أثارت دعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إلى إطلاق حوار سياسي مع "كل القوى من دون استثناء ولا تمييز ورفع مخرجاته إليه شخصياً"، ردود فعل مختلفة، إلى جانب تساؤلات متعلقة بشأن مدى جدية الدعوة، والتي أطلقها السيسي خلال حفل إفطار الأسرة المصرية، يوم الثلاثاء الماضي.
وتأتي هذه التساؤلات خصوصاً أن الدعوة، وإن كانت من الناحية الشكلية هي الأولى من نوعها، إلا أنه سبقتها ثلاث مبادرات من جانب السيسي نفسه خلال السنوات الماضية في عهده، والتي أفضت كلّها إلى لا شيء تقريباً.
ويدفع ذلك مراقبين إلى اعتبار الدعوة الأخيرة مجرد محاولة لتخفيف الضغوط التي يعانيها النظام المصري في الوقت الراهن نتيجة الأزمة الاقتصادية، والتي رافقها رهن قوى غربية تقديم يد العون للقاهرة بمراعاة الملاحظات الخاصة بحالة حقوق الإنسان في مصر.
مؤشرات سلبية رافقت دعوة السيسي للحوار
ورصد حزبيون وسياسيون مصريون، في أحاديث خاصة لـ"العربي الجديد"، أن دعوة السيسي الأخيرة، رافقتها مجموعة من المؤشرات السلبية التي تحمل دلالات متعلقة بالنوايا الحقيقية للنظام من إطلاق المبادرة.
يعتبر مراقبون الدعوة مجرد محاولة لتخفيف الضغوط التي يعانيها النظام نتيجة الأزمة الاقتصادية
فمن بين الأسماء التي أطلق سراحها أخيراً ضمن قائمة العفو الرئاسي التي شملت 41 ناشطاً سياسياً، 13 ضابطاً وعنصراً من الشرطة المصرية، أدينوا في ثلاث من قضايا التعذيب بأقسام الشرطة التي أسفرت عن مقتل 3 مواطنين تحت التعذيب. ومن بين هؤلاء 5 أمناء شرطة، أدينوا في قضية مقتل المواطن القبطي مجدي مكين في قسم شرطة الأميرية (2016).
كما شمل العفو خمسة ضباط آخرين متورطين في مقتل مواطن تحت التعذيب بقسم شرطة حدائق القبة في القاهرة. ويضاف إليهم ثلاثة ضباط مدانين في مقتل مواطن في محافظة سوهاج تحت التعذيب لإجباره على الاعتراف بجريمة لم يرتكبها.
من بين المؤشرات السلبية الإضافية، بحسب المصادر نفسها، إلقاء القبض على بعض المصريين الغاضبين لمجرد توجيههم انتقادات للقيادة السياسية وأجهزة الدولة. فقبيل يوم واحد من دعوة السيسي، ألقت الأجهزة الأمنية القبض على المذيعة في التلفزيون الرسمي هالة فهمي، بعد بثهاً عدداً من مقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تتحدث فيها عن سوء الإدارة والأزمة الاقتصادية.
وقبل ذلك بنحو ثلاثة أيام، ألقت أجهزة الأمن القبض على الصحافية صفاء الكرابيجي، مساعدة رئيس تحرير مجلة الإذاعة والتلفزيون، بسبب مشاركتها في تظاهرات العاملين في مبنى ماسبيرو للحصول على مستحقات لهم.
أما ثالث المؤشرات السلبية، بحسب أحد المصادر، فهو ما تمّ الكشف عنه أخيراً بشأن بدء وزارة الداخلية في بناء مجمع سجون ضخم يسع 20 ألف نزيل، في منطقة الجفجافة بوسط سيناء، تحت إشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وذلك في الوقت الذي يبشّر فيه الرئيس بمرحلة جديدة من المفترض أنها ستشهد فتحاً للمجال العام.
في غضون ذلك، يقول مصدر سياسي مطلع على تفاصيل المشاورات التي جرت أخيراً، إن "الجميع يدرك جيداً أن المبادرة الأخيرة لا تعدو كونها تحركاً تكتيكياً من جانب النظام الحاكم ولا تعبّر عن تبنّي استراتيجية جديدة وحقيقية".
ويلفت المصدر إلى أن الشخصيات التي لبّت دعوة السيسي أخيراً لحضور إفطار الأسرة المصرية، ترى في الأمر فرصة جيدة لإطلاق سراح أصدقائهم. ويشير المصدر في الوقت نفسه إلى أنه كانت هناك خطوط حمراء خلال حوارات مع عدد ممن حضروا حفل الإفطار بعدم الإشارة خلال أحاديثهم الإعلامية إلى عدد من الملفات باعتبارها خطاً أحمر. كما تم استبعاد عدد من الأسماء التي تقدموا بها لإطلاق سراحهم، بدعوى أن "هذه الأسماء خارج أي تفاهمات".
