"داعش" يحشد لدخول مدينة "عين العرب"

22 سبتمبر 2014
فرار سكان تل أبيض بعد سيطرة "داعش" (أورهان سيسيك/الأناضول)
+ الخط -

بدأ تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في الخامس عشر من الشهر الحالي في شنّ هجوم واسع على منطقة عين العرب (كوباني) وريف تل أبيض الغربي في سورية، وهي المنطقة التي تقع تحت سيطرة قوات الحماية الشعبية الكردية التابعة لحزب "الاتحاد الديمقراطي الكردي" الذي يقوده صالح مسلم. هاجم "داعش" المنطقة التي تسيطر عليها القوات الكردية من ثلاثة محاور، ليتمكن في الأيام الأخيرة من تحقيق تقدم كبير تجسّد في السيطرة على عشرات القرى الكردية في المنطقة الواقعة في ريف تل أبيض الغربي وريف عين العرب (كوباني) الشرقي.

التقدّم غير المسبوق الذي حققه "داعش" ميدانياً في ريف عين العرب يشير بشكل واضح إلى احتمال سيطرة التنظيم على مدينة عين العرب، وخصوصاً مع عدم وجود خطوط إمداد مفتوحة للقوات الكردية وقوات الجيش الحر المتحالفة معها، إذ إن تنظيم "داعش" يهاجم المنطقة من ثلاثة محاور، ليبقى المحور الرابع الوحيد المفتوح للقوات الكردية هو الحدود التركية، التي يصعب بلا شك على القوات الكردية تأمين إمداد عسكري من خلالها.

وكان تنظيم "داعش" قد حشد في الأسبوعين الأخيرين قوات كبيرة في المناطق التي يسيطر عليها في محيط منطقة عين العرب، فيما بدا أنه تحضير من قبل التنظيم لهجوم واسع وغير مسبوق على المنطقة التي لم يتمكن سابقاً من التقدم فيها، بسبب وعورتها ودفاع القوات الكردية عنها بشراسة.

وارتفعت وتيرة المواجهات في الأشهر الأخيرة بين قوات "داعش" من جهة وقوات الحماية الشعبية الكردية المدعومة ببعض كتائب الجيش الحر من جهة ثانية، إثر محاولات "داعش" المتكررة التقدم في المنطقة.

وتمكنت قوات الحماية الشعبية الكردية، التي تملك ما لا يقل عن خمسة آلاف مقاتل في المنطقة، من صدّ هجمات كبيرة عدة لتنظيم "داعش"، على الرغم من اقتصار تسليحها على الأسلحة الخفيفة والرشاشات المتوسطة وعدد قليل من الرشاشات الثقيلة، في مقابل امتلاك "داعش" لأعداد أكبر من المقاتلين، مزودين بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة، بالإضافة إلى امتلاكهم لأسلحة ثقيلة من دبابات وراجمات صواريخ وغيرها.

ويعود صمود القوات الكردية في الدرجة الأولى إلى وعورة المناطق الجبلية التي يجري فيها القتال، الأمر الذي مكّنها من التفوق في المواجهات، بحكم معرفة عناصرها بجغرافيا المنطقة الجبلية الممتدة في الريف الجنوبي لمدينة عين العرب وصولاً إلى ريفها الشرقي.

وتقاتل إلى جانب قوات الحماية الشعبية مجموعات تابعة للجيش الحر، لعل أشهرها كتائب "شمس الشمال"، التي ينتسب مقاتلوها إلى مناطق ريف منبج وصرين وجرابلس في ريف حلب الشرقي، والتي اضطرت منذ أشهر إلى الانسحاب من مناطق سيطرتها في منطقة منبج، نحو منطقة عين العرب. وتخوض هذه الكتائب المعارك إلى جانب القوات الكردية ضد تنظيم "داعش" الذي هاجم نقاط تمركز كتائب "شمس الشمال" وقوات الحماية الشعبية في المناطق الجنوبية من ريف عين العرب، والتي تبعد عن المدينة نحو أربعين كيلو متراً إلى الجنوب، والمواجِهة مباشرة لمنطقة صرين التي يسيطر عليها "داعش". وقد أعلنت كتائب "شمس الشمال" منذ أسبوعين انضمامها إلى تجمع ألوية فجر الحرية التابعة للجيش الحر والتي تعمل في مدينة حلب وريفها الشمالي.

أيضاً تقاتل إلى جانب قوات الحماية الشعبية الكردية مجموعات أخرى تابعة للجيش الحر، وهي لواء التوحيد القطاع الشرقي ولواء ثوار الرقة الذي يملك ما يناهز المائة مقاتل. وكان الأخير اضطر إلى الانسحاب من الرقة في بداية العام الحالي نحو منطقة عين العرب. كما تشترك في المعارك "سرايا جرابلس"، وهي تشكيل صغير مؤلف من عناصر من الجيش الحر من أبناء مدينة جرابلس الواقعة إلى الغرب من مدينة عين العرب. وقد أعلنت هذه الفصائل بالاشتراك مع قوات "الحماية الشعبية" تأسيس غرفة عمليات مشتركة أطلق عليها "غرفة بركان الفرات"، وذلك في بيان مشترك تم تصويره في ريف عين العرب الغربي. وتهدف غرفة العمليات الجديدة، بحسب مؤسسيها، إلى تنسيق العمليات العسكرية لمحاربة "داعش" في المنطقة.

لكن يبدو أن هجوم "داعش" الكبير الذي شنّه على منطقة عين العرب من ثلاثة محاور، أفقد قوات "الحماية الشعبية" وكتائب "الجيش الحر" المتحالفة معها توازنها في المنطقة، الأمر الذي اضطر هذه القوات إلى الانسحاب من مناطق ريف عين العرب الشرقي وريف تل أبيض الغربي، ليبسط "داعش" سيطرته على أكثر من ستين بلدة وقرية في المنطقة، ويضطر سكان هذه البلدات والقرى إلى النزوح نحو مدينة عين العرب ومن ثم إلى الأراضي التركية.

وتبدو مساعي "داعش" للتقدم والسيطرة على مدينة عين العرب الأكثر جدية هذه المرة قياساً بما مضى، إذ يتحدث نشطاء أكراد من المدينة عن حشد التنظيم لأكثر من 30 دبابة جنوب المدينة وغربها على خطوط الاشتباك مع القوات الكردية وحلفائها، وهو الحشد الذي لم يكن له مثيل فيما مضى في المواجهات بين الطرفين.

وفي السياق، يستخدم "داعش" لأول مرة صواريخ الجراد في هجومه على المنطقة، إذ سُجل في الأيام الأخيرة سقوط عدة رشقات من هذه الصواريخ على مدينة عين العرب وأريافها، الأمر الذي كان له وقع سلبي على سكان المنطقة وعلى نفسية مقاتلي قوات الحماية الشعبية، بسبب الهوة الكبيرة في التسليح بينهم وبين عناصر هذا التنظيم.

وتقع مدينة عين العرب في أقصى ريف حلب الشرقي على بعد مائة وأربعين كيلو متراً إلى الشرق من مدينة حلب، وتسكنها في الأساس غالبية كردية، إلا أن عشرات الآلاف من النازحين وصلوا إلى المنطقة في الأشهر الأخيرة من مناطق ريف حلب الشرقي، خصوصاً مناطق السفيرة ومنبج وجرابلس.

المساهمون