دبابات الغرب تتجاوز الخط الأحمر: مرحلة جديدة من الحرب الأوكرانية

31 يناير 2023
جنود أوكرانيون في باخموت، 13 يناير (فلاديسلاف سميليانيتس/رويترز)
+ الخط -

تستعد روسيا وأوكرانيا لمعركة كبرى في الربيع المقبل، بعد مرور الذكرى السنوية الأولى للحرب في 24 فبراير/ شباط المقبل. وهناك معلومات غربية حددت خط الجبهة من خاركيف، في الشمال الشرقي، حتى أوديسا في الجنوب الغربي، بمشاركة أكثر من فرقة من كل جانب.

روسيا هي السباقة للتحضير للمعركة المرتقبة، وقد بدأت الاستعدادات منذ عدة أشهر، وأعلن أكثر من مصدر عسكري روسي نهاية المرحلة الأولى الخاصة بهذه المعركة، المتعلقة بالتعبئة الجزئية، وينتظر أن يُحسَم بعض المعارك الدائرة حالياً حتى تتحدد خطة هجوم الربيع.

ومن أجل حسن سير العملية التي تعوّل موسكو عليها كثيراً، أوكل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى رئيس الأركان فاليري غيراسموف قيادة الحرب في أوكرانيا، وما إن باشر مهامه في 11 يناير/ كانون الثاني الحالي، حتى قدم خطة لإعادة هيكلة القوات، لم يتأخر بوتين في الموافقة عليها.

وحسب غيراسيموف، تأخذ الإصلاحات العسكرية الجديدة في الاعتبار التوسع المحتمل لحلف شمال الأطلسي، واستخدام "الغرب الجماعي" كييف لشنّ "حرب بالوكالة" على روسيا. ويستنتج من التصريحات الروسية أن موسكو أدركت بعد مرور نحو عام على الحرب، وجود ثغرات مهمة، ما يدفعها إلى إعادة النظر في هيكلة الجيش، بما يتناسب مع الأخطار الجديدة.

إصلاحات الجيش الروسي

وقال الخبير العسكري الروسي أليكسي ليونكوف لوكالة أنباء "نوفوستي" الحكومية، إن بين الإصلاحات المنتظرة، تبرز الزيادة في حجم الجيش الروسي، وتشكيل مناطق عسكرية جديدة في إطار التعامل مع المتطلبات العسكرية لظهور مناطق جديدة في روسيا (المقصود إعلان بوتين ضمّ المناطق الأوكرانية الأربع، خيرسون وزابوريجيا ولوغانسك ودونيتسك في سبتمبر/أيلول الماضي). وأوضح ليونكوف أن الإصلاح الجديد مرتبط أيضاً برغبة فنلندا والسويد في الانضمام إلى الأطلسي، ما يجعل منطقة التحالف أوسع وأقرب إلى الحدود الروسية.

لافروف: حرب أوكرانيا أصبحت حقيقية وكان الغرب يستعد لها لفترة طويلة ضد روسيا

والملاحظ في الإصلاحات العسكرية الروسية، التركيز على الموقف في الدول المجاورة الأعضاء في حلف شمال الأطلسي، التي رفعت كثيراً الميزانيات العسكرية. وفي بعضها تُنفَّذ أنشطة تعبئة. وينصح الخبراء الروس بعدم تجاهل مثل هذه التطورات، وخصوصاً أن فنلندا والسويد تتمتعان بإمكانات عسكرية قوية، ولم تشكّلا أي تهديد لروسيا سابقاً، ولكن كل شيء سيتغير بمجرد الانضمام إلى الحلف، ما يستدعي إجراءات وقائية.

على الضفة الأخرى من الحرب، تواجه أوكرانيا تراجعاً ميدانياً على بعض خطوط المعارك الأساسية، ولكنها تستعد لشنّ هجوم مضاد في الربيع، وهذا ما يفسر إصرارها على تزويدها بدبابات بصورة عاجلة.

وتبدو الولايات المتحدة في صورة الاستعدادات العسكرية لهجوم الربيع، وقد صدر أكثر من موقف أميركي بهذا الخصوص، من أجل توجيه الجهد الأوكراني نحو المعركة المرتقبة.

