بعد توجه فنلندا والسويد نحو الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في مؤشر إلى نشر بنيته التحتية العسكرية بالقرب من الحدود الروسية، تتزايد التساؤلات حول خيارات رد موسكو على ما تعتبره تهديداً وجودياً لأمنها، لا سيما في حالة فنلندا البالغ طول حدودها مع روسيا 1300 كيلومتر. وعلى الرغم من أن الإجراءات الرسمية لانضمام البلدين إلى الأطلسي قد تستغرق أشهراً، إلا أن المسألة تبدو محسومة سياسياً، وهو ما يضع روسيا أمام خيارات محدودة للردّ، تتراوح بين تعزيز وجودها العسكري على الحدود الفنلندية أو في مقاطعة كالينينغراد المطلة على بحر البلطيق في قلب أوروبا، والمعزولة عن باقي أقاليم روسيا.
وفي هذا الإطار، اعتبر الخبير في مركز بحوث قضايا الأمن التابع لأكاديمية العلوم الروسية قسطنطين بلوخين، أن انضمام فنلندا والسويد إلى الأطلسي يعكس تطلعاً أميركياً لردع روسيا في منطقة القطب الشمالي. وتوقّع، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن يدفع الأمر بروسيا نحو استكمال عمليتها العسكرية في جميع أنحاء أوكرانيا، لضمان إبعاد حدود الأطلسي على هذه الجبهة.
وحول الردود الروسية المحتملة على توسع الأطلسي، رأى بلوخين أن "روسيا ستضطر لتعويض زيادة طول حدودها مع الأطلسي في البلطيق باتجاه القطب الشمالي، عن طريق التوغل غرباً في أوكرانيا". وأكد أنه "إذا تم نشر عناصر للبنية التحتية الحيوية للحلف في فنلندا والسويد، فمن الواضح أن روسيا ستضطر لإدراجهما ضمن قوائم الأهداف العسكرية المحتملة. وإذا تم نشر صواريخ على أراضيهما، فستقوم روسيا بخطوة مماثلة بالقرب من الحدود مع فنلندا أو في مقاطعة كالينينغراد الواقعة في قلب البلطيق".
وقلّل بلوخين من أهمية نتائج استطلاعات الرأي التي تظهر تطلُع أكثر من 75 في المائة من الفنلنديين للانضمام إلى الأطلسي على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية. واعتبر أن "الولايات المتحدة تمكنت في نهاية الأمر من توحيد الغرب على قاعدة معاداة روسيا".
من جهته، حذر أستاذ العلوم السياسية في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، كيريل كوكتيش، من أن انضمام فنلندا والسويد لحلف الأطلسي قد يشكل نهاية للبلطيق كمنطقة خالية من السلاح النووي، من دون أن يستبعد في الوقت نفسه احتمال تحقق السيناريو الناعم للانضمام، من دون نشر قواعد عسكرية أو أسلحة نووية على أراضيهما، اقتداءً بنموذجي النرويج والدنمارك اللتين انضمتا إلى الحلف في عام 1949.
وقال كوكتيش، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "من الواضح أن ممثلي النخبتين الفنلندية والسويدية يريدون تحقيق الرفاهية لأنفسهم على حساب بلديهم، إذ إن انضمامهما إلى الأطلسي قد يجعل منطقة البلطيق تفقد صفة المنطقة الخالية من السلاح النووي".
وحول رؤيته لتداعيات انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف، اعتبر أن "السويد انحازت دائماً للموقف الغربي المناهض لموسكو، وتلاحق منذ 60 عاماً الغواصات الروسية المزعومة في مياهها الإقليمية. لكن في حالة فنلندا، سيكبّدها التحوّل إلى دولة غير صديقة لروسيا خسائر فادحة من جهة حرمانها من واردات الأخشاب والغاز من روسيا. وعلى الصعيد العسكري، قد تنشر روسيا أسلحة نووية في كالينينغراد".
بدوره، تساءل المدير في نادي "فالداي" الدولي للنقاشات، تيموفيه بورداتشوف، عن دوافع فنلندا والسويد للانضمام إلى الأطلسي. وفي مقال بعنوان "لماذا يحتاج الفنلنديون والسويديون إلى قفص الأطلسي؟"، نُشر بصحيفة "فزغلياد" الإلكترونية الموالية للكرملين أمس الخميس، ذكّر بورداتشوف بأن فنلندا وقفت على طريق الحياد بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945). واعتبر أن تقلب الموقفين الفنلندي والسويدي يعود إلى نشأة جيل كامل جديد من السياسيين لم يسمعوا عن الحرب، بل تكونوا في عهد النظام الليبرالي العالمي بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها.
وعلى الصعيد الرسمي، أثار عزم فنلندا والسويد الانضمام إلى الأطلسي حفيظة الكرملين الذي أعرب على لسان المتحدث الرسمي باسمه، دميتري بيسكوف، عن اعتقاده بأن توسع الحلف لا يساهم في الأمن، وأن انضمام فنلندا إلى الحلف يشكل تهديداً لروسيا.