خيارات المعارضة السورية: مشروع تقارب مع الأكراد بضغط أميركي

28 مارس 2022
عناصر من "قسد" في الحسكة، في فبراير الماضي (فرانس برس)
+ الخط -

وضع فشل العملية السياسية وعجز الأمم المتحدة عن تطبيق القرارات الدولية التي رسمت خريطة حل في سورية، خصوصاً بعد الفشل الجديد للجنة الدستورية خلال جولتها السابعة الأسبوع الماضي، المعارضة أمام العديد من الخيارات السياسية، لعل أبرزها الاتجاه شرقاً للتفاهم مع "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، المسيطرة على نحو ثلث مساحة البلاد.

وأثبتت الجولة السابعة من اجتماعات اللجنة الدستورية بين المعارضة والنظام والتي اختُتمت، يوم الجمعة الماضي، أن الأمم المتحدة عاجزة تماماً عن تطبيق القرارات الدولية الخاصة بسورية وأبرزها القرار 2254، على الرغم من مرور سبع سنوات على صدوره تقريباً.

كما أكدت مجدداً أن نظام بشار الأسد يرفض المساس به وبرموزه، وهو ما يعني إغلاق الباب أمام أي اتفاق وفق القرارات الدولية يمكن الوصول إليه ويحقق الحد الأدنى من مطالب الشارع السوري المعارض.

وبدأت ترتفع أصوات المعارضين السوريين الداعية إلى استقالة المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن، بسبب فشله في أداء مهامه وتجنّبه حتى اللحظة تحميل النظام بشكل لا لبس فيه مسؤولية عرقلة مهام الأمم المتحدة.

مراجعة المعارضة للعملية السياسية

وفي هذا الصدد، كتب الرئيس السابق للائتلاف الوطني السوري نصر الحريري في تغريدة على "تويتر": "كما الجولة الأولى، فشلت الجولة السابعة للجنة الدستورية، وبينهما خمس جولات فاشلة. فشلت بسبب النظام المجرم وتراخي المجتمع الدولي".

وأشار إلى أن بيدرسن "بدلاً من أن ينحو إلى الاعتراف بفشل هذا المسار والبدء بتشكيل هيئة الحكم الانتقالي، أو الاستقالة، فإنه سيسعى غالباً إلى تحديد موعد جولة فاشلة جديدة".

ومن المرجح أن تراجع هيئة التفاوض المعارضة، التي تضم العديد من الهيئات والمنصات أبرزها الائتلاف الوطني السوري، مواقفها إزاء العملية السياسية برمتها بعد "خيبات الأمل" المتكررة من جولات التفاوض مع النظام حول المسألة الدستورية.

ويُتوقع أن تطالب المعارضة بالعودة إلى تراتبية الحل الواردة في القرار الدولي 2254 والذي نصّ على تشكيل هيئة حكم انتقالي تشرف على كتابة دستور تجري على أساسه انتخابات.

وكانت نُسفت هذه التراتبية نتيجة الضغوط الإقليمية على المعارضة التي قبلت بالتفاوض أولاً على الدستور، إلا أن هذه الخطوة لم تقابلها خطوة مماثلة من النظام، الذي لم يتزحزح عن موقفه الرافض أي حلول تهدده.


يُتوقع أن تطالب المعارضة بالعودة إلى تراتبية الحل الواردة في القرار الدولي 2254

ويبدو أن الظروف السياسية والتطورات المتلاحقة على المشهدين الإقليمي والدولي ربما تدفع المعارضة السورية و"قسد" إلى فتح قنوات اتصال يفضي إلى حوار، خصوصاً أن الجانبين جرّبا التفاوض مع النظام على مدى سنوات ولكن من دون نتائج، فالنظام يريد العودة بالأوضاع السياسية في سورية إلى ما قبل عام 2011، من دون تقديم أي تنازل.

ولطالما دعا "مجلس سورية الديمقراطي" (مسد)، الجناح السياسي لهذه القوات الائتلاف الوطني السوري، وهو العنوان السياسي الأبرز لقوى الثورة والمعارضة، إلى فتح حوار يرقى إلى مستوى المفاوضات لنسج تفاهم يمكن أن يفضي إلى تشكيل مرجعية سياسية واحدة بين الجانبين.

وكان الرئيس المشترك لـ"مسد" رياض درار، أكد في حديث مع "العربي الجديد" منتصف الشهر الحالي، أن المجلس "طرح مشروع الشمال السوري بإدارتين لا مركزيتين على الائتلاف السوري الوطني، وحتى اللحظة لم نتلق جواباً".

