خلفيات استسلام مزيد من "المسلحين المتشددين" في الجزائر

22 ديسمبر 2022
ثلاثة مسلحين يسلمون أنفسهم للجيش الجزائري خلال شهر (وزارة الدفاع الجزائرية)
+ الخط -

أعلن الجيش الجزائري أن مسلحاً، اسمه (مهري م. ع.)، سلم نفسه، الأربعاء، لقوات الجيش في منطقة العمليات ببرج باجي مختار، جنوبي الجزائر، على الحدود مع شمال مالي، وكان قد التحق بما تسميها السلطات هناك بـ"الجماعات الإرهابية" الناشطة في منطقة الساحل في عام 2016، وقد سلّم مسدسا ورشاشا من نوع كلاشنيكوف ومخازن ذخيرة وجهاز إرسال كانت بحوزته.

 ويعد هذا ثالث مسلح يسلم نفسه للسلطات في غضون أقل من شهر، إذ كان مسلح آخر قد سلم نفسه، الثلاثاء قبل الماضي، في منطقة أدرار، جنوبي الجزائر، اسمه (لادمي م.)، وكان ينشط ضمن الجماعات المسلحة بمنطقة الساحل، وبحوزته قطعة كلاشنيكوف ومخازن ذخيرة، كما سلم مسلح آخر نفسه للجيش يدعى (تيرمزي أ.)، وكان قد التحق بالجماعات عام 2012.

ولا تعرف ظروف عودة هؤلاء المسلحين وإعلانهم وقف النشاط في صفوف الجماعات المسلحة في منطقة جنوبي الجزائر والساحل، وما إذا كانت الظروف الصعبة التي تعيشها الجماعات المسلحة نتيجة قطع التموين عنها ومحاصرتها من قبل الجيش الجزائري والتضييق عليها والحد من تحركاتها، خاصة بعد سلسلة من التدابير المشددة التي اتخذتها السلطات، هي التي تقف وراء هذه الاستسلامات المتتالية، أم أنها تأتي استجابة طوعية لنداءات كانت قد وجهتها قيادات في تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" قبل فترة.

وكان المفتي العام لـ"تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" لسلوس مدني، وأمير المنطقة الشرقية للتنظيم سفيان النيغاسي، قد وجها في إبريل/ نيسان الماضي بعد توقيفهما من قبل الجيش، نداء إلى أمير التنظيم يوسف العنابي، المتمركز في شمالي مالي، بشكل خاص، وإلى المسلحين والقيادات المسؤولة عن الجماعات المسلحة في الشرق والغرب بصورة عامة، لأجل وقف النشاط المسلح وحقن الدماء وعدم الاستمرار في المواجهة مع الجيش، خاصة مع وجود إشارات سياسية من قبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لإصدار قانون جديد لتعزيز تدابير قانون المصالحة الوطنية الصادر عام 2005، ويتضمن تسوية قانونية في إطار تدابير خاصة لوضعية المسلحين الذين سلموا أنفسهم في الفترة التالية، تشمل المسلحين الذين يقبلون بتسليم أنفسهم في الوقت الحالي.

ويتابع الكاتب المتخصص في شؤون منطقة الساحل حساين آغ عيسى تحركات المجموعات المسلحة في المنطقة وعلى الحدود مع الجزائر، ويعتبر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الاستسلامات الأخيرة للمسلحين العائدين من منطقة الساحل تجد تفسيرها في الضغط والخناق الكبير الذي تعاني منه الجماعات المسلحة في الساحل، خاصة بعد انسحاب القوات الفرنسية، من قبل الجيش المالي بالتنسيق مع الجيش الجزائري من جهة، والاقتتال الدائر بين مجموعات (داعش) و(جبهة أنصار الإسلام)، تزامناً مع فتح قنوات اتصال مع المسلحين دفعهم إلى اختيار الاستسلام"، مشيراً إلى أن "برنامج استقطاب المسلحين ضمن تدابير المصالحة الذي تطبقها السلطات الجزائرية هو برنامج ناجح حتى الآن ومشجع بالنسبة للمسلحين لوضع السلاح".

شهادة من داخل الجماعات   

وأقرّ مسلح سلم نفسه للسلطات الجزائرية قبل فترة قصيرة، يدعى (عرقوب ج.)، في اعترافات بثها التلفزيون الرسمي، مساء الأربعاء، بأن "نداء التوبة" الذي وجهه مفتي "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" لسلوس مدني قبل فترة للمسلحين ساهم في إقناع مسلحين بتسليم أنفسهم، وكشف عن وجود نقاشات بين المسلحين في الجبال بشأن ذلك، وقال: "وصلنا نداء مفتي التنظيم لسلوس مدني وجرى نقاش كبير بيننا حوله ونحن في الجبال"، وأضاف أن هذا النداء هو الذي دفعه إلى النزول من الجبال وتسليم نفسه الى السلطات، فـ"نداء لسلوس مدني هو الذي أثر فيّ، لذلك قررت الاستجابة له، بعدما اقتنعت أنه لا يوجد أي أفق لما نحن عليه، وكل العناصر في الجبال يدركون ذلك تماماً".

وقدم ما وصفته السلطات بـ"العنصر التائب" صورة واضحة عن الوضعية الصعبة لعناصر المجموعات المسلحة، بسبب خطط الجيش وتمركزاته وتشديد المراقبة، وقال إنهم يعيشون حياة قاسية ويفتقدون إلى المؤونة والتموين، وكشف عن أن قائد التنظيم يوسف العنابي يعيش حصاراً مطبقاً، وقال إن "عناصر الجماعات في الشمال وجهت نداءات استغاثة إلى أمير القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي يوسف العنابي المتمركز في شمال مالي، لطلب مساعدته لتوفير ممر لهم للخروج من حصار الجيش والانتقال إلى جنوبي الجزائر أو منطقة الساحل ومالي، لكن العنابي رد عليهم بأنه هو نفسه عاجز عن التحرك بفعل التضييق وتتبع الجيش وتمركزاته".

ووجه (عرقوب ج.)، الذي كان قد التحق بالجماعات المسلحة عام 1996 ونشط في كتائب القاعدة بوسط وغربي الجزائر، نداء إلى رفاقه المتبقين في الجبال للنزول ووقف النشاط الإرهابي، وتسليم أسلحتهم، وذكر عدداً منهم  بالاسم.

ويُعتقد أن الوضع الصعب والحصار الذي تعيشه المجموعات المسلحة في منطقة الجنوب وشمال مالي دفعتها إلى محاولة التسلل إلى الجزائر بحثاً عن طرق تموين جديدة وتنشيط شبكات الإسناد والتهريب التي تتحالف معها، وهو ما وفّر فرصة جيدة للجيش لرصدها، حيث كانت وزارة الدفاع الجزائرية قد أعلنت قبل أيام أن الجيش قصف قافلة لمسلحين كانت تضم أربع سيارات في منطقة إن قزام، قرب منطقة شمال مالي، ما أدى إلى مقتل مسلحين اثنين، أحدهما جثة متفحمة، وجرح وتوقيف شخصين اثنين، كما نجحت أجهزة الأمن الجزائرية في الثاني من الشهر الجاري في اعتقال ستة مسلحين كانوا ينشطون ضمن التنظيمات المتشددة في شمال مالي، تم توقيفهم في منطقة بتمياوين قرب الحدود الجزائرية المالية، بينهم اثنان من جنسية مالية، وأوقفت أربعة مسلحين في بداية شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في منطقة برج باجي مختار الحدودية مع مالي.

المساهمون