أكد تقرير لـ"نيويورك تايمز" أنه حتى قبل مقتل ثلاثة جنود أميركيين بهجوم طائرة مسيّرة على موقع "البرج 22" في الأردن، الأحد، كانت إدارة الرئيس جو بايدن تخطط لـ"لحظةٍ شبيهةٍ" وتناقش خياراتها لكيفية ردع الجماعات المسلحة المدعومة من إيران، مشيرة إلى أن الخيارات تنحصر بين "غير المُرضي" و"شديد الخطورة".
من بين الخيارات المطروحة، وفق "نيويورك تايمز"، أن تواصل واشنطن توجيه ضرباتها للجماعات المسلحة في سورية والعراق واليمن، وهي الضربات التي "تسبّبت في إضعافها، دون أن تنجح في ردعها"، باعتراف بايدن نفسه قبل أيام. وأوضحت الصحيفة أن هذه الضربات يُمكن أن يُنظر إليها على أنها "تصعيد".
الخيار الثاني، بحسب "نيويورك تايمز"، يتمثل في أن يقرر بايدن "ملاحقة الموردين الإيرانيين للطائرات بدون طيار والصواريخ، بما في ذلك داخل الأراضي الإيرانية"، قبل أن تستدرك بأن "ذلك يشكل خطراً أكبر بكثير"، مشيرة إلى أنه "من الممكن أن يكون من الخيارات استهداف أعضاء "الحرس الثوري" الذين يتمركز العديد منهم في سورية والعراق"، مبرزة أن "كيفية تنفيذ هذه الضربات قد تتسبّب في فتح جبهة أخرى في الحرب، مع خصم أقوى بكثير". ويرى التقرير أن "بايدن قد يُجبر على فعل كل ما حاول تجنبه حتى الآن".
ويتحدث تقرير الصحيفة عن "خيارات وسط"، وأنه "يمكن دمج الضربات مع رسائل عبر القنوات الخلفية إلى الإيرانيين، مفادها أنه ينبغي عليهم استيعاب الضربة وعدم التصعيد"، مشيرا إلى أن هذا الأسلوب "سبق أن نجح من قبل"، وأورد المرحلة التي تلت اغتيال قائد فيلق القدس، الجنرال قاسم سليماني، في عام 2020، موضحا أنه "آنذاك، كما هو الحال الآن، كانت هناك مخاوف من حرب شاملة في الشرق الأوسط.. بين الولايات المتحدة وحلفائها ضد إيران ووكلائها. (وفي الأخير) تراجع الجانبان". وتستدرك الصحيفة: "لكن مزيج الضغوط السياسية والحسابات العسكرية والوضع الإقليمي الهش يختلف تماماً اليوم عمّا كان عليه قبل سنوات (عند اغتيال سليماني)، على الرغم من أن الأدلة تشير إلى أن إيران لا ترغب في الانخراط بشكل مباشر في الحرب أيضاً، وخاصة عندما يكون اقتصادها ضعيفاً".
وتنقل الصحيفة عن جيمس ستافريديس، الأميرال المتقاعد في البحرية الأميركية: "لا توجد خيارات جيدة، لكن قتل وجرح العديد من أفراد الجيش الأميركي يتطلب رداً قوياً".
وأكد ستافريديس أن "هناك ما يبرر شنّ حملة جوية لعدة أيام ضد جميع وكلاء إيران"، وإطلاق "تحذير الفرصة الأخيرة" لطهران، موضحاً: "يجب على البنتاغون أن يُوجد خيارات تستهدف بشكل مباشر منشآت إنتاج الأسلحة الإيرانية والأصول البحرية وأنظمة الاستخبارات في حالة رغبة النظام الإيراني في خوض جولة قتال. وسيكون الهجوم السيبراني القوي خياراً آخر قابلاً للتطبيق، سواء بمفرده أو مترافقاً مع الضربات".
وتشير الصحيفة إلى أن الدرس المستفاد من العقد الماضي "من الصراع الإلكتروني مع إيران" هو أنه "يبدو أسهل في الأفلام منه في الواقع. فالوصول إلى الشبكات الحيوية أمر صعب، كما أن التأثير الدائم أكثر صعوبة، حيث استهدف أشهر هجوم إلكتروني أميركي إسرائيلي على إيران أجهزة الطرد المركزي النووية الخاصة بها قبل 15 عاماً، ما أدى ذلك إلى إبطاء البرنامج النووي لمدة عام أو عامين، لكنه لم يوقف العمل به".