ووفق مصادر مطلعة في محافظة الحسكة: "تتحرك الخارجية الأميركية من أجل ردم هوّة الخلاف بين قوات قسد والائتلاف الوطني السوري"، مضيفة في حديث مع "العربي الجديد": "ربما تؤدي قيادة إقليم كردستان العراق دوراً في تقريب وجهات النظر بين الائتلاف وقسد".

وأشارت المصادر إلى أن الجانب الأميركي "ضغط على هذه القوات للاحتفال بذكرى الثورة منتصف مارس الحالي على الرغم من معارضة بعض القياديين المرتبطين بحزب العمال"، مضيفة: يبدو أن الإدارة الأميركية تربط بين استثناء الشمال السوري والشمال الشرقي من عقوبات "قانون قيصر" وبين توصل المعارضة و"الإدارة الذاتية" الكردية لتفاهمات.

وتبقى العلاقة بين هذه القوات وبين حزب العمال الكردستاني العقبة الكبرى أمام أي محاولة تقارب بين الائتلاف وهذه القوات التي تتحكم بها وحدات "حماية الشعب"، التي تعد ذراعاً عسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يُنظر إليه على أنه نسخة سورية من حزب العمال الكردستاني والمصنف في خانة "التنظيمات الإرهابية".


تتحرك واشنطن من أجل ردم هوّة الخلاف بين قسد والائتلاف الوطني

وكان المجلس الوطني الكردي وهو من مكونات الائتلاف قد خاض جولات حوار مع الاتحاد الديمقراطي، فشلت بسبب رفض الأخير فك الارتباط بحزب العمال والسماح لقوات "البشمركة" السورية الدخول إلى الشمال الشرقي من سورية والمشاركة في القرارين العسكري والأمني.

وليس من المتوقع أن تدعم تركيا، الحليف الأبرز للمعارضة السورية، أي حوار بين الأخيرة وقوات "قسد"، وهو ما يؤكده المحلل السياسي التركي هشام جوناي، الذي قال في حديث مع "العربي الجديد": "تركيا (حكومة ومعارضة) تعتبر قوات قسد تنظيماً إرهابياً، لذا لن ترحب أنقرة بأي حوار بين المعارضة السورية وهذه القوات التي تشكل تهديداً على الأمن القومي التركي".

رفض الحوار مع "قسد"

ياسر الفرحان وهو عضو الائتلاف الوطني السوري، أكد في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "ليس من خيارات الائتلاف إجراء حوار مع قوات قسد، فهي منظمة إرهابية يسيطر عليها قيادات آتية من جبال قنديل (مقر حزب العمال الكردستاني)، ومعظمهم ليسوا سوريين"، مضيفاً: "حتى السوريون منهم، انتماؤهم هو لهذا الحزب وليس لسورية".

وأشار الفرحان إلى أن "هذه القيادات أخذت السلاح والمال من نظام الأسد، وحاربوا مع قواته"، معتبراً أن "الخلافات التي تطفو على السطح بين الجانبين يتم تجاوزها بسرعة".

وتابع: هذه القوات لم تنفك عن نظام الأسد وعن حزب العمال الكردستاني وتفرض إرادتها الذاتية على السوريين بقوة السلاح وتنهب ثروات البلاد. المسافة بعيدة بيننا. ولفت إلى أن المجلس الوطني الكردي وهو من مكونات الائتلاف الوطني "حاول التفاهم مع قوات قسد بوساطة ورعاية من الفرنسيين والأميركيين، إلا أن هذه المحاولة لم تنجح لأن هذه القوات لا يمكن لها الانسلاخ عن حزب العمال".

وأكد الفرحان أن المعارضة السورية لن تنسحب من العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، لأن "الانسحاب هو هدف للنظام لرغبته في انتهاء العملية السياسية لأنها ليست من ضمن خياراته على الإطلاق". وتابع: سنستمر بالعملية السياسية مع مطالبة الأطراف الدولية بالضغط لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة.

ولكن الفرحان استدرك أن المعارضة "لا تعوّل كثيراً على المفاوضات مع النظام، ولكنها تستخدمها منصة لفضحه أمام المجتمع الدولي"، مشيراً إلى أن المعارضة مستمرة بإجراءات قانونية "لنزع الصفة التمثيلية للدولة السورية عن النظام، وتعزيز شرعية المعارضة، والمضي بمحاولات المحاسبة لهذا النظام في المحاكم الدولية".