دمار غير مسبوق بعد انسحاب الاحتلال من جنين وطولكرم.. ضغط للتهجير؟

06 سبتمبر 2024
آثار الدمار في مخيم جنين بعد انسحاب قوات الاحتلال، 6 سبتمبر 2024 (عصام الريماوي/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **انسحاب قوات الاحتلال ودمار المخيمات**: انسحبت قوات الاحتلال الإسرائيلي من جنين وطولكرم بعد عشرة أيام من العملية العسكرية، مخلفة دماراً هائلاً في المخيمات، بهدف دفع السكان إلى الهجرة. العملية أسفرت عن استشهاد 39 فلسطينياً وإصابة 150 آخرين.

- **تدمير البنية التحتية في جنين وطولكرم**: شهدت جنين وطولكرم تدميراً شاملاً للبنية التحتية، مع خسائر تتجاوز 100 مليون شيكل في جنين و35 مليون دولار في طولكرم. بدأت الجهود لإزالة الردم وفتح الطرق.

- **أهداف ودوافع العملية العسكرية**: تهدف العملية إلى دفع الفلسطينيين للهجرة وضرب صمودهم عبر التدمير الممنهج. المسؤولون الفلسطينيون يؤكدون ضرورة توحيد الجهود لمواجهة المخططات الإسرائيلية.

الخسائر في جنين تقدر في حصيلة أولية بنحو 28 مليون دولار

محافظ طولكرم: خسائر المخيم تفوق قدرات المحافظة على العويض

السعدي: التدمير يهدف لخنق الناس لأن الاحتلال يراهم حاضنة المقاومة

بعد عشرة أيام من العملية العسكرية الإسرائيلية في محافظتي جنين وطولكرم شمالي الضفة الغربية، انسحبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم الجمعة، مخلّفة وراءها دماراً غير مسبوق بحقّ مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، ما أثار تساؤلات كبيرة حول الهدف من التدمير الممنهج، في وقت أشار فيه مسؤولون إلى أنّ ذلك يهدف إلى دفع سكّان المخيّمات إلى الهجرة (باعتبار أن المخيمات تشكل حاضنة للمقاومة)، ومن جانب آخر تنفيذ خطوات عملية على الأرض نحو حسم الصراع.

واستشهد على إثر الاجتياح والعملية العسكرية التي أطلق عليها الاحتلال اسم "المخيمات الصيفية" وبدأها في 28 أغسطس/ آب الماضي، 39 فلسطينياً، وأصيب نحو 150 آخرين، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية، ما يرفع حصيلة الشهداء في محافظات الضفة الغربية إلى 691 شهيداً، ونحو 5700 جريح منذ بدء الحرب على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023. وكان بين الشهداء 21 شهيداً من محافظة جنين، و8 شهداء من محافظة طوباس، و7 شهداء من محافظة طولكرم، و3 شهداء من محافظة الخليل، ومن بين مجموع الشهداء، 8 شهداء من الأطفال، وشهيدان من المسنين.

دمار هائل وغير مسبوق في مخيم جنين

ومنذ انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من مخيم جنين، شكّلت الجهات الرسمية الفلسطينية، لجنة برئاسة وزير الحكم المحلي، ومحافظ جنين، ورئيس البلدية، ووزارة الأشغال العامة، مهمّتها تشكيل لجان تعمل على إزالة الردم الذي خلّفه العدوان، وتهيئة الظروف لفتح الشوارع والطرقات، وإحصاء وترصيد ما دمّره الاحتلال وذلك من أجل هدفين؛ "توثيق ما جرى باعتباره دليلاً دامغاً على تعمّد الاحتلال تدمير المخيم والمدينة، والعمل السريع على تسهيل حياة الناس ليأتي اليوم التالي بوضع أفضل كي تعود الحياة إلى طبيعتها"، كما يقول مساعد محافظ جنين، منصور السعدي، خلال حديث مع "العربي الجديد".

ويصف السعدي دمار مخيم جنين بأنه "هائل وغير مسبوق"، حيث ضرب الاحتلال البنية التحتية بالكامل في المخيم، وشبكات المياه والصرف الصحي، والاتصالات والكهرباء، ودمّر عشرات المنازل والمركبات الخاصة للمواطنين، والتابعة للبلدية، ومركبات شركة الكهرباء، والمحلات التجارية. ويشير السعدي إلى أنّ التقديرات الأولية غير النهائية توحي بأنّ الخسائر تتخطى الـ100 مليون شيكل (نحو 28 مليون دولار)، حيث يتم العمل على حصر كلّ الأضرار وتقديم تقرير موحّد ورفعه إلى رئاسة الوزراء، ثم إقامة مؤتمر صحافي لتبيان حجم الدمار والخراب.

تدمير جميع شوارع مخيم طولكرم

أما في محافظة طولكرم، فإنّ الدمار الذي شهدته المحافظة تحديداً في مخيم طولكرم غير مسبوق أيضاً، بحسب ما يقول محافظ طولكرم مصطفى طقاطقة، في حديث مع "العربي الجديد"، حيث يشير إلى أنّ اللافت في العدوان الأخير هو تركيز الاحتلال على حرق المنازل، إذ إنّ نحو 8 منازل بشكل كامل ومتعمّد، عدا عن تدمير كل شوارع المخيم بلا استثناء، وشبكات الصرف الصحي والمياه، حيث بدأت 25 جرّافة وآلية العمل المباشر على فتح الطرق والشوارع.

