ليس هناك ما يخفيه الأهالي في بلدة سلوان جنوب القدس المحتلة، وأحيائها الستة المهدد كثير من منازلها بالهدم من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، غير القلق والخوف مما ستحمله لهم الأيام المقبلة من هدم وشيك لما يزيد على 100 منزل موزعة على أحياء البلدة المختلفة، بما في ذلك حي وادي ياصول، ما قد يشرّد المئات.
وتتذرع قوات الاحتلال للقيام بهذه الممارسات، بحجة البناء غير المرخص، أو أن الأرض المقامة عليها تلك المنازل مملوكة ليهود قبل العام 1948. كما أن هناك ذريعة ثالثة، وهي المصادرة لدواعٍس ما تسميه المصلحة العامة، ومفهوم المصلحة العامة هنا هو إقامة حديقة توراتية على أنقاض تلك المنازل.
أطماع استيطانية في أحياء سلوان
وتصاعدت مخاوف الأهالي أخيراً بعد أن رفضت المحكمة المركزية الإسرائيلية الأحد الماضي، التماساً قدمته 58 عائلة مقدسية من حي وادي ياصول، أحد أحياء سلوان، ضد هدم منازلهم، وقد صادقت بصورة نهائية على أوامر الهدم هذه الصادرة عن بلدية الاحتلال في القدس المحتلة.
في السياق، يوضح المحامي أحمد رويضي من بلدة سلوان، والذي يعمل مستشاراً في وحدة القدس في الرئاسة الفلسطينية، في حديث مع "العربي الجديد"، أن القرار الإسرائيلي يستهدف منازل مقامة في أراض بحي وادي ياصول تعتبرها سلطات الاحتلال جزءاً من منطقة غابات يطلق عليها أهالي سلوان اسم "منطقة الحُرش". وكان أصحاب تلك المنازل قدموا في السابق طلباً للجنة اللوائية للتخطيط والبناء في بلدية الاحتلال لوقف الهدم، لكن تم رفضه، وبالتالي تقرر هدم جميع المنازل في المنطقة المذكورة، بينما صادقت المحكمة المركزية في جلستها الأحد الماضي، على قرارات الهدم.
رويضي: نتوقع أن ما حصل في وادي الحمص قبل نحو عامين سيحصل في وادي ياصول
ويقول رويضي: "نحن نتوقع الآن أن ما حصل في وادي الحمص جنوب القدس قبل نحو عامين من هدم بالجملة لمنازل المواطنين، سيحصل في وادي ياصول، وهو واحد من ستة أحياء في بلدة سلوان مهددة منازل فيها بالهدم وطرد قاطنيها منها وتهجيرهم. فالمصير ذاته يتهدد حي البستان في سلوان حيث يوجد 124 منزلاً مهدداً بالهدم، إما بحجة البناء غير المرخص أو للمصلحة العامة بهدف إقامة حديقة توراتية".
ويتابع رويضي "أما في حي عين اللوزة، فهناك نحو 40 منزلاً مهدداً بالهدم أيضاً بحجة البناء غير المرخص، في حين أن هناك ما لا يقل عن عشرة منازل مهددة بالهدم في واد الربابة لصالح سلطة الطبيعة الإسرائيلية التي تعتزم إقامة حديقة هناك. وكذلك الحال في بطن الهوى ووادي حلوة، حيث تتركز عمليات الاستيلاء على العقارات. وبعبارة أخرى كامل بلدة سلوان مستهدفة، وكذلك امتداد البلدة في رأس العمود، حيث يقطن أكثر من 50 ألف مقدسي، وهي أعلى كثافة سكانية تحيط بالقدس القديمة".
تخوفات من تصعيد الهدم
ويتوقع رويضي أن "تشهد الأيام المقبلة تصعيداً كبيراً في عمليات الهدم في سلوان"، معتبراً أن "لهذا التطور معاني سياسية ترتبط أساساً بأوضاع الحكومة اليمينية المتطرفة والتي يتهددها التفكك. وبالتالي تبحث هذه الحكومة عن تصعيد في القدس، وليس هناك أفضل من سلوان ومن هدم منازلها، ليكون ذلك عنواناً للتصعيد المتوقع، بعد أن فشلت هذه الحكومة والتي سبقتها في تهجير أهالي حي الشيخ جراح بالقدس، ومن قبل ذلك فشل حكومة بنيامين نتنياهو في إخلاء منطقة الخان الأحمر شرقي القدس".
