خلافات المعارضة السورية تمرّد على تقارب أنقرة ودمشق

06 سبتمبر 2024
من تدريب لقوات المعارضة السورية في عفرين، مايو 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **انتقادات الجبهة الشامية لرئيس الحكومة المؤقتة**: أعلنت "الجبهة الشامية" تجميد التعاون مع الحكومة المؤقتة برئاسة عبد الرحمن مصطفى، مطالبة بسحب الثقة منه وإحالته للقضاء، متهمة إياه بالإساءة للجهات الثورية.

- **رفض فتح المعابر بين مناطق المعارضة والنظام**: رفضت "الجبهة الشامية" فتح المعابر بين مناطق المعارضة والنظام، معتبرة ذلك جزءًا من التقارب التركي مع النظام السوري برعاية روسية، مما يعكس السخط الشعبي.

- **ضغوط تركية على المعارضة السورية**: تضغط تركيا على فصائل المعارضة لعدم عرقلة خطوات التقارب مع النظام، بما في ذلك فتح المعابر، مما يثير حفيظة فصائل مثل "الجبهة الشامية".

وجّه فصيل سوري معارض بارز في شمال سورية انتقاداً لاذعاً لرئيس الحكومة السورية المؤقتة عبد الرحمن مصطفى، في مؤشر واضح إلى أن الانفتاح التركي على النظام السوري بدأ يرخي بظلاله على مشهد المعارضة السورية التي تبدو، ولا سيما في شقّها العسكري، منقسمة حيال خطوات أنقرة الأخيرة، خصوصاً لجهة فتح المعابر بين الشمال ومناطق سيطرة النظام، لتهيئة الأجواء أمام إنجاح تقارب أنقرة مع دمشق.

هجوم "الجبهة الشامية"

وفي خطوة غير مسبوقة في المشهد السوري المعارض، أعلنت "الجبهة الشامية"، أبرز فصائل المعارضة السورية في شمال البلاد، الأربعاء الماضي، "تجميد التعاون" مع الحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني المعارض، مطالبة بسحب الثقة من هذه الحكومة، وإحالة رئيسها عبد الرحمن مصطفى إلى القضاء لـ"ينال جزاءه العادل"، وفق نصّ بيان صدر عن "الجبهة" المنضوية في الجيش الوطني السوري المعارض المرتبط بتركيا. واتهمت "الجبهة" مصطفى بـ"تعمّد الإساءة إلى بعض الجهات الثورية" بشكل يعزّز "رواية الأعداء المغرضة عنها باتهامها بالتخريب والإرهاب".

سراج الدين عمر: الجبهة لا تزال عند موقفها الرافض لفتح المعابر بين مناطق سيطرة المعارضة السورية والنظام

وجاء هذا الهجوم غير المسبوق من أبرز فصائل المعارضة السورية على مصطفى، الذي يُنظر إليه على أنه "رجل تركيا" في الشمال السوري، عقب اجتماع جرى في مطار غازي عنتاب، الثلاثاء الماضي، جمع ممثلين عن وزارة الخارجية وجهاز الاستخبارات التركية بكل من الائتلاف الوطني السوري والحكومة المؤقتة، وهيئة التفاوض، ومجلس القبائل والعشائر، وقادة من الجيش الوطني السوري المعارض، بهدف "إيجاد حلول للمشكلات الطارئة". وقالت "الجبهة" إن مصطفى "حاول تصوير الحراك الشعبي ونشاط النخب الثورية بأنه مؤامرة تخريبية على حكومته وانقلاب عليها، مُستعدياً بذلك المسؤولين الأتراك عليهم، وصبّ جام إساءاته على شعبنا الكريم في مدينة أعزاز مستنكراً حراكهم السلمي".

وفي حديث مع "العربي الجديد"، وصف سراج الدين عمر، وهو عضو المكتب الإعلامي في "الجبهة الشامية"، البيان بـ"رد اعتبار للجبهة بعد الإساءة من عبد الرحمن مصطفى ضمن اجتماع رسمي، فضلاً عن فشله في إدارة الحكومة السورية المؤقتة". وتابع: "نأمل أن يستجيب الائتلاف الوطني السوري لدعوة الجبهة بحجب الثقة عن الحكومة المؤقتة ورئيسها، لأن حالة السخط الشعبي الموجودة في الشمال تدعو إلى ذلك". وأكد أن هناك العديد من فصائل المعارضة تتبنى موقف "الجبهة الشامية"، مشيراً إلى "أننا ننتظر صدور بيانات منها"، مؤكداً أيضاً أن الجبهة لا تزال عند موقفها الرافض لفتح المعابر بين مناطق سيطرة المعارضة السورية والنظام.

وعلى الرغم من أن الجبهة وصفت الاجتماع بـ"الإيجابي"، إلا أن التراشق بينها وبين مصطفى يدلّل على أن هذا الفصيل لديه تحفظات كثيرة على التقارب التركي مع النظام والذي من شأنه تمهيد الطريق أمام تسويات قد تصب في النهاية لصالح النظام. وتشي لغة البيان بأن هناك رفضاً قد يتصاعد للسياسة التركية في الشمال السوري الخاضع لنفوذ أنقرة التي تدفع باتجاه فتح المعابر داخل سورية مع النظام لتهيئة الأجواء لتقارب مع النظام برعاية روسية.

