درعا مهد الثورة السورية على صفيح ساخن: شد وجذب بين النظام والأهالي

02 يوليو 2021
تشهد المحافظة بالتوازي مع "الفوضى الأمنية" تراجعاً على المستوى الخدمي والصحي(فرانس برس)
+ الخط -

بعد أكثر من عامين على سقوط محافظة درعا بيد النظام السوري، لا تزال المحافظة تعيش على صفيح ساخن، ولم تعرف الاستقرار ليوم واحد منذ ذلك الوقت، وهو ما فسره البعض بأنه يأتي في سياق انتقام النظام من درعا التي كانت مهد الثورة ضده في مارس/ آذار 2011، حيث شهدت المحافظة بالتوازي مع "الفوضى الأمنية" تراجعًا ملحوظًا على المستوى الخدمي والصحي والتعليمي.

ورغم أن سيطرة النظام على المحافظة عبر "الضامن" الروسي من خلال اتفاقيات التسوية مع فصائل المعارضة، إلا أن هذا الضامن كثيرا ما يتوارى عن المشهد الضبابي في المحافظة، فيما يبرز دور المليشيات التابعة لإيران أو المدعومة منها، وسط تنافس لم يعد خافيا بين هذه المليشيات وتلك التي تدعمها روسيا، وعلى رأسها الفصيل الذي يقوده أحمد العودة، باسم اللواء الثامن التابع للفيلق الخامس، والمنتشر أساسا في ريف درعا الشرقي.

وإضافة إلى ترحيل المعارضين لاتفاقات التسوية إلى الشمال السوري، قضت تلك الاتفاقات بتسليم السلاح الثقيل والمتوسط والنقاط الحدودية إلى قوات النظام السوري، مقابل التزام تلك القوات بعدم دخول أي نقطة شملها اتفاق التسوية، مثل درعا البلد، إضافة إلى تبييض سجل أي شخص مطلوب للنظام بناء على تلك التسوية، والإفراج عن المعتقلين الذين يقدر عددهم بنحو 4500 معتقل من أبناء المحافظة. لكن النظام وروسيا لم يلتزما بمقتضيات هذه التسوية، وما زالت أجهزة النظام الأمنية تعتقل المدنيين والعناصر السابقين في فصائل المعارضة، بل واعتقلت المئات منهم بعد تلك الاتفاقيات، دون أن تقدم أي معلومات حول مصير المعتقلين السابقين والجدد.

 كما لا تزال قوات النظام تطوق مدينة درعا، وهو ما يعتبر مخالفة لاتفاق التسوية الذي التزم به الأهالي، الذين سمحوا بدخول مؤسسات النظام ورفع علمه في معظم مدن وبلدات المحافظة، وحتى تلك التي لم يدخلها النظام برموزه وعلمه، كان عدم الدخول إليها بقرار منه، وليس بسبب ممانعة الأهالي.  

كما يرفض النظام حتى الآن إعادة الموظفين إلى أعمالهم وإعادة المهنيين إلى نقاباتهم، فيما لم تحل أيضا قضية المطلوبين للتجنيد الإلزامي في قوات النظام، حيث يعمد الكثير منهم إلى الالتحاق بأجهزة النظام الأمنية أو بالفرقة الرابعة أو بالفيلق الخامس بقيادة العودة، بهدف الخدمة ضمن المحافظة، تفاديا للالتحاق بقوات النظام التي قد تزج بهم في معاركها بعيدا عن محافظاتهم. 

 ولعل المشهد الأبرز في درعا خلال العامين الماضيين هو "الفوضى الأمنية" عبر الاغتيالات شبه اليومية والتفجيرات التي غالبا ما تنسب لمجهولين، فيما يعتقد على نطاق واسع أن من يقف خلفها هي أجهزة النظام الأمنية المتوزعة الولاء بدورها بين إيران وروسيا، عبر المتعاملين معهما من عناصر المعارضة السابقين، والذين انخرط كثير منهم في تلك الأجهزة أو في الفرقة الرابعة المدعومة من إيران.