ورأى مسؤول أميركي أن الأولوية المعطاة للقتال في باخموت، شرقي البلاد، تعرقل أوكرانيا في مهمتها الأساسية المتمثلة بالتحضير لهجوم استراتيجي على الروس في جنوب البلاد خلال الربيع. وترى واشنطن أن معركة باخموت خاسرة، ولا فائدة عسكرية من استعادة أوكرانيا السيطرة عليها، وعلى كييف أن تستعد لمعركة الربيع.

ونقلت وكالة "رويترز" عن مسؤول رفيع في الإدارة الأميركية، أن الولايات المتحدة نصحت أوكرانيا بتأجيل شنّ هجوم مضاد كبير على القوات الروسية، إلى حين حصولها على إمدادات. والإمدادات المقصودة هنا هي الدبابات والمدرعات، التي حسمت واشنطن وبرلين أمر تزويد كييف بها في 25 يناير الحالي، وذلك بعد أن فشل في الاتفاق اجتماع وزراء دفاع 50 دولة غربية في قاعدة رامشتاين في ألمانيا في 20 الشهر الحالي.

هناك توافق على أن ما تحتاجه أوكرانيا التي تخوض معركة دفاعية حتى الآن، هو الدبابات لاستعادة الأرض التي فقدتها خلال الغزو الروسي، وها هو الانتقال إلى التنفيذ يتجاوز المصاعب التي برزت في الأيام القليلة الماضية، عندما هيمن التردد على معظم العواصم الأوروبية.

يترجم قرار واشنطن وبرلين إمداد كييف بدبابات "أبرامز" و"ليوبارد" قناعة مشتركة بضرورة الاستعداد لمرحلة جديدة من الحرب، بدأ المسؤولون الروس يتحدثون عنها، وفق ما جاء على لسان وزير الخارجية سيرغي لافروف، بقوله: "عندما نتحدث عمّا يحدث هناك، في أوكرانيا، فإننا نتحدث عن حقيقة أن هذه لم تعد حرباً هجينة، ولكنها حرب حقيقية تقريباً، والتي كان الغرب يستعد لها لفترة طويلة ضد روسيا".

النقطة الثانية التي حتمت القرار الأميركي الألماني، ترجمة الاتفاق بين أوروبا وحلف الأطلسي في 10 يناير الحالي، الذي صنف روسيا على أنها العدو المباشر للأطلسي، إلا أن واشنطن وبرلين ليستا في وارد إعلان الحرب على موسكو.

وكان لافتاً حديث المستشار الألماني أولاف شولتز أمام البوندستاغ (البرلمان) الأربعاء الماضي، عن "تدرّج الدعم العسكري المقدّم إلى كييف". وقال إن المانيا تزود أوكرانيا بالدبابات، "لكننا في الوقت نفسه نمنع تصعيد الحرب، باتجاه حرب بين روسيا وحلف الأطلسي".

وتسربت معلومات عن عدد الدبابات التي ستزود بها ألمانيا أوكرانيا، وهو 14 دبابة "ليوبارد"، ومن المنتظر أن تتلقى أوكرانيا أعداداً أخرى من بولندا ودول أخرى. وفي المقابل، تحدث الرئيس الأميركي جو بايدن عن تزويد أوكرانيا بـ31 دبابة "أبرامز". وفي الحالتين، يُعد هذا الدعم محدوداً بمقاييس كييف، التي تنتظر تزويدها بما يفوق ذلك بكثير، وهو على ما يبدو بات متحققاً بحسب تصريح السفير الأوكراني في فرنسا فاديم أوملتشينكو، الذي قال يوم السبت الماضي، إن العدد الذي ستُزوّد به بلاده هو 321 دبابة.

قد لا يكون عدد الدبابات المعلن حتى الآن يكفي لفتح معركة كبيرة، ولكنه من الناحية العملية ليس بالرقم القليل، ويشكل بداية، ويساعد أوكرانيا في سد ثغرات كثيرة، وفي الوقت نفسه يعبّر عن التزام لا رجعة عنة، بينما يُعَدّ معناه الرمزي مهماً بما يحمل من تضامن غربي واسع.

دور الأطلسي في تزويد أوكرانيا بالدبابات

وهناك مسألة مهمة جداً، وهي أن من هندس العملية هو حلف الأطلسي، وأن الدول التي تطوعت بتزويد أوكرانيا بالدبابات هي الدول الأساسية الفاعلة التي تشكل عماد قوة الحلف، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بريطانيا، ألمانيا، كندا، إسبانيا، بولندا. وبذلك باتت قضية دعم أوكرانيا واجباً أطلسياً، كما لو أنها دولة من دوله، تنطبق عليها المادة الخامسة من ميثاقه الداخلي، التي تنص على أن العدوان على دولة من دول الحلف هو عدوان على الحلف.