ضغوط تركية على المعارضة السورية

وتشير المعطيات إلى أن أنقرة تضغط على فصائل المعارضة السورية من أجل عدم عرقلة خطواتها في التقارب مع النظام والتي تتطلب إجراءات عسكرية واقتصادية في الشمال السوري، أبرزها فتح المعابر التي يعوّل عليها النظام في تخفيف وطأة الحصار المفروض عليه. وفشلت محاولة أنقرة فتح معبر أبو الزندين بالقرب من مدينة الباب، شمال شرقي حلب، بسبب الرفض الشعبي والفصائلي، وهو ما دفعها إلى عقد اجتماعات عدة مع مؤسسات المعارضة في الآونة الأخيرة لتأكيد جديتها حيال هذا الأمر. ويبدو أن الحكومة المؤقتة ممثلة برئيسها عبد الرحمن مصطفى، تدفع باتجاه فتح المعبر استجابة للرغبة التركية، إذ قالت في بيان صدر عقب اجتماع الأربعاء، إن المعبر "حيوي واقتصادي وإنساني" وإنه "ليست له أي علاقة بأي من ملفات التطبيع مع النظام السوري، بل هو خطوة تهدف إلى تحسين الأوضاع المعيشية وتسهيل الحركة التجارية والإنسانية في المناطق المحررة"، وفق البيان، وهو ما يثير حفيظة فصائل عدة، وفي مقدمتها "الجبهة الشامية".

رشيد حوراني: بيان الجبهة يحمل دعوة لأنقرة لتأخذ بعين الاعتبار مصالح السوريين وأهدافهم في الثورة

وتعليقاً على بيان "الجبهة الشامية" وهجومها على رئيس الحكومة السورية المؤقتة، رأى الباحث والخبير العسكري في مركز جسور للدراسات رشيد حوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن البيان "يدل على استمرارية الجبهة الشامية في النهج الذي اتخذته في عملها، ومقارباتها التي تقدّم الشأن العام فيها"، مضيفاً: "ما يؤكد ذلك أن الجبهة سلّمت معبر (باب السلامة) الحدودي مع تركيا، ومعه كلّية عسكرية إلى الحكومة المؤقّتة التي تشكلت في العام 2017". واستدرك بالقول إن "الجبهة"، ورغم هذه الخطوة المتقدمة لتعزيز عمل الحكومة المؤقتة في ذلك الحين، "لم تتنازل بشكل كامل عن صلاحياتها وسلطتها في مناطق نفوذها في الشمال السوري".

ورأى حوراني أن "البيان الذي صدر الأربعاء عن الجبهة، يحمل بوضوح دعوة إلى الجانب التركي ليأخذ بعين الاعتبار مصالح السوريين وأهدافهم في الثورة على قدم المساواة مع مسعى تركيا لتحقيق مصالح لها في سورية"، معرباً عن اعتقاده بأن البيان "وجّه رسالة إيجابية بأن السوريين الثائرين على النظام هم إلى جانب الدولة التركية في تحقيق مصالحها من دون التنازل عن مطالب السوريين". وأشار حوراني إلى أن "الجبهة" تعاملت مع موضوع خلافها مع عبد الرحمن مصطفى باعتباره "شأناً سورياً ـ سورياً بدعوتها الائتلاف لحجب الثقة عن الحكومة، من دون توجيه أي اتهامات له، لكن البيان يعكس حالة التشتت الفصائلي في الشمال". وبرأيه، فإنه "كان على الجبهة مخاطبة وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة حول الاتهامات التي وُجّهت إليها من قبل رئيس الحكومة المؤقتة".

يشار إلى أن "الجبهة الشامية" تشكلت عام 2014 من اتحاد العديد من فصائل حلب وريفها، وتتخذ من مدينة أعزاز في ريف حلب الشمالي مستقراً لها. وأشارت دراسة بحثية أصدرها مركز حرمون للدراسات المعاصرة، العام الماضي، إلى أن عناصر فصيل "الجبهة الشامية" لا يقاتلون "بهدف الحصول على المال"، كما أن مقاتلي هذا الفصيل وعناصره محليون. ولـ"الجبهة الشامية" قاعدة شعبية في الشمال السوري باعتبارها الفصيل الأكثر استقلالية وتمسكاً بمبادئ الثورة السورية، وفي مقدمتها عدم التطبيع مع النظام، وفتح المعابر من أجل إنعاش اقتصاده. ويعكس تمايز موقف "الجبهة الشامية" مدى الانقسام الحاد في توجه فصائل المعارضة السورية حيال أغلب ملفات الشمال السوري، بما فيها العلاقة مع الجانب التركي الذي حاول تشكيل مرجعية عسكرية واحدة للفصائل، وهي "الجيش الوطني"، إلا أن التجربة فشلت بسبب تجذر حالة الفصائلية والتباين الواسع بين أهداف كل فصيل ورؤيته وارتباطه.