وما زاد من تخوّف الأهالي في سلوان، عملية الهدم السريعة التي نُفّذت يوم الثلاثاء الماضي، لمنزل المواطن محمد فايز زيتون، من أهالي حي بئر أيوب، وهو أيضاً من أحياء سلوان المستهدفة، وتتواجد فيه بؤر استيطانية عدة. معاناة صاحب هذا المنزل هي ذات معاناة عشرات العائلات المهددة منازلها بالهدم في أي لحظة، إذ حاول من دون جدوى الحصول على ترخيص بناء لمنزله، قبل أن ينتهي الأمر بهذا المنزل تسويةً بالأرض، إلى جانب تشريد أفراد عائلته.
توقعات بأن تشهد الأيام المقبلة تصعيداً كبيراً في عمليات الهدم
وفي حديث مع "العربي الجديد"، يقول محمد زيتون إن "محاكم الاحتلال عادة ما تمنح الغطاء لبلدية الاحتلال في القدس لتنفيذ أوامر الهدم لمنازل المقدسيين". وهو رأي يشاركه فيه الكثير من أبناء بلدة سلوان وعموم المقدسيين الذين يضطرون عادة للتوجه لهذا القضاء لإرجاء عمليات الهدم وليس لإلغائها، لعدم ثقتهم بعدالة هذا القضاء، الذي يرفض الالتماسات المقدمة إليه، تارة بحجة عدم استيفاء معاملات الحصول على رخصة الشروط، وتارة أخرى لعدم تقديم مخططات بناء من قبل مجموع أهالي المنطقة المهددة بالهدم، كما حصل مع العائلات الـ58 التي رفضت المحكمة المركزية الإسرائيلية الالتماس الذي قدم باسمهم أخيراً.
25 ألف منزل مهدد بالهدم في القدس
مع تصاعد عمليات الهدم للمنازل والتي باتت تنفّذ بصورة شبه يومية سواء من قبل بلدية الاحتلال في القدس، أو من قبل المواطنين أنفسهم الذين يرغمون على هدم منازلهم بأيديهم، بات المقدسيون يتحدثون عما يشبه "مخيمات لاجئين" بدأت تتشكل في مدينة القدس، وهو ما يشير إليه وزير القدس الأسبق، ورئيس الهيئة الإسلامية المسيحية، حاتم عبد القادر، في حديث مع "العربي الجديد".
ويقول عبد القادر إن "التصعيد الحالي إذا ما استمر، سيؤدي إلى انفجار كبير في القدس، خصوصاً في ظلّ الأزمة السكانية الخانقة التي يعانيها المقدسيون، ووجود أكثر من 25 ألف منزل مهدد بالهدم في أحياء القدس، بادعاء أنها بُنيت من دون ترخيص".
ويرى عبد القادر أن "سياسة سلطات الاحتلال في القدس تعطي أولوية للبناء الاستيطاني اليهودي، وهو ما نعاينه من خلال الكم الكبير من الوحدات الاستيطانية التي أقيمت على مدى سنوات الاحتلال، والتي يقارب عددها الـ60 ألف وحدة استيطانية، وسط استمرار عمليات البناء الكثيفة في الأحياء الاستيطانية اليهودية المتاخمة للقدس القديمة. في المقابل، ترفض سلطات الاحتلال المصادقة على خرائط هيكلية تسمح بإصدار تصاريح بناء للمقدسيين، علماً بأن آخر خريطة هيكلية في سلوان كانت صادقت عليها سلطات الاحتلال في العام 1977، وتتعلق بمنطقة عامة، وليس بناء بيوت".
