خمس سنوات على اعتداءات بروكسل: الآثار باقية

22 مارس 2021
تم تشديد الأمن في بروكسل بعد التفجيرين (إيمانويل دوناند/فرانس برس)
+ الخط -

في 22 مارس/ آذار 2016، وعند نحو الثامنة صباحاً بتوقيت بلجيكا، هزّ تفجير انتحاري مطار زافنتيم الدولي في العاصمة بروكسل. وبفارق نحو ساعة كان الانفجار الثاني يهز محطة مترو مولينبيك، غير بعيد عن مقرات الاتحاد الأوروبي.
حصيلة ثقيلة كشفها انقشاع دخان التفجيرين في مشهدين أرعبا أوروبا. فنحو 32 قتيلاً و300 مصاب، من 40 جنسية، انضموا إلى ضحايا تفجيرات واعتداءات باريس قبل أشهر قليلة، حيث قتل نحو 130 شخصاً وجرح 400 في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015.
تداعيات الاعتداءين، اللذين تبنّاهما تنظيم "داعش"، سرعان ما انعكست أمنياً في بروكسل وباقي العواصم الأوروبية، إذ تم تشديد الأمن، فيما تتواصل السجالات حول أسباب الإخفاق، على الرغم من مرور 5 سنوات على التفجيرين. كذلك كانت للاعتداءين ارتدادات في ما يتعلق سياسة الهجرة واللجوء، وبروز تيارات متطرفة توظف ذكرى الحدث كل عام.

كان على سكان منطقة مولينبيك، التي يتحدر منها بعض المطلوبين، التعايش لوقت طويل مع ارتدادات الهجومين

كذلك كان على سكان منطقة مولينبيك، التي تضم نحو 100 ألف مواطن، وأغلبيتهم من أصول مهاجرة، وينحدر منها بعض المطلوبين، التعايش لوقت طويل مع تداعيات الهجومين. مع العلم أن المداهمة الكبرى لمولينبيك في 18 مارس/ آذار 2016، أي قبل أيام من الاعتداءين، إلى جانب أجواء الاستنفار الأمني التي كانت تعيشها بروكسل، والتي تخللتها مطاردات ونشر قوات شبه عسكرية في الأماكن الحساسة، وخصوصاً في أشهر ساحاتها وشوارعها قرب الكاتدرائية التي عادة ما تشهد تقاطر السائحين من الداخل والخارج، لم تؤد إلى تجنيب المدينة الحدث الدامي. وصحيح أن السلطات اعتقلت نحو 40 مشتبهاً، بمن فيهم من سيعرف لاحقاً على أنه منسق الهجمات، صلاح عبد السلام، الذي هرب من باريس إلى بروكسل، إلا أن بقية "الخلية"، وبعد 4 أيام من الحملة، استعجلت التنفيذ صباح 22 مارس/ آذار، ما فجّر سجالاً أوروبياً لم تنته ارتداداته، حتى بعد 5 سنوات من اندلاعه.
أجواء بروكسل
الأمن البلجيكي، وبعيد الكشف عن أسماء وهوية منفذي هجمات باريس، كان كمن يفتش عن إبرة في كومة قش. ففي موسم عيد الميلاد في 2015 كان حي مولينبيك يعيش أجواء مشحونة، وخصوصاً مع توصل الأمن إلى معلومات عن أن بعض المطلوبين يتحدرون منه، وربما يتخفون فيه. وسيتكرر خلال 90 يوماً من البحث الأمني المكثف اسم البلجيكي المغربي الأصل صلاح عبد السلام، الذي اتهم بأنه يقف وراء هجمات باريس، بدون أن تعرف السلطات البلجيكية أن عملية اعتقاله في حملة 18 مارس/ آذار في مولينبيك لن توقف الهجمات، التي وقعت بعد 4 أيام فقط من تسرّب خبر توقيفه. يشار إلى أن شقيق عبد السلام الأكبر إبراهيم (31 سنة) كان قد فجّر نفسه في مقهى "كومبتور فولتيير" الباريسي، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015.

وفي إطار السجالات السياسية والأمنية، فقد اعتبر الهجوم، وتبني "داعش" له، فشلاً أمنياً بامتياز. وخلقت الهجمات سجالاً أوروبياً مختلفاً عمن عرفوا باسم "المحاربين الأجانب" في صفوف التنظيم. فالكشف عن أن الخلايا التي نفذت الهجمات، في فرنسا وبلجيكا، هي ممن عادوا إلى أوروبا، وترته أجواء إعلان تركيا عن إبعاد أحد المنفذين، إبراهيم بكراوي، إلى هولندا، وإبلاغ بلجيكا بذلك. فقد تبين أن بكراوي أوقف في أمستردام، وأطلق في صيف 2015 بسبب "عدم كفاية الأدلة عن تطرفه". وأدى فشل الأمن البلجيكي في القبض على المطلوبين قبل تنفيذ الهجومين إلى توتر فرنسي-بلجيكي على خلفية اتهام باريس لبروكسل بالتقصير الأمني.
ورغم الاستنفار الأوروبي، منذ إعلان الحرب على "داعش" في خريف 2014، وتزايد التحذيرات من الخلايا و"الذئاب المنفردة"، وتصاعد التنسيق بعد هجوم كوبنهاغن الذي نفذه شاب دنماركي من أصل عربي، هو عمر عبد الحميد الحسين، في فبراير/ شباط 2015، وتخصيص موازنات أمنية ضخمة، بدا أن كل الاحتياطات الأمنية فشلت في منع ضرب عاصمة الاتحاد الأوروبي، رغم تحصينها قبل 90 يوماً على الهجومين.

