تصاعدت الخلافات داخل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية على خلفية انتخابات مقررة اليوم الثلاثاء، لاختيار رئيس جديد للائتلاف ونائبيه، في ظل حديث عن تدخّل تركي لفرض شخصيات معيّنة في هذه المناصب، وهو ما يُبرز مجدداً حالة الضعف وعدم الفاعلية السياسية لهذا الائتلاف الذي يُنظر إليه على أنه العنوان الأهم للمعارضة السورية.
انتخابات رئاسة الائتلاف الوطني
ومن المقرر أن تنتخب الهيئة العامة في الائتلاف، ومقره مدينة إسطنبول التركية، اليوم الثلاثاء، رئيساً جديداً ونائبين له وأميناً عاماً، وهيئة سياسية، وسط حملة انتقادات للآليات المتّبعة في الائتلاف لاختيار قيادته. ومن بين المنتقدين شخصيات شغلت في السابق مناصب قيادية في الائتلاف، وفي مقدمتهم الرئيس السابق للائتلاف نصر الحريري، الذي انتقد في منشور له ما قال إنه تدخّل تركي في سير عمل الائتلاف لفرض هادي البحرة، الرئيس المشترك للجنة الدستورية التي تضم ممثلين عن المعارضة والنظام، رئيساً جديداً للائتلاف، ما يعني أن الانتخابات التي ستجرى "صورية"، وفق قوله.
وكانت معلومات جرى تداولها، وأكدها مصدر متابع، قد ذكرت أن الخارجية التركية استدعت الأسبوع الماضي أعضاء فاعلين في الائتلاف الوطني إلى أنقرة وطلبت منهم اختيار هادي البحرة رئيساً لهذا الائتلاف، وهو ما دفع الحريري إلى انتقاد "تعامل أشقائنا وأصدقائنا وحلفائنا (الأتراك) مع مؤسسات المعارضة السورية".
الحريري: نحن لا نطالب إلا بحقنا في أن تكون لدينا انتخابات ديمقراطية بلجنة انتخابية وخطوات وبرامج انتخابية ومرشحين وتنافس
وبرأي الحريري فإن ذلك "لا يليق بنا كممثلين عن أعظم ثورة شهدها على الأقل العصر الحديث". وتابع: "نحن لا نطالب إلا بحقنا في أن تكون لدينا انتخابات ديمقراطية بلجنة انتخابية وخطوات وبرامج انتخابية ومرشحين وتنافس وحضور لنقابات ومنظمات مدنية ووسائل إعلام وحتى دول، شأننا في ذلك شأن كل الدول والمنظمات الديمقراطية".
وألقى الحريري اللوم على "مؤسسات الثورة التي فتحت هذا الحيز الكبير للتدخل في شؤوننا الذاتية الداخلية"، محمّلاً ما سماها "المجموعة المهيمنة على الائتلاف"، والتي "استأثرت بقنوات التواصل مع الخارج"، المسؤولية الكاملة عما آلت إليه الأوضاع في هذه المؤسسة التي يُنظر إليها على أنها العنوان السياسي الأبرز للمعارضة السورية. واتهم هذه المجموعة بـ"محاولة تمرير غير شرعي كما جرى في انقلابات سابقة على النظام الأساسي وعضوية الائتلاف، على النظام الأساسي وعضوية الائتلاف"، مشيراً إلى أن الائتلاف "يعيش أصلاً حالة ضعف وعدم فاعلية". ولفت إلى أن البحرة "مكلف بمهام متشعبة بين السياسي والتفاوضي والإداري"، معرباً عن اعتقاده بأن فرصة البحرة في النجاح في أي انتخابات "بدون تدخل وضغط خارجي هي أقرب للعدم".
وهذه هي المرة الأولى التي ترفع فيها شخصية سورية معارضة سبق لها اعتلاء مناصب في مؤسسات المعارضة المرتبطة بالجانب التركي، سقف الانتقاد لطريقة تعامل أنقرة مع الملف السوري. وتُعتبر تركيا الحليف الرئيسي للمعارضة السورية سواء السياسية أو العسكرية، وتلعب دور الضامن لها في المحافل والمسارات السياسية.
أجواء مضطربة وسلبية
ووصف مصدر مطلع في الائتلاف الوطني، في حديث مع "العربي الجديد"، الأجواء السياسية قبيل عقد اجتماع الهيئة العامة بـ"السلبية والمضطربة"، مضيفاً: "هناك خلافات واصطفافات داخل الكتل المكونة للائتلاف". ودحض المصدر ما سماها بـ"ادعاءات التدخّل التركي"، قائلاً إن "باب الترشح مفتوح لكل من يحق له من أعضاء الائتلاف لكل المناصب بما فيها منصب الرئيس"، مؤكداً أنه "ليست هناك إملاءات من قبل أنقرة لفرض هادي البحرة أو غيره".
مصدر: باب الترشح مفتوح لكل من يحق له من أعضاء الائتلاف لكل المناصب بما فيها منصب الرئيس
وتابع أن "بعض الشخصيات التي كانت في السابق مقربة من تركيا وتلتزم بكل ما يصدر منها، يبدو أن هناك جهات طلبت منها تغيير مسارها، ومن بينهم نصر الحريري". وأعرب عن اعتقاده بأن "هؤلاء يستخدمون الإعلام بطريقة استفزازية"، مشيراً إلى أن الأمين العام الحالي هيثم رحمة "يحاول عرقلة عقد اجتماع الثلاثاء بحجج واهية منها عدم الاستعداد".
وتعليقاً على الخلافات التي تضرب مكونات الائتلاف، رأى الباحث السياسي أحمد القربي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "نظرة أغلب السوريين في الشارع المعارض سلبية جداً للائتلاف الوطني"، مضيفاً: "هو نموذج سيئ للتمثيل والشرعية". ولفت القربي إلى أن "الائتلاف تأسس بمبادرة دولية في الدوحة، وكان من المفترض به اعتماد آليات لحوكمته، وتصحيح الأخطاء، وتعزيز شرعيته من خلال ضخ دماء جديدة بالتواصل مع الحاضنة للحصول على الشرعية الحقيقية في الداخل السوري".
وأشار إلى أن "أي مؤسسة لا تملك آليات للمساءلة والشفافية محكوم عليها بالفشل"، مضيفاً: "الائتلاف لم يُوجد على مدى أكثر من عشر سنوات أي وسيلة أو قواعد للشرعية والمساءلة لذا من الطبيعي تراكم الأخطاء". واعتبر أن "الائتلاف لم يعد يمتلك شيئاً في المشهد السوري وفي الشارع المعارض، بسبب هذه الأخطاء التي تراكمت منذ التأسيس لليوم".
وكان الائتلاف قد أُسس في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2012 في العاصمة القطرية الدوحة في ذروة الحراك الثوري في سورية، ليكون الممثل الشرعي والوحيد للثورة السورية، ونال اعترافاً وترحيباً إقليمياً ودولياً، ولكنه مع مرور السنوات فَقَد الكثير من بريقه السياسي.
ويضم الائتلاف العديد من الكتل السياسية، أبرزها: حركة الإخوان المسلمين، والمجلس الوطني الكردي، والمجلس الوطني التركماني، والمجالس المحلية ومجلس القبائل والعشائر، والحراك الثوري، والتيار الوطني، وحركة العمل الوطني، وتيار المستقبل، إضافة إلى رابطة الأكراد المستقلين، والتجمع الوطني، ورابطة العلماء، والكتلة الوطنية، والمنظمة الآثورية، وكتلة للمستقلين وأخرى للعسكريين.