خلافات الصين وجيرانها تكبر في المحيط الهادئ

03 مايو 2021
أقرّت أردرن بتزايد صعوبة تسوية الخلافات بين نيوزيلندا والصين (Getty)
+ الخط -

يحتدم التوتر الصيني مع الغرب بشكل متسارع، سواء مع الولايات المتحدة أو مع جيران بكين في عمق المحيط الهادئ، تحت عناوين وشعارات عدة، بدءاً من حقوق الإنسان مروراً بملف استئجار موانئ، وصولاً إلى تجديد أميركا لرؤيتها تجاه الصين في النظام العالمي القائم. ويتخذ الخلاف بين الصينيين والنيوزيلنديين مساراً جديداً، مع إقرار رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أردرن، اليوم الاثنين، بوجود خلافات مع الصين حول حقوق الإنسان، في وقت تتعرض فيه حكومتها لانتقادات لعدم تبنّي موقف صارم بما فيه الكفاية حيال بكين في هذا الشأن. وأكّدت أردرن في خطاب ألقته في أوكلاند خلال قمة اقتصادية مع الصين بعنوان "قمة الأعمال التجارية"، أن بلادها أبلغت بكين عن "مخاوفها البالغة" حيال تداعي الحريات الديمقراطية في هونغ كونغ، والطريقة التي يتمّ التعامل بها مع أقلية الإيغور في شينجيانغ. لكنّ رئيسة الوزراء اليسارية الوسطية أشارت إلى أن نيوزيلندا مستقلة في السياسة الخارجية، وبالتالي هي حرّة في اختيار ما إذا كان يجب تناول هذه المسائل في العلن أو في إطار لقاءات خاصة مع قادة صينيين. وأقرّت أردرن بأن الصين ونيوزيلندا لن تكونا على توافق أبداً في بعض المسائل. وقالت: "لم يغفل عن أحد هنا أنه مع تزايد دور الصين في العالم وتطوّره، فإن تسوية الخلافات بين نظامينا تزداد صعوبة".

 

تُعيد أستراليا النظر في اتفاقية صينية لاستئجار ميناء داروين
 

وأكدت أن "هذا تحدّ نواجهه نحن ودول كثيرة أخرى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وأيضاً في أوروبا ومناطق أخرى". وتابعت "علينا الاعتراف بأن هناك مئات الأمور التي لا تتفق عليها الصين ونيوزيلندا، ولا يمكنهما التوافق عليها ولن تتفقا عليها"، مشدّدة على أن "ذلك يجب ألّا يضرّ بعلاقاتنا، إنها ببساطة حقيقة". وعن طبيعة العلاقات أعرب وزير التجارة ونمو الصادرات النيوزيلندي داميان أوكونور، عن تطلعه إلى أن يدخل تحديث اتفاقية التجارة الحرة الثنائية بين نيوزيلندا والصين حيز التنفيذ قريباً. وشدّد خلال القمة نفسها على أهمية التجارة مع الصين، وقال إن "علاقات نيوزيلندا التجارية مع الصين تكاملية ومرنة، ويستفيد منها الجانبان". ونوّه إلى أنه "على الرغم من جوانب التعطيل الكبيرة الناجمة عن ظهور وباء كورونا، إلا أن تجارة السلع بين بلدينا صمدت بشكل جيد". وسبق أن ذكرت وزيرة الخارجية النيوزيلندية نانايا ماهوتا أخيراً أن ويلينغتون لن تسمح لتحالف أجهزة الاستخبارات "فايف آيز" (العيون الخمس) الذي يضمّ أستراليا ونيوزيلندا وبريطانيا والولايات المتحدة وكندا، بأن يُملي عليها سياستها مع الصين، شريكتها التجارية الرئيسية. وقبل بضعة أشهر، حثّت ويلينغتون كانبيرا على إظهار مزيد من "الاحترام" تجاه بكين، بعد توقيع الأرخبيل اتفاق تبادل حرّ معزّز مع الصين.