ويحاول النظام السوري إحكام سيطرته على كامل محافظة درعا التي ما زال عناصر المعارضة السابقين يحتفظون بأسلحتهم الخفيفة في كثير من مناطقها، وتعد فروع أمن النظام والمليشيات المرتبطة بها أذرع النظام في هذه السيطرة، وهي متهمة بافتعال الخلل الأمني بغية السيطرة بشكل كامل على المحافظة من كل النواحي.

أبرز أذرع النظام

أبرز القوى العاملة على الأرض التي تعمل لصالح النظام في محافظة درعا الأمن العسكري، والفرقة الرابعة، واللجان المحلية، والدفاع الوطني، المدعومة سواء من رجال أعمال النظام أو من إيران أو من روسيا، كلها أذرع للنظام تتغلغل في معظم أنحاء درعا، إلا أن هناك بعض المناطق لم يتمكن النظام من إخضاعها كليا وتعد خزانا بشريا للحاضنة المعارضة للنظام، مثل منطقة درعا البلد والريف الغربي، والتي تصدرت المشهد في معارضة تنظيم انتخابات النظام الرئاسية الأخيرة في مايو/ أيار الماضي.

تنافس إيراني روسي 

ولا يخفى أن هناك تنافسا على النفوذ بين قوات النظام في درعا وبين المليشيات المدعومة من إيران وتلك المدعومة من روسيا، ونجحت المليشيات، وبخاصة الفرقة الرابعة والأمن العسكري، المدعومان من إيران، في استقطاب العديد من عناصر التسويات، وتنظيمهم في مجموعات محلية تعمل لصالح النظام، خاصة في عمليات الاغتيال وبث الفتنة بين الأهالي.

من جانبها، تدعم روسيا "اللواء الثامن" التابع للفيلق الخامس في ريف درعا الشرقي، والذي تشكل من فصيل "شباب أهل السنة" المعارض للنظام في بصرى الشام. ومنذ تشكيل هذا اللواء، لم تتوقف أجهزة النظام الأمنية عن محاولاتها لإضعافه، ومجمل القوى التي اختارت مواصلة البقاء في درعا وعدم المغادرة إلى الشمال السوري، ولم تلتحق بالأجهزة الأمنية للنظام، حيث احتفظ عناصر اللواء بأسلحتهم الفردية والمتوسطة في مناطقهم، واستمروا بالتالي بالتمتع بهامش من السلطة في مناطق وجودهم، كما احتفظ اللواء بقوامه التنظيمي، ويسعى إلى توسيع مجال نفوذه المتمركز حاليا بريف درعا الشرقي، إلى الريف الغربي، وبقية أنحاء المحافظة، من خلال عمليات التجنيد المستمرة التي يقوم بها.

ومن أبرز المليشيات المحلية التي أقامتها إيران في الجنوب "لواء العرين"، الذي يبلغ تعداده 600 عنصر، و"لواء درع الوطن"، ويضم نحو 400 عنصر، إضافة إلى مجموعات أصغر، مثل مجموعة بقيادة خالد الحشيش المقربة من الفرقة الرابعة، ومجموعتي أحمد مهاوش وهيثم أبو سعيفان، اللتين تعملان في تهريب المخدرات إلى الأردن لصالح عناصر حزب الله اللبناني، فضلا عن مجموعات أخرى عدة مناطقية، مثل مجموعات سامر الحريري ومحمد الحراكي وفارس الحويلة وعلي العذبة.

 وبدأ النظام منذ قرابة أسبوعين بحصار منطقة درعا البلد بعد رفضها عرضا من الجنرال الروسي المسؤول عن المنطقة والذي يدعى "أسد الله"، وكان العرض يطالب الأهالي بتسليم السلاح الخفيف الموجود بحوزتهم مقابل سحب النظام المجموعات المحلية المسلحة التابعة له، وأبرزها تلك المجموعات التابعة للنظام، والتي تشكلت بعد اتفاق "التسوية"، ومنها مجموعة مصطفى المسالمة، المعروف بـ"الكسم"، التابع للأمن العسكري، والذي يتخذ من حي المنشية وجمرك درعا القديم مقرًا لمجموعته. وهناك أيضا مجموعة القيادي شادي بجبوج، الملقب بـ"العو"، التابع للأمن العسكري أيضا، والخلية الأمنية التي يديرها المدعو وسيم العمر المسالمة، وهو قيادي يعمل لدى المليشيات الإيرانية، والمجموعة التي يتزعمها محمد بسام تركي المسالمة التابعة للفرقة الرابعة.