ويشير التقرير إلى خطط أميركية سابقة تشمل ضربات على مواقع الصواريخ والقواعد الجوية الإيرانية، في حالة اندلاع حرب بين إيران وإسرائيل. كذلك، كان هناك خيار هجوم إلكتروني أطلق عليه اسم "نيترو زيوس"، لتعطيل الدفاعات الجوية الإيرانية وأنظمة الاتصالات والأجزاء المهمة من شبكة الكهرباء. لكن هذه الخطط أُجّلت في عام 2015، بعد أن أبرمت إيران وست دول أخرى اتفاقاً نووياً.
ويشير التقرير إلى انتقادات الجمهوريين للرئيس بايدن الأحد، حيث دعا زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل إلى أن تدفع إيران نفسها "تكاليف باهظة"، وليس فقط وكلاءها في الخطوط الأمامية. وطالب السيناتور الجمهوري جون كورنين بضربات على الحرس الثوري الإيراني، ونخبته العسكرية، و"حراس البرنامج النووي".
وكتب دانيال كرينشاو، وهو من قدامى المحاربين في العراق وأفغانستان، على وسائل التواصل الاجتماعي، يوم الأحد: "ربما حان الوقت لقتل جنرال إيراني آخر؟"، مستذكراً اغتيال سليماني. وأضاف: "هذا قد يبعث بالرسالة الصحيحة".
ويذهب التقرير إلى أن "مثل هذه الدعوات لها جاذبية سياسية لا يمكن إنكارها، خاصة في بداية عام الانتخابات، ولم يكن أحد أكثر صراحة من دونالد ترامب الذي لم يشر إلى مخاوفه الخاصة بشأن قتل الإيرانيين وتصعيد الصراع عندما كان في منصبه. حتى مساعدو بايدن يعترفون بأن كل ما قاموا به حتى الآن لـ"استعادة الردع" قد فشل في تحقيق الهدف".
ووفق "نيويورك تايمز"، فإنه "لم يتضح بعد من الذي يهدف بايدن إلى ردعه"، مضيفة: "يقول مسؤولو المخابرات الأميركية إنه بينما تقدم إيران الأسلحة والتمويل، وأحياناً المعلومات الاستخباراتية للمليشيات التي تدعمها، لا يوجد دليل على أنها "من تطلق النار"، وربما لم تكن على علم مسبق بالهجوم في الأردن".
وأعلنت المجموعات المسلحة المدعومة من إيران، التي تسمي نفسها "المقاومة الإسلامية في العراق"، مسؤوليتها عن الهجوم على القاعدة في الأردن، قائلة إنه "استمرار لنهجنا في مقاومة قوات الاحتلال الأميركية في العراق والمنطقة".
وقال ناصر كنعاني، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية في مؤتمر صحافي في طهران، يوم الاثنين، إن هذه الجماعات "لا تتلقى أوامر" من إيران، و"تتصرف بشكل مستقل".
غير أن السرعة التي حاولت بها إيران أن تنأى بنفسها عن الضربة، بدلاً من تبنيها، أكدت، بحسب "نيويورك تايمز"، على الجانب السلبي في استخدام الوكلاء. فـ"هذا هو الخطر الكامن في استراتيجية الحرب بالوكالة الإيرانية"، تنقل الصحيفة عن راي تاكيه، الخبير في الشؤون الإيرانية بمجلس العلاقات الخارجية، الذي يضيف: "كان ذلك ناجحاً بشكل جيّد، لكن فقط حين كان الانتقام يركز على الوكلاء وليس على أراضي إيران نفسها. الآن هناك خطر حقيقي من أن تخرج الأمور عن نطاق السيطرة في المنطقة".
ويذهب تقرير "نيويورك تايمز" إلى أن بايدن استنفد العقوبات؛ فـ"بالكاد يوجد قطاع في الاقتصاد الإيراني لا تعاقبه الولايات المتحدة وأوروبا، لكن الصين تواصل شراء النفط الإيراني. يمكن لبايدن الموافقة على حزمة ضربات ضد مجموعة متنوعة من وكلاء إيران، لكن ذلك من شأنه أن يشجع بعضهم، ويمنح آخرين مكانة وشرعية يتوقون إليها بوصفهم أعداء الولايات المتحدة".
وتختم "نيويورك تايمز" بأن الرئيس الأميركي يواجه تحدياً حقيقياً في الانتخابات، وفي ظل اندلاع حربين (على غزة وفي أوكرانيا)، إذ "يحتاج إلى ردع إيران عن رعاية الهجمات على الأميركيين، لكن دون بدء حرب أخرى".