خيارات إيران للرد على مقتل فخري زادة: انتظار بايدن أو "اغتيال" الدبلوماسية؟

29 نوفمبر 2020
متظاهرون إيرانيون يحرقون العلم الأميركي(عطا كناري/فرانس برس)
+ الخط -

في تعقيبه على اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة، حثّ، الجمعة، المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية "سي آي إيه" (CIA) جون برينان إيران على "الامتناع" عن الرد، واصفاً العملية بأنها "فعل جرمي وخرق صارخ للقانون الدولي".

والمعروف عن برينان أنه من أقوى المساندين للرئيس المنتخب جو بايدن والمؤيدين لتوجهاته الخارجية، ومنها العودة إلى الدبلوماسية لإحياء الاتفاق النووي بعد تعديله مع إيران. ومن هنا أهمية رده الذي بدا وكأنه يقول بالنيابة إن الضربة الإسرائيلية وفق سائر التقديرات في واشنطن، جاءت لاستباق الإدارة القادمة ووضع العصي في دواليب عودتها المزمعة إلى ملف الاتفاق النووي، كما لدفع طهران إلى رد فعل يغتال مثل هذا الخيار، وقد يؤدي إلى انفجار كبير في المنطقة.

المراهنة أن يكون لمثل كلام برينان صداه في طهران. فهو بحكم موقعه وخلفيته الاستخبارية وقربه من فريق الرئيس المنتخب، يفترض أن يكون لنصيحته وقعها لدى أهل القرار هناك، خاصة أن الرد الإيراني بقي حتى الآن مفرملاً كما بدا من تصريح الرئيس حسن روحاني الذي توعّد بعملية تحدد طهران وقتها وطريقتها. كلام رأى فيه المراقبون ما يشير إلى غلبة "الموقف المتروّي".

يعزز ذلك أنه سبق أن تكررت هذه النغمة في أعقاب اغتيالات مماثلة في الماضي من دون أن تترجم على الأرض. وهنا ثمة من يرى في ذلك فرصة سانحة أكثر للرئيس المنتخب، من باب أن تكرار الاختراقات الأمنية على هذا المستوى وغيره، كشف عن ثغرة أمنية خطرة تعذر على النظام الإيراني سدها. وبالتالي من المحتمل في ضوء ذلك أن تتزايد ليونته للتوصل إلى اتفاق جديد يستند إلى ضمانات دولية ويخرج الاقتصاد الإيراني من أزمته الخانقة. فالمسألة صارت "فاضحة".

بين 2010 و2012، اغتيل أربعة علماء ذرة في داخل إيران، وهذه السنة كانت محرجة أكثر، بدأت باغتيال قائد "فيلق القدس" الجنرال قاسم سليماني في مطار بغداد، ثم تفجير منشأة نووية بجوار مفاعل ناطنز، مرتين خلال أربعة أيام في يوليو/ تموز الماضي. تلته تصفية حمزة بن لادن، نجل مؤسس تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن، في طهران كما تردد. والآن استُهدِف كبير علماء الذرة، الذي كان رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قد ألمح في 2018 بصورة مبطنة إلى وضعه على اللائحة عندما قال: "تذكروا هذا الاسم".

ويشار في هذا الصدد إلى معلومات تفيد بأن علاقات الدعم والتعاون مع أذربيجان المتنافرة مع إيران، وفرت لإسرائيل المعلومات اللازمة وبناء شبكات استخبارية محلية، ما سهّل عليها التسلل ودقة الرصد والتوقيت مرة تلو المرة في عملياتها داخل إيران.

لكن في المقابل ثمة من يستبعد أن تبقى الطريق سالكة أمام روحاني وفريقه المفترض أنه يراهن على الدبلوماسية. فالانتخابات الإيرانية بعد 6 أشهر في يونيو/ حزيران المقبل. وإدارة بايدن لن يتسنى لها إذا بقيت أمور التسليم والتسلّم على ما يرام، الالتفات إلى ملف إيران النووي قبل منتصف أو أواخر الربيع المقبل. الظن أن الجناح المتشدد الساعي إلى ترشيح أحد رموزه للرئاسة الإيرانية قد لا يقوى على الفوز فيما عملية التفاوض تكون قد انطلقت وبما يوحي بأنها قد تكون واعدة. لذا، من المرجح أن يدفع باتجاه رد يكون ورقته للفوز بالرئاسة من جهة وفي ذات الوقت يكون وسيلته لوقف النزف في صدقية النظم الأمنية التي تشكل العمود الفقري لاستمراريته.

من جهته، الرئيس الأميركي المنتخب، عنده هو الآخر متشددوه في الكونغرس المتوقع أن يعترضوا على العودة إلى الاتفاق وتجاوز قرار الرئيس ترامب بالانسحاب منه. خاصة إذا فازوا بمقعد واحد على الأقل في انتخابات ولاية جورجيا لمجلس الشيوخ في 5 يناير/ كانون الثاني المقبل، بحيث تصبح الأكثرية فيه لهم. لكن في كل حال، تبقى مساحة الحركة أمام بايدن أوسع في الشؤون الخارجية من المساحة التي تملكها طهران التي وضعت حادثة الاغتيال الكرة في ملعبها.

المساهمون