خلقت الهجمات سجالاً أوروبياً عمن عرفوا باسم "المحاربين الأجانب" في صفوف داعش

وكشفت تحقيقات الأشهر التالية لهجمات بروكسل وباريس، والتي استمرت خلال السنوات الأربع التالية، عن تفاصيل كثيرة تتعلق بالطريقة التي تم التخطيط لها لتنفيذ الهجمات. ويبدو أن الصلات الأسرية القريبة بين المنفذين أدت دوراً حاسماً في تنسيق الهجمات. وعلى الرغم من الاعتقاد الذي ساد عن أن صلاح عبد السلام، الذي اعتقل قبيل هجومي بروكسل بأيام في أحد منازل مولينبيك، هو العقل المدبّر للهجومين في باريس وبروكسل، إلا أن "الجهادي" القديم، أسامة عطار، البلجيكي من أصول مغربية، كان فعلياً من تواصل مع الخلية وأصدر أوامر التنفيذ.
ووفقاً للملاحقات القضائية الفرنسية، في مارس/ آذار 2020، فقد تبيّن أن العقل المدبر للهجومين هو أسامة عطار، الذي يعتقد أنه قتل في معارك "داعش" في السنوات الأخيرة. وعطار اسم معروف لدى المخابرات البلجيكية، فهو ومنذ ما قبل الغزو الأميركي للعراق كان يتردد منذ عام 2000، وبحسب معلومات لـ"العربي الجديد"، عبر "المنفذ السوري" (حيث سمحت الاستخبارات السورية في ربيع 2003 بتوجه مقاتلين إلى العراق). وبقي عطار مع مجموعات أخرى يتردد إلى العراق عبر المحطة السورية، إلى أن قُبض عليه في 2005 على الحدود، وقضى بعض الوقت في سجن أبو غريب. وفي 2012 تم ترحيل أسامة عطار من سجن أميركي في بغداد إلى بلده بلجيكا، ولم يمضِ وقت طويل حتى عاد الرجل لينضم إلى صفوف "داعش". والمثير في تتبع خيوط الخلية التي قدرت بنحو 20 شخصاً، 13 منهم شاركوا بشكل مباشر في الهجومين، أن الصلات الأسرية أدت دوراً لناحية التجنيد وتنسيق الهجمات. فعطار مرتبط أسرياً بالأخوين خالد وإبراهيم بكراوي، اللذين فجّرا نفسيهما في 22 مارس/ آذار 2016، بفارق ساعة، في مطار زافنتيم والمترو في بروكسل. وفي الحملة الأمنية التي تمت يوم 18 من نفس الشهر في مولينبيك جرى اعتقال شقيق أسامة الأصغر، ياسين عطار.
والصداقة التي جمعت بعض منفذي الهجمات، وخصوصاً هؤلاء الذين كبروا في حي مولينبيك، تعززت أثناء وجودهم في سورية. وربطت التحقيقات الأمنية، من خلال أحد الحواسيب التي ألقيت في القمامة بعيد هجومي بروكسل، ومسحات الحمض النووي من إحدى الشقق المستخدمة، بين السويدي-السوري أسامة كريم والتخطيط وتنفيذ الهجمات. وكريم هو من مواليد ضاحية روسنغورد بمدينة مالمو في جنوب السويد، حيث توجد جاليات مهاجرة، ودرس في جامعتها قبل أن يلتحق في 2014 بتنظيم "داعش"، وعاد إلى أوروبا مع اللاجئين في سبتمبر/ أيلول 2015، باستخدام جواز سفر سوري مزور باسم نعيم الحامد، وهو ما فعله أيضاً أحد منفذي الهجمات، أحمد المحمد، باستخدام جواز سفر سوري مزور. وتردد كريم في تفجير حزامه الناسف في بروكسل، وجرى اعتقاله في إبريل/ نيسان، بعد نحو شهر من الهجوم. وبدأت محاكمة كريم العام الماضي، بعد 4 سنوات في السجن الاحتياطي، ويُتوقع أن يصدر الحكم بحقه عن جرائم إرهابية في خريف العام الحالي. وبالنسبة للذين لم يفجروا أنفسهم، فإنه إلى جانب كريم هناك محمد عبريني وصلاح عبد السلام وعدد آخر ممن جرى ربطهم بخلية التنفيذ، المُشكلة بالأساس من نحو 13 شخصاً، والذين تشك السلطات في صلتهم ومسؤوليتهم اللوجستية والتنفيذية للهجمات.

