة، نظراً إلى صعوبة التوثيق والحصر في الكثير من المناطق مثل بيت حانون.
تخلفت الدول المانحة عن الوفاء بتعهداتها المالية التي قدّمتها بعد عدوان 2014
ويوضح الأغا، لـ"العربي الجديد"، أن التقديرات الحالية تشير إلى وجود 100 ألف وحدة سكنية متضررة بشكلٍ متوسط وطفيف، بالإضافة إلى 7 آلاف وحدة سكنية مدمرة بشكلٍ بليغ، بحيث أصبحت غير صالحة للسكن وتحتاج إلى إعادة تأهيل بشكل كبير لتعود صالحة للسكن.
ويلفت وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان، إلى أن هذه الأرقام أولية وغير نهائية ومن المحتمل أن تكون أضعاف هذه الإحصائيات، في ظل عدم تمكن الطواقم الحكومية من حصر جميع المناطق، جراء استمرار العدوان الإسرائيلي والاستهداف المكثف للمناطق السكنية.
ويرجح الأغا أن يكون العدوان الحالي، هو الأعلى من ناحية الضرر الكلّي والجزئي أو حتى حجم الضرر الذي طاول البنية التحتية، نتيجة تعمّد الاحتلال تدمير عدد كبير من المناطق باستخدام الكثافة النارية العالية غير المسبوقة مقارنة مع الحروب وجولات التصعيد السابقة.
ويبين الأغا أن هناك الكثير من الإشكاليات الناجمة عن القصف الإسرائيلي للبنية التحتية، لا سيما على صعيد شبكات الاتصالات أو المياه والتيار الكهربائي، فيما سيكشف انتهاء العدوان لاحقاً عن المزيد من الأضرار غير المعهودة في البنية التحتية للطرق والمناطق السكنية في غزة.