 

 

وتتصاعد نقاط التوتر بين كانبيرا وبكين بشكل متواصل منذ عام 2018 بسبب الخلافات حول عدد متزايد من المواضيع، بدءاً بإنترنت الجيل الخامس وصولاً إلى اتهامات بالتجسس مروراً بهونغ كونغ وحتى مصدر فيروس كورونا. آخر تلك الخلافات كان إعلان أستراليا اليوم، أنها تعيد النظر في اتفاقية مثيرة للجدل مع شركة صينية لاستئجار ميناء داروين لمدة 99 عاماً. وأثار الاتفاق الذي رعته السلطات المحلية في ولاية الإقليم الشمالي قلقاً جدياً في كانبيرا وواشنطن، واعتُبر التزاماً استراتيجياً. وميناء داروين الأهم على ساحل أستراليا الشمالي والأقرب إلى آسيا، خصوصاً إندونيسيا ومنها إلى بحر الصين الجنوبي. كما أن الميناء قاعدة لعناصر القوات البحرية الأميركية الذين يتناوبون على دخول البلاد. وأفاد وزير الدفاع بيتر دتون لصحيفة "سيدني مورنينغ هيرالد" المحلية، أنه طُلب من وزارته "العودة بنصيحة ما" بشأن اتفاقية عام 2015 ورفض استبعاد احتمال إجبار شركة "لاندبريدج" الصينية على التخلي عن الاتفاق لمبررات تتعلق بالأمن القومي. وقال إن الاتفاقية ستخضع لمراجعة دفاعية و"سننظر في الخيارات التي تصب في مصلحتنا الوطنية بعد ذلك". يذكر أن "لاندبريدج" مملوكة للملياردير الصيني يي تشينغ. وبعد اتفاقية ميناء داروين، أدخلت أستراليا تشريعاً يمنح كانبيرا حق النقض فيما يتعلّق باتفاقيات مستقبلية حساسة وإطلاق مراجعة بشأن تلك الموقّعة. ومن المقرر أن يتم الانتهاء من هذه المراجعة، المتوقع أن تشمل داروين، بحلول نهاية العام الحالي. لكن في تصريحاته لـ"سيدني مورنينغ هيرالد"، قال داتون بشكل واضح وللمرة الأولى، إن اتفاقية داروين تخضع إلى المراجعة. ومن المؤكد أنه من شأن أي خطوة لإلغاء الاتفاقية أن تزيد من توتر العلاقات بين أستراليا والصين، المتأزمة أساساً. وألغت حكومة رئيس الوزراء سكوت موريسون الشهر الماضي اتفاقية "حزام وطريق" التي أبرمتها ولاية فكتوريا مع بكين.

بلينكن: هدفنا ليس احتواء الصين أو كبحها أو تقييدها

وأدى ذلك إلى رد فعل غاضب من قبل الصين التي حذرت من أن الخطوة "ستضر بشكل خطير" بالعلاقة بين البلدين. ويذكر أن مبادرة "حزام وطريق" مصممة لتعميق العلاقات مع الصين في أنحاء آسيا والعالم. لكن معارضيها يشيرون إلى أن بكين تستخدم مشاريعها والشركات المرتبطة فيها للضغط الجيوسياسي. وبعيداً عن المحيط الهادئ، اعتبر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في مقابلة تلفزيونية بثّت، مساء  أمس الأحد، أنّ الصين باتت في السنوات الأخيرة تتصرّف بطريقة "أكثر قمعية في الداخل وأكثر عدائية في الخارج". وقال بلينكن في مقابلة مع شبكة "سي بي إس"، ضمن برنامج "60 دقيقة"، إنّ "ما رأيناه خلال السنوات الأخيرة هو أنّ الصين تتصرّف بطريقة أكثر قمعية في الداخل وأكثر عدائية في الخارج. هذا واقع". وأضاف أنّ الصين هي "الدولة الوحيدة في العالم التي لديها القدرات العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية، لتقويض أو تحدّي النظام القائم على قواعد نتمسّك بها بشدّة ومصمّمون على الدفاع عنها". وتابع الوزير الأميركي: "لكنّني أريد أن أكون واضحاً للغاية: هدفنا ليس احتواء الصين أو كبحها أو تقييدها، بل الحفاظ على هذا النظام القائم على قواعد تشكّل الصين تحدّياً لها". تأتي هذه التصريحات بعد أن أكّد الرئيس الأميركي جو بايدن في أول خطاب له أمام الكونغرس يوم الأربعاء الماضي، أنّ إدارته "لا تسعى إلى الصراع مع الصين"، ولكنّها في الوقت نفسه "على استعداد للدفاع عن المصالح الأميركية في كلّ المجالات".

(العربي الجديد، فرانس برس)

المساهمون