أثار تمرّد مجموعة مرتزقة فاغنر الذي أحبط في روسيا أسوأ أزمة يواجهها الرئيس فلاديمير بوتين منذ وصوله إلى السلطة. هناك عدة أسئلة تبقى عالقة.
أين هو بريغوجين؟
يعود آخر ظهور لرئيس مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين إلى مساء السبت حين غادر وسط تصفيق بعض سكان مدينة روستوف الروسية (جنوب غرب) حيث سيطر على مقر قيادة الجيش.
كما صدر اليوم الاثنين تسجيل صوتي لبريغوجين هو الأول منذ انتهاء التمرد المسلح، وأكد فيه أن تمرّده كان يهدف إلى إنقاذ مجموعته المسلّحة المرتزقة وليس لإطاحة النظام الروسي.
وقال بريغوجين في رسالة صوتية مدتها 11 دقيقة لم يكشف فيها عن مكان وجوده "ذهبنا للاحتجاج وليس لإطاحة السلطة في البلد". واعتبر أن تقدم مجموعته نحو موسكو قبل يومين كشف "مشاكل خطيرة في الأمن" في روسيا، مؤكدًا أن رجاله قطعوا مسافة 780 كيلومترًا دون أن يواجهوا أي مقاومة تُذكر.
وكان الكرملين قد قال إن رئيس فاغنر حصل على التزام من بوتين للتمكن من مغادرة الأراضي الروسية بحريّة إلى بيلاروسيا، الدولة الحليفة لموسكو، وبأنه لن يلاحق جنائيا.
لكن مصدرا في النيابة العامة الروسية قال الاثنين، كما نقلت عنه أبرز ثلاث وكالات روسية إن "القضية لم تغلق والتحقيق مستمر".
يرى المدون العسكري الروسي مايكل ناك، أن بريغوجين سيقيم قاعدة لفاغنر في بيلاروسيا وأن مجموعته ستواصل عملياتها في أفريقيا.
لكن "بريغوجين أصبح هدفا هشا: يمكن أن يسجن أو يقتل"، كما قال لوكالة "فرانس برس".
أي مستقبل لفاغنر؟
أطلق بريغوجين تمرده المسلح بعد أيام من إعلان بوتين أن مقاتلي فاغنر سيتعين عليهم الآن توقيع عقود مع الجيش. وشجب بريغوجين، السبت، هذا الأمر قائلا "يريدون تفكيك المجموعة".
وتعهد الكرملين بعدم محاكمة الرجال الذين تبعوا زعيمهم في تمرده، امتنانا لخدماتهم في أوكرانيا، مشيرًا إلى أن بعضهم يمكنهم "إذا رغبوا في ذلك" توقيع عقود مع الجيش.
وقال مايكل كوفمان الخبير العسكري الأميركي "يمكن تفكيك فاغنر بالكامل أو استيعابها" من قبل الجيش.
ورأت المحللة الروسية المستقلة تاتيانا ستانوفايا أن بوتين "لا يحتاج إلى فاغنر أو بريغوجين. يمكنه تدبر أموره مع قواته الخاصة. هو الآن مقتنع بذلك بالتأكيد".
أي تداعيات على الجنرالات؟
كان الهدف المعلن لتمرد بريغوجين استبدال وزير الدفاع سيرغي شويغو ورئيس هيئة الأركان فاليري غيراسيموف. وفي هذه المرحلة، لم يعلن فلاديمير بوتين عن أي تغيير في التسلسل الهرمي العسكري.
في دليل على أن شويغو، عدو قائد فاغنر، يعتزم الاحتفاظ بمنصبه، أظهره التلفزيون الروسي العام صباح الاثنين وهو يتفقد القوات الروسية في أوكرانيا. لم يظهر غيراسيموف علنا منذ بدء التمرد.
واعتبر الخبير السياسي المؤيد للكرملين سيرغي ماركوف على "تليغرام" أن "بوتين لن يفعل أي شيء تحت ضغط (بريغوجين)".
يقول روب لي من معهد أبحاث السياسة الخارجية الأميركي، إن الأحداث الأخيرة "أعطت انطباعا بأن شويغو وغيراسيموف ضعيفين، لكنها أظهرت أيضا مدى أهمية وجود شخصيات موالية لبوتين مسؤولة عن الأجهزة العسكرية والأمن".
هل تصرف بريغوجين بمفرده؟
ما حصل كان صادمًا: فقد تمكن مقاتلو فاغنر خلال 24 ساعة من السيطرة على جزء من روستوف (جنوب غرب) وهي مدينة يزيد عدد سكانها عن مليون نسمة والاقتراب إلى مسافة 400 كيلومتر من موسكو أو حتى 200 كيلومتر بحسب بريغوجين.
بريغوجين الذي أكد أنه سيطر على مقر قيادة الجيش في روستوف "بدون إطلاق رصاصة واحدة"، هل تلقى مساعدة من الداخل كما يظن البعض؟ أم أنه تصرف بيأس ورأى أن الخناق يضيق حول مجموعته واعتبر أن التوصل إلى اتفاق مع الكرملين هو السبيل الوحيد للحصول على ضمانات أمنية؟
أثارت كلمات النائب الأول لرئيس الاستخبارات العسكرية البلبلة حين طلب فلاديمير اليكسييف في مقطع فيديو نشر السبت من مقاتلي فاغنر وقف تمردهم بينما بدا وكأنه يسخر من شويغو وغيراسيموف اللذين كان بريغوجين يريد إطاحتهما. وقال "خذهما بعيدا" وأرفق كلماته بإشارة من يده.
أي تأثير على الهجوم في أوكرانيا؟
أكدت موسكو أن تمرد فاغنر لن يؤثر "بأي شكل من الأشكال" على التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا.
لكن هذه الاضطرابات الخلفية، يمكن على الأقل أن تترك أثرا على معنويات الجنود الروس في وقت يواجهون فيه موجات من الهجمات الأوكرانية منذ أسابيع، كما يقول محللون.
تمثل مجموعة فاغنر أيضا إحدى القوى الأكثر خبرة في الحرب في صفوف الروس، وكانت خصوصا في الخط الأمامي خلال معركة باخموت الشهيرة في شرق أوكرانيا.
لكن على الأرض "ومنذ السيطرة على باخموت في مايو/ أيار، كان الجيش أقل اعتمادا على فاغنر"، كما يقول المحلل العسكري مايكل كوفمان. وأضاف أن "فاغنر لم يتم استخدامها للدفاع في الجنوب" إحدى أبرز المناطق التي تحاول قوات كييف حاليا اختراق الدفاعات الروسية فيها.
(فرانس برس)