إخضاع درعا البلد 

 وفي الجانب الآخر، تشكلت اللجنة المركزية في درعا البلد في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، من ناشطين ورجال دين وشيوخ عشائر وقادة فصائل سابقين، وأبرز أعضائها المحامي عدنان المسالمة، والدكتور زياد المحاميد، والشيخ فيصل أبازيد، والقيادي أبو منذر الدهني.

ويسعى النظام حاليا للسيطرة على درعا البلد عبر حصار المنطقة، بعدما أقدم سابقا على قتل القياديين البارزين بالمنطقة، وأبرزهم أدهم الكراد. وبحسب مصادر، فإن أبرز المتهمين بقتل الكراد هو العميد لؤي العلي، رئيس فرع الأمن العسكري في المنطقة. وكان الكراد قد قتل في 14 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بهجوم طاوله برفقة القيادي السابق في فيلق "أحفاد الرسول" أبو طه المحاميد وثلاثة أشخاص آخرين، كانوا متجهين من دمشق إلى درعا بعد مقابلة مسؤولين في النظام للتفاوض حول ملفات تخص درعا.

ومنذ عقد اتفاقية التسوية في يوليو/ تموز 2018، جندت الأجهزة الأمنية التابعة للنظام لجانا محلية وسلمتها السلاح والبطاقات الأمنية بهدف القيام بأعمال أمنية لاغتيال القياديين والعناصر السابقين في فصائل المعارضة بدرعا البلد وبقية المناطق، راح ضحيتها المئات من أبناء المنطقة الذين فضلوا البقاء في المنطقة وعدم الانضمام للنظام السوري عقب التسوية، أو التهجير إلى الشمال السوري.

وسجل مكتب التوثيق في "تجمع أحرار حوران" 700 عملية ومحاولة اغتيال منذ عقد اتفاقية التسوية حتى منتصف الشهر الماضي استهدفت قياديين ومقاتلين سابقين في فصائل المعارضة إضافة لوجهاء في المنطقة، في حين زاد عدد المعتقلين لدى النظام السوري منذ اتفاقية التسوية عن 2400 معتقل من أبناء المحافظة، بحسب توثيق المكتب.

مستقبل المحافظة 

ورغم أن محافظة درعا تشهد منذ سيطرة قوات النظام عليها "فوضى أمنية" يعتقد أنها مدروسة حتى باتت مسرحا للاغتيالات والجرائم وعمليات التصفية، إلا أن الجديد في التطورات الأخيرة، كما يقول الناشط الصحافي محمد الشلبي في حديثه مع "العربي الجديد"، هو أن كل "الأطراف" المتداخلة في مصالحها وصراعاتها، باتت أكثر نشاطا، وأكثر استعدادا لدفع الأمور إلى مستويات جديدة من التصعيد قد تنتهي إما بسيطرة أكثر إحكاما لقوات النظام على المحافظة، أو بالمزيد من التهميش لتلك القوات، وعودة ظهور الفصائل المسلحة على وقع "الفوضى الأمنية" التي تشكل أحد أشكال انتقام النظام من محافظة درعا بوصفها مهد الثورة السورية.

ورأى الشلبي أن النظام سيمضي في كل الحالات في تصفية أبرز رموز المعارضة المسلحة والناشطين والإعلاميين ممن كان لهم دور في تحدي نفوذه خلال السنوات الماضية، معتبراً أن الطلب الروسي لتسليم السلاح الخفيف في كل من درعا والصنمين هو محاولة لتطويع المنطقتين، وخاصة درعا البلد، التي انطلقت منها شرارة الثورة ضد النظام عام 2011، ومن ثم الانتقال إلى باقي المناطق، كريف درعا الغربي وشمالي درعا.

المساهمون