خلفيات جنائية
على الرغم من التوجّه نحو التطرف، فإن خلفية منفذي هجومي بروكسل، الأخوين بكراوي، إبراهيم (29 سنة) وخالد (27 سنة)، ونجم العشرواي (24 سنة) ومحمد عبريني (32 سنة)، المولودين من أصول مغربية مهاجرة في بلجيكا، كانوا معروفين للشرطة في بروكسل. فالأخوين بكراوي عُرفا بخلفيات جنائية وممارسة العنف، قبل أن يجرى تجنيدهما في الخلية الإرهابية. وكان قد حكم على خالد في 2011 بالسجن خمس سنوات عن سلسلة من المخالفات، بينها تخصصه في سرقة السيارات، وحيازته بندقية كلاشينكوف. وبعد الإفراج المشروط عنه اختفى عن رادار الأمن، وأصدر الإنتربول مذكرة لاعتقاله. وكان شقيقه الأكبر إبراهيم قد اعتقل في 2010 بعد محاولة سطو على مكتب صرافة، إذ أطلق النار على الشرطة. وقد حصل في 2014 على إفراج مشروط، لكنه خالفه واختفى، إلى أن أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعيد هجوم بروكسل، أن بلاده رحّلته إلى هولندا صيف 2015 بعد الاشتباه في أنه متشدد إسلامي، ونبهت السلطات البلجيكية بذلك. وأطلقت أمستردام سراح إبراهيم بعد فشلها في إثبات تهمة التشدد الإسلامي عليه.

كانت انعكاسات هجمات بروكسل سريعة لجهة بروز تيار من جماعات النازية الجديدة
 

ارتدادات إضافية
منذ اليوم الأول للاعتداء رفض أهالي منطقة مولينبيك ربط اسم حيهم بالإرهاب والتطرف. وسعى مسؤولون عن مسجدها إلى توضيح ذلك للصحافة الأجنبية، التي تقاطرت يومها لمعرفة شيء عن خلفية الهاربين من باريس. لكن الأجواء بقيت متوترة مع استشعار كثيرين بثقل الاتهام الذي سيق في الإعلام الأوروبي عن مولينبيك والمسجد. وسط ذلك كان سكان الحي وأحد أئمة المسجد، الذين توقفوا عن التحدث إلى الصحافة الأوروبية، يصرحون لـ"العربي الجديد" عن خشيتهم حول ما يشاع عن أن منفذي الهجمات "تطرفوا في مسجد مولينبيك". ورفض الشبان، الذين كانوا يحتسون القهوة والشاي في مقاهٍ منتشرة في الحي، "التعميم، ووصم مولينبيك على أنها بؤرة للتطرف". واليوم، يؤكد الناشط الاجتماعي بين النشء من أصول مغاربية في مولينبيك، منير مسعود، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن تأثير الأعمال الإرهابية لم يتراجع بعد مرور كل تلك السنوات. ويوضح أنه "ورغم إيلاء السلطات اهتماماً للحوار، والسعي إلى انتهاج سياسة دمج أفضل، ما يزال الناس قلقين على جيل مراهق يمكن أن يجرى استغلاله". وغير بعيد عن الحي، في منطقة روزا لوكسمبورغ، بالقرب من مقرات الاتحاد الأوروبي، يؤكد الناشط الاجتماعي عبد السلام عويطي أن "استغلال ما جرى سياسياً ضد المسلمين مستمر منذ 2016".
ومع هجمات بروكسل وباريس، والاعتداءات التالية بعد 2016، تشددت أوروبا أكثر فأكثر أمنياً وفي سياسة الهجرة واللجوء. وكانت انعكاسات هجمات بروكسل سريعة لجهة بروز تيار من جماعات النازية الجديدة، التي حشدت بعد أسبوع من الهجمات نحو 450 متظاهراً لقطع الطريق المؤدي إلى مولينبيك، فيما تدخلت الشرطة لفض الاحتجاجات العنيفة التي رفعت شعارات معادية للإسلام ومتوعدة مسلمي الحي. ورغم أن الساسة المحليين نددوا بتظاهرات النازيين الجدد، إلا أن الأجواء العدائية لم تتراجع بعد سنوات من العملية. وفي كل عام يستعيد اليمين المتطرف مناسبة تأبين الضحايا، لاتهام مسلمي البلد بالإرهاب.
وقد تجاوز التحريض حدود بلجيكا، إذ استغلّه ساسة اليمين الشعبوي بالتعميم بأن اللاجئين نحو أوروبا "إرهابيون"، كما صرح ويصرح ساسة هذا المعسكر في المجر والتشيك وبولندا والنمسا وإيطاليا والدنمارك، وذلك بهدف رفض السياسة الجديدة المتبعة اليوم لتقاسم اللاجئين منذ اتفاق 2016، وبمنع مبطن لحق اللجوء. كذلك زادت أوروبا تعاملها الأمني مع لاجئي القوارب، سواء في المتوسط أو بحر إيجه باتجاه الجزر اليونانية.