حوار مباشر مع السيسي في 2015
في يناير/كانون الثاني 2015، وقبيل إجراء الانتخابات البرلمانية وقتها، أطلق السيسي دعوة إلى الحوار مع كافة الأحزاب، بما فيها الأحزاب التي توصف بـ"المعارضة". وأجرى السيسي خلالها حواراً مباشراً على مدار يومين مع رؤساء نحو 35 حزباً سياسياً. وكان من بينهم التجمع، الوفد، المصري الديمقراطي الاجتماعي، المصريين الأحرار، الكرامة، التحالف الشعبي، الدستور، الثورة المصرية، والعدل.
انتهت محاولة حوار في 2015 بهندسة انتخابات نيابية بالكامل على يد الاستخبارات
وخلال الحوار وقتها، طرح ممثلو الأحزاب بعض المواضيع التي تتعلق بالعدالة الانتقالية، ودعم الأحزاب، وقانون الانتخابات البرلمانية، وزيادة الاهتمام بالقطاع العام، وضبط الأسعار، وتفعيل دور الدبلوماسية الشعبية، وذلك وفق تصريح رسمي للمتحدث باسم الرئاسة وقتها، السفير علاء يوسف. وشدّد السيسي خلال الاجتماع بحسب البيان الرسمي الختامي، على "دعمه لتعزيز تواجد الأحزاب في الساحة السياسية".
وفي السياق نفسه، خرج الدكتور محمد أبو الغار، رئيس حزب المصري الديمقراطي الاجتماعي بعدها، قائلاً إن السيسي "أكد أنه يؤيد الأحزاب السياسية في مصر وبقوة". وأوضح أنّ "الرئيس قال خلال الاجتماع إن جميع الأحزاب في مصر هدفها الرئيسي بناء الدولة المصرية ولا أحد منها يريد غير ذلك".
وخلال الاجتماع أيضاً، قال رئيس حزب الغد في ذلك الوقت، موسى مصطفى موسى، إن عدداً من قيادات الأحزاب طالبت الرئيس بالإفراج عن الشباب المحكوم عليهم على خلفية قانون التظاهر. في موازاة ذلك، قال نائب رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، مدحت الزاهد، إن السيسي طالب الأحزاب بضرورة الالتفاف حول الدولة لتعبر أزمتها.
وانتهت تلك الاجتماعات وما رافقها من آمال عريضة حينها، من دون أن يتحقق أي مما تم التطرق له. وجرت هندسة الانتخابات النيابية بعدها بأشهر قليلة بالكامل داخل جهاز المخابرات العامة. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تمّت ملاحقة أعضاء بعض الأحزاب التي حضرت الحوار مع السيسي أمنياً، وما زال عدد منهم في سجون النظام المصري.
حوار بتكليف رئاسي يدخل الأدراج
عقب الحوار الموسع الذي أجراه السيسي مع رؤساء وممثلي الأحزاب بشهر واحد، كلّف السيسي القائمين على صحيفة الشروق المصرية، بترتيب حوار مع الأحزاب السياسية، وعرض مخرجاته على مؤسسة الرئاسة. وهي الدعوة التي تلاشت سريعاً ولم تكتمل بأي مخرجات أو يترتب عليها أي مواقف من جانب مؤسسات الدولة.
دعوة طبق الأصل للمبادرة الأخيرة في 2016
وفي نهاية عام 2016، تعلقت أمال القوى والأحزاب السياسية المعارضة في مصر، بدعوة ومبادرة جديدة من جانب السيسي تعد الأقرب إلى تلك التي أصدرها أخيراً، وتم إطلاقها خلال "المؤتمر الوطني للشباب"، في أكتوبر/تشرين الأول 2016. وقتها، جرت دعوة عدد من الشخصيات والرموز، كانوا يوصفون بـ"المغضوب عليهم من أجهزة الدولة"، لحضور المنتدى. وبعضهم تحدث على منصاته أمام السيسي، مثل الكاتب إبراهيم عيسى الذي كان ممنوعاً وقتها من الظهور إعلامياً، بخلاف عدد من النشطاء الذين شاركوا في ثورة 25 يناير، وكان لهم موقف سلبي من السيسي لاحقاً.
لم تسفر مبادرة السيسي في 2016 سوى الإفراج عن بعض المحبوسين على ذمّة قضايا حرية رأي
خلال فعاليات المؤتمر، أُعلن عن تشكيل لجنة لفحص ومراجعة موقف الشباب المحبوسين على ذمّة قضايا سياسية برئاسة أسامة الغزالي حرب. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2016، أصدر السيسي قراراً جمهورياً بالعفو عن 82 من المحبوسين على ذمّة قضايا من الشباب المحبوسين الصادرة في حقهم أحكام نهائية في قضايا تظاهر وحرية رأي، وكانت الأغلبية لطلاب الجامعات. كما ضم القرار الإفراج عن الإعلامي إسلام بحيري.
وفي أعقاب تظاهرات 20 سبتمبر/أيلول 2019 التي دعا إليها الفنان والمقاول محمد علي، والتي أحدثت ارتباكاً داخل أجهزة الدولة، وتوقع مراقبون أن تكون شرارة لتظاهرات عارمة، خرجت شخصيات نافذة في النظام للتبشير بانفراجة سياسية، وفتح للمجال العام، مع مزيد من الحريات الإعلامية. لكن سرعان ما اتضح أن كل ذلك لم يكن سوى محاولة لتفويت الفرصة أمام تنامي موجة الغضب.