وتنظر روسيا إلى القرار الألماني الأميركي في جانبه الرمزي ضمن مسار الحرب، ولذا صنفته على أنه "خطير للغاية"، ويرتقي بالحرب إلى مستوى جديد، على حد وصف السفير الروسي في ألمانيا سيرغي نيشاييف، الذي اعتبره تورطاً في الحرب، ومخالفة للتعهدات السابقة التي رسمت خطوطاً حمراء لنوعية الأسلحة التي تُزوَّد أوكرانيا بها، وفي الوقت ذاته يعني أن ألمانيا وحلفاءها ليسوا مهتمين بحل دبلوماسي للنزاع.

هندس حلف الأطلسي عملية تزويد أوكرانيا بالدبابات

وفي كل الأحول تقدم حلف شمال الأطلسي خطوة مهمة على الطريق التي اقتصر دوره فيها حتى الآن على مساعدة أوكرانيا بصد الحرب الروسية، من خلال تقديم معلومات عسكرية مهمة عن تحركات الجيش الروسي، وإسناد الجيش الأوكراني بالسلاح والذخيرة، وتدريب قوات أوكرانية على الأسلحة الحديثة في معسكرات داخل بولندا وخارجها.

وخرّج الحلف عدة آلاف من المتخصصين في الحرب الحديثة وزجهم في الميدان. عدة أسباب تقف وراء الاصرار الأوكراني على التزود بالدبابات، من بينها يأتي في سلم الأولويات عزل شبه جزيرة القرم، التي ضمّتها روسيا بالقوة من أوكرانيا في عام 2014. ومن المعروف أنه قبل الغزو الروسي العام الماضي، كانت الصلة الوحيدة بين شبه جزيرة القرم وروسيا، طريقاً طويلاً وجسراً للسكك الحديد، وعند الاستيلاء على مدينة ماريوبول والأراضي المحيطة بها في الربيع الماضي، أنشأت القوات الروسية جسراً برياً من روسيا ومنطقة دونباس في أوكرانيا إلى شبه جزيرة القرم.

وتقوم الحسابات الأوكرانية على إنشاء قوة مدرعة هجومية، تشكل رأس حربة لهجوم يمكنه اختراق الدفاعات الروسية في مدينة ماريوبول، ويقدر الخبراء أن دبابات "ليوبارد" صالحة للاستخدام في مهمة من هذا القبيل، نظراً لما تتمتع به من مزايا في الأراضي الموحلة وقدرة عالية على المناورة.

ومن ناحية أخرى، يمكن للدبابات أن تسمح باستخدام أكثر فعالية للمشاة في المناطق المفتوحة، ما يساعد المشاة على المتابعة بأمان في المناطق الحضرية أو الغابات. ويمكن للمشاة التحرك أولاً، ما يمنع العدو من الاختباء والضرب بأسلحة مخفية مضادة للدبابات.

ويقدر المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، أن هناك حاجة من ثلاثة إلى ستة أسابيع من التدريب لأطقم التشغيل وموظفي الدعم، للوصول إلى الكفاءة الأساسية لاستخدام دبابات "ليوبارد". وإذا حصلت أوكرانيا على العدد الكافي من الدبابات خلال شهر فبراير المقبل، فإن الروس سيواجهون مشاكل حقيقية، عندما يحصل الهجوم الأوكراني.

"ليوبارد" تناسب أوكرانيا اليوم أكثر من دبابات "أبرامز"، التي يقول المسؤولون الأميركيون إنها تحتاج إلى تدريب على استخدامها يمتد إلى عدة أشهر وصيانة معقدة، وقد لا تكون الأنسب. وهناك سبب إضافي، وهو أن "ليوبارد" تعمل بالديزل، بينما تعمل "أبرامز" بوقود الطائرات. وفي جميع الأحوال لا يمكن فقط نشر مجموعة من دبابات القتال المتطورة من أجل تحقيق النصر.

هذا أمر مهم للغاية، ولكنه يتطلب استخدامها بالطريقة الصحيحة، من خلال دمجها بجميع التشكيلات العسكرية الأخرى، مثل المشاة والمدفعية والدفاع الجوي والهندسة القتالية وطائرات الهليكوبتر.