تهجير حي وادي ياصول
من جهته، يحذر عضو لجنة الدفاع عن أراضي سلوان، فخري أبو دياب، في حديث مع "العربي الجديد"، من أن قرار المحكمة الإسرائيلية بشأن حي وادي ياصول "سيؤدي إلى تهجير حوالي 620 فرداً من الحي، غالبيتهم من الأطفال، وذلك لصالح توسعة ما يسمى بغابة السلام، والسيطرة على الجزء الجنوبي الغربي من بلدة سلوان".
عبد القادر: سلطات الاحتلال في القدس تعطي أولوية للبناء الاستيطاني اليهودي
ويضيف أبو دياب: "ما نلاحظه أخيراً، هو أن بلدية الاحتلال في القدس بدأت بتنفيذ مرحلة جديدة من عمليات الهدم، بحيث انتقلت من الهدم الفردي إلى الجماعي، ما يهدد بعمليات تهجير قسرية جماعية بحق المقدسيين، ليس في سلوان وحدها، بل في كامل مناطق القدس، كما هو الحال في بلدة الطور حيث هناك أمر هدم لبناية تقطنها عشر عائلات، والحال نفسه في العيسوية، وفي أحياء القدس الشمالية، خاصة في بيت حنينا وشعفاط".
ويشير أبو دياب إلى أن "حي وادي ياصول الواقع جنوب غربي سلوان، يمتد على مساحة 310 دونمات، ويقطنه 1050 مقدسياً"، موضحاً أنه تم "تسليم أصحاب 84 منزلاً أوامر بالهدم، فيما كانت بلدية الاحتلال في القدس قد هدمت قبل ذلك 12 بناية سكنية في الحي تؤوي أكثر من 70 مواطناً".
وكان محامي العائلات الفلسطينية في وادي ياصول، زياد قعوار، قال خلال مؤتمر صحافي عقده بعد قرار المحكمة المركزية برفض الاستئناف المقدم من قبل الأهالي، إن "بلدية الاحتلال التي رفضت الاستئناف المقدم إليها، ادعت بأن آلاف المواطنين في الحي مجرمون، متهمة إياهم بالبناء من غير ترخيص، وبالتالي طالبت بهدم المنازل فوراً وعلى مراحل".
وتشير معطيات "مركز معلومات وادي حلوة" المقدسي، إلى أنّ بلدية الاحتلال في القدس، هدمت منذ مطلع العام الحالي وإلى الآن، نحو 145 منزلاً ومنشأة اقتصادية صناعية وزراعية ومحطات وقود، منها 91 هُدمت ذاتياً من قبل أصحابها بموجب أوامر هدم صادرة عن بلدية الاحتلال تحت طائلة الغرامة المالية العالية بحال عدم تنفيذ الهدم. أما في العام 2020، فقد بلغ عدد المنازل التي هدمتها بلدية الاحتلال، 193 منزلاً ومنشأة منها 107 منازل ومنشآت هُدمت ذاتياً من قبل أصحابها.
انتقلت بلدية الاحتلال من الهدم الفردي إلى عمليات الهدم الجماعي
وشهدت الأسابيع القليلة الماضية، حملة مكثفة من عمليات الهدم تركزت بمعظمها في الأحياء المتاخمة للبلدة القديمة من القدس، حيث المسجد الأقصى، وحيث تتسارع وتيرة البناء الاستيطاني اليهودي، كما هو عليه الحال في سلوان، ومنطقة ساحة البراق.
كما تتواصل هناك عمليات الاستيلاء على عقارات المقدسيين، سواء بالسيطرة عليها مباشرة أو عبر الاحتيال من خلال تسريبها، أو باستخدام قانون أملاك الغائبين، وقانون الجيل الثالث، اللذين يمكنان المستوطنين من السيطرة على عقارات قديمة يدّعون ملكيتها ليهود، وانتهت مدة تأجيرها.
يذكر أن أكبر عملية هدم سجلت في القدس المحتلة، كانت في قرية قلنديا شمال القدس قبل أشهر عدة، وطاولت نحو 15 بناية سكنية، إضافة إلى عملية الهدم الكبيرة التي طاولت العديد من البنايات في وادي الحمص من أراضي بلدة صور باهر جنوب القدس، بادعاء قربها من جدار الفصل العنصري.