ويحاكي مشهد مخيم طولكرم، ما يجري في قطاع غزة منذ بدء الحرب الإسرائيلية، وفق طقاطقة، "ما يقتضي ضرورة تركيز طواقم الطوارئ في عملها على الجوانب الإنسانية"، كما يقول، مضيفاً: "الأولوية حالياً لإصلاح البنية التحتية وشبكات المياه والكهرباء، وإغاثة الناس عبر إيصال المواد الغذائية إليهم، وتحديداً حليب الأطفال، وذلك وفق برنامج إغاثة وضع للتعامل مع ظروف اللاجئين في مخيم طولكرم، الذي بات يعاني ارتفاع نسبة الفقر والبطالة، نتيجة ظروف الاجتياح، والأوضاع العامة في الضفة التي خلقت أوضاعاً اقتصادية صعبة".

ويلفت طقاطقة إلى أن خسائر المخيم تفوق قدرات المحافظة، قائلاً: "نعمل مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) على تدخلات جزئية لتوفير حلول لأصحاب البيوت المدمّرة عبر استئجار منازل لهم لمدة 3 أشهر، لأننا لا نستطيع ترميم المنازل المدمرة، وهذا غير وارد في طبيعة عمل لجان حصر الأضرار التي ستباشر عملها خلال اليومين المقبلين، نتيجة تعرّض المحافظة لأكثر من 30 اجتياحاً منذ 7 أكتوبر الماضي، والتي تراكمت الخسائر على إثرها إلى نحو 35 مليون دولار، بالتالي فإن التعويض للجميع غير وارد، ولا تكاد تستطيع المحافظة العمل على دعم صمود المواطن".

الهدف الإسرائيلي من الاجتياح

وبحسب مساعد محافظ جنين، منصور السعدي، فإنّ للعملية العسكرية الإسرائيلية في جنين، أهدافاً ودوافع؛ أبرزها دفع الناس إلى الهجرة خارج المخيم والمحافظة، إلا أنه يقول: "إنّ الشعب الفلسطيني لن يكرر الخروج من البلد، بعدما أخذ العبر والدروس منذ نكبة عام 1948، وعلى حكومة الاحتلال المتغطرسة أن تعود إلى كل المبادرات التي تدعو إلى السلام، والتوقف عن اجتياح مناطقنا، لأننا لا نريد أن نرى الاحتلال الذي يتخبط نتيجة الفشل الذي مني به في قطاع غزة، وتفريغ غضبه بفعل الاحتجاجات الإسرائيلية الداخلية".

وفي وقت سابق أثناء العملية، أشار محافظ جنين، كمال أبو الرب، في تصريحات إلى مطالبة الاحتلال بهدنة إنسانية لتمكين المواطنين من تلبية احتياجاتهم ولكن الاحتلال رفضها، غير أن السعدي يوضّح أنه أُسيء فهم التصريح، قائلاً: "لم نطالب بهدنة، بل بوقف العدوان الهمجي بشكل كامل، لأنّ شعبنا شعب أعزل، وما كان يقوم به الاحتلال حينها، إنما هو تدمير ممنهج لكل مقومات الحياة".

ويتساءل السعدي: "ما علاقة الشوارع، والمياه، والصرف الصحي، وملعب البلدية، بما يدعيه الاحتلال عن وجود مقاومة في المخيم (...)، كل هذا التدمير بهدف الضغط على الناس لأنّ الاحتلال يراهم الحاضنة الشعبية للمقاومة، ولذا الاعتداء لم يسلم منه أحد، لأنّ الاحتلال يتعامل مع جنين باعتبارها غزة الصغرى، لكن الشعب كلّه في جنين يرغب في الحياة، والانضباط بالحياة الاقتصادية والعلمية".

وعن سؤال "العربي الجديد" ما إن كانت كتائب المقاومة في مخيم جنين ستتعرض للملاحقة من الأجهزة الأمنية الفلسطينية، عقب انتهاء العدوان، أجاب السعدي: "الشعب الفلسطيني من حقه أن يقاوم، ومنذ 100 عام وهو بحالة مقاومة مستمرة تتغير فيها الأشكال، والآن كتائب شهداء الأقصى باعتبارها تابعة لحركة فتح، وحماس، وأبناء كتيبة مخيم جنين، لا أحد ينكر على الشعب المحتل أن يقاوم جلّاده، وهذا حق كفلته الشرائع السماوية والأرضية، وهذه طبيعة الشعوب المتحررة، أما السلطة الفلسطينية فإنّ مهمتها تنظيم حياة الناس والذهاب بهم نحو مستقبل أفضل، واتخذت الميادين العالمية والدولية طريقاً لمحاكمة إسرائيل على جرائمها قانونياً".

أما محافظ طولكرم، مصطفى طقاطقة، فيرى أنّ هدف الاحتلال من الاجتياح هو ضرب ما يعزز صمود المواطن على أرضه، وفق قاعدة الاحتلال الاستراتيجية "حسم الصراع من أجل الاستسلام للإرادة الإسرائيلية" عبر الضغط العسكري والأمني في الاعتقال والقتل، ومن ناحية أخرى عبر التدمير والتخريب لمقومات الحياة.

وتبدو رؤية الاحتلال التي ينفّذها في مخيّمات طولكرم، واضحة من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خلال كلمته الأخيرة التي أشار فيها إلى رفضه وجود سلطة فلسطينية في غزة، وعزمه تسوية الضفة باتجاه الحسم، ولذا على الشعب الفلسطيني كما يقول محافظ طولكرم، أن "يتوحّد لمواجهة هذه المخططات، بالإضافة إلى ضرورة بحث شكل وأسلوب التعامل مع الاحتلال من كلّ أطياف الشعب الفلسطيني وفق استراتيجية وطنية؛ لأنّ الاحتلال لم يترك خياراً إلا خيار المواجهة بعد أن تنكر لكل الاتفاقيات التي تنص على حقوق الإنسان".

المساهمون