بإعلان الديوان الملكي في البحرين، اليوم الأربعاء، وفاة رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، في مستشفى مايو كلينك بالولايات المتحدة الأميركية، تكون قد طويت مسيرة أحد أبرز شخصيات الأسرة الحاكمة في البحرين، والذي عايش تحولاتها على مدى عقود، لا سيما بعدما تولى على مدى 49 عاماً رئاسة الحكومة، لتكون مدة استمراره في منصبه الأطول في العالم.
من هو خليفة بن سلمان؟
الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة هو نجل حاكم البحرين السابق سلمان بن حمد آل خليفة، وشقيق الحاكم السابق عيسى بن سلمان آل خليفة، وعم الملك الحالي حمد بن عيسى آل خليفة، ويعتبر رئيس مجلس الوزراء الأوحد في تاريخ البحرين منذ استقلالها عام 1971.
ويوصف بأنه الرجل الذي حافظ على ثبات وصمود السلطات البحرينية لسنوات طويلة، رغم أنه تعرض للهجوم من قبلها في سنواته الأخيرة.
سيرته
ولد الشيخ خليفة بن سلمان في 24 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1935 في قرية الجسرة الساحلية في البحرين لوالده حاكم البحرين آنذاك الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة.
في بداية حياته عمل مساعداً في ديوان والده الحاكم تحت سلطة الانتداب البريطاني على البحرين آنذاك.
تولى الشيخ خليفة بن سلمان مقاليد العديد من اللجان التي كانت بمثابة الوزارات في البحرين في خمسينيات القرن الماضي، منها المالية والكهرباء ومجلس النقد والبلدية، حتى وصول أخيه الشيخ عيسى بن سلمان للحكم عام 1961.
وفي عام 1964 انتهت طموحات الشيخ خليفة بن سلمان في وراثة أخيه على كرسي الحكم عقب تعيين ابن أخيه الشيخ حمد بن عيسى ولياً للعهد رغم صغر سنه، ليركز الشيخ خليفة بن سلمان على تولي الأمور الإدارية في الدولة وتوسيع سلطاته فيها.
عام 1970 عيّن الشيخ خليفة بن سلمان رئيساً لمجلس الدولة، وعقب استقلال البحرين في عام 1971 عيّن رئيساً لمجلس الوزراء، وهو المنصب الذي بقي فيه حتى وفاته.
مساهماته
أسس الشيخ خليفة بن سلمان المجلس الأعلى للدفاع عام 1973، وهو مجلس يختص بحماية الأسرة الحاكمة في البحرين من الأخطار الداخلية والخارجية، ويضم في عضويته 13 مسؤولاً، جميعهم من الأسرة الحاكمة، وتولى الشيخ خليفة إدارته حتى عام 1999 حينما عهد بهذا المنصب إلى ملك البلاد الحالي حمد بن عيسى.
وساهم رئيس مجلس الوزراء الراحل في تعليق دستور البحرين عام 1975 بعد تأكيده للأمير عيسى بن حمد، حاكم البلاد آنذاك، تعذر عمل الحكومة مع المجلس الوطني البحريني المنتخب، لتدخل البلاد في حالة الطوارئ منذ عام 1975 وحتى عام 2002.
وكان الشيخ خليفة بن سلمان هو المسؤول عن الحملات الأمنية التي رافقت الاحتجاجات البحرينية العنيفة في تسعينيات القرن الماضي من قبل الغالبية الشيعية، والتي كانت تطالب بالتمثيل السياسي لها وبتحسين أوضاعها الاقتصادية.
صاحب سمو ملكي
ولم يتغير موضع الشيخ خليفة بن سلمان في الدولة رغم وفاة أخيه حاكم البلاد عام 1999 وتولي ابن أخيه حمد بن عيسى مقاليد الأمور، إذ بقي في منصبه بعد الاستفتاء حول الإصلاح السياسي عام 2001 والذي حول البحرين إلى ملكية دستورية.
وتسببت فترة الشيخ خليفة بن سلمان الطويلة في كرسيه بزيادة التوترات بينه وبين عدد من مسؤولي الدولة من الأسرة الحاكمة، ومن أبرزهم ولي العهد الحالي سلمان بن حمد، الذي رفع عريضة لوالده في عام 2008 قال فيها إن رئيس مجلس الوزراء يرفض التعاون معه في ما يخص الإصلاحات الاقتصادية، قبل أن يتدخل الملك بنفسه ليحل هذه الأزمة.
ومنح ملك البحرين عمه رئيس الوزراء لقب صاحب سمو ملكي في عام 2009، وهو لقب يدل على رسوخ سلطة رئيس مجلس الوزراء في الدولة رغم التغيرات الكبيرة التي حدثت فيها. وجاء التحدي الأكبر لرئيس مجلس الوزراء في عام 2011 حينما اندلعت احتجاجات فبراير/شباط المتأثرة بالربيع العربي، والتي كان بقاء الشيخ خليفة بن سلمان لفترة طويلة في منصبه أحد أسبابها.
واقترح رئيس الوزراء الحل الأمني في التعامل مع الاحتجاجات، فيما اقترح ولي العهد التحاور مع المحتجين، لكن تصاعد الاحتجاجات أدى في النهاية إلى تفعيل خيار الحل الأمني ودخول قوات "درع الجزيرة" بقيادة السعودية للبلاد منهية الاحتجاجات في دوار اللؤلؤة، وسط العاصمة المنامة.
خطوات مضادة
وتضاءل حضور الشيخ خليفة بن سلمان في السنوات الأخيرة بفعل المرض وإبعاد أبناء الملك الحالي له وعدم استشارته في اتخاذ القرارات، لكن رئيس الوزراء تمسك بمنصبه وبصلاحياته بشراسة ورفض التخلي عنها.
وكان صاحب الخطوات المضادة لتوجه الدولة الرسمي، إذ أقدم على الاتصال بأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد في شهر مايو /أيار عام 2019 ليهنئه بعيد الفطر رغم موقف الدولة البحرينية الرسمي القائم على مقاطعة قطر ومحاصرتها، وهو ما استدعى من الجهات المسؤولة التدخل والتأكيد على أنه لا يمثل إلا نفسه.
كما زار رئيس الوزراء في الشهر نفسه المرجع الديني الشيعي البحريني عبد الله الغريفي، الذي تتهمه السلطات البحرينية بـ"الإرهاب". وأكد في زيارته حينها على وحدة شعب البحرين بكافة طوائفه.
وساهم رئيس الوزراء الراحل في وضع السياسات العامة لدولة البحرين، وتحويلها من دولة تعتمد على إيرادات صيد الأسماك وصيد اللؤلؤ إلى مركز تجاري إقليمي في المنطقة رغم ضآلة الإنتاج النفطي والانقسامات السياسية والمذهبية الكبيرة في البلاد.
كما ساهم في رفع الناتج القومي للبلاد والحفاظ على الوضع الأمني، المتوتر فيها لسنوات طويلة نتيجة المحاولات الإيرانية للتدخل، خصوصاً بعد الثورة الإسلامية في إيران عام 1979.