عقدت أول من أمس الإثنين في العاصمة المصرية القاهرة أعمال الدورة الأولى للجنة العليا المشتركة بين مصر وجنوب السودان، برئاسة رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، ونائب رئيس جنوب السودان جيمس واني إيجا، وبحضور وفد وزاري رفيع المستوى من الطرفين. ويأتي ذلك في إطار اهتمام القاهرة الاستثنائي باستمالة جوبا والمشاركة في توفير أسباب استمرار قيام الدولة وتحسين ظروفها في ظل الأزمات الاقتصادية المتتالية التي تضربها، وسعي إثيوبيا ودول أخرى لاستمالتها واستغلال احتياجها الشديد للتمويل والمساعدات للاستفادة منها على المستوى الاستراتيجي.
وناقش الطرفان عدداً من مجالات التعاون الثنائي وسبل دفعها إلى مراحل متقدمة، خصوصاً في مجال التعليم العالي، عن طريق المنح المقدمة للطلبة من جنوب السودان، والمضي قدماً لإعادة إحياء نشاط فرع جامعة الإسكندرية في جنوب السودان، وتجهيز المدارس الفنية المصرية للقيام بدورها في إعداد الكوادر الجنوب سودانية والمساهمة في تطوير الأوضاع الاقتصادية. ويضاف إلى ذلك تنشيط المشاريع الخاصة بتعزيز التعاون في مجالات البنية التحتية، والري، والكهرباء والاتصالات والنقل، في مختلف الولايات بدولة جنوب السودان، والتوسع في نقل الخبرات المصرية، وتوفير الدعم الفني وبرامج بناء القدرات في مختلف القطاعات المهمة، كالصحة والزراعة والري.
صدرت توجيهات من الرئاسة لعدد من الشركات المملوكة للمخابرات لتكثيف أعمالها في جنوب السودان
وكشفت مصادر حكومية مصرية أنّ توجيهات صدرت من الرئاسة لعدد من الشركات المملوكة للمخابرات العامة والمتعاملة معها من القطاع الخاص في مجالات البنية التحتية والمقاولات، بتكثيف أعمالها في جنوب السودان، بالحصول على عقود جديدة طويلة الأجل لتنفيذ مشاريع مختلفة، خصوصاً في مجالي الري والزراعة، بتمويل جزئي أو كلي، حسب الحاجة، من هيئة التمويل المصرية لمساعدة الدول الأفريقية.
ومن بين الأفكار التي تبحثها المخابرات حالياً مع وزارتي الري والزراعة الدفع بمستثمرين زراعيين محليين لاستغلال مساحات من أراضي جنوب السودان، التي تقول جوبا إن أكثر من 90 في المائة منها يصلح للزراعة، لاستغلالها كمزارع لبعض المحاصيل الاستراتيجية والإنتاج الحيواني، والأمر ذاته بالنسبة لشركات تعدين وبترول محلية حكومية وأخرى أجنبية متعاونة مع مصر، إذ تدفعها السلطات لاستكشاف فرص التنقيب عن البترول والمعادن المختلفة.
وأضافت المصادر أنّ بعض المشاريع سيتم تمويلها من مصر بشكل كامل والبعض الآخر سيتم تمويله بالشراكة بين مصر ودول عربية ومنظمات إقليمية ودولية، وأنه سيتم وضع مخطط استراتيجي لمدة عشر سنوات مقبلة لتلك المشاريع، بالتوازي مع تقديم مزيد من المعونات الصحية والمشاركة في تمويل وتشغيل عدد من المستشفيات والمراكز الصحية.
وذكرت المصادر أنّ حكومة جنوب السودان طلبت من مصر التوسط لدى الولايات المتحدة والقوى الأوروبية وبعض الدول العربية، لزيادة استثماراتها في البلاد، وضمان تدفق المساعدات، في ظلّ ضعف واضح في البنية التحتية في شتى المجالات وتراجع المساعدات للدولة، فضلاً عن استمرار توقيع بعض العقوبات الدولية عليها خلال جائحة فيروس كورونا. وهو الأمر الذي تعهّدت القاهرة بالعمل عليه، ولكنه في الوقت نفسه يمثل مصدر قلق بالنسبة لها، لتأكدها من بذل جنوب السودان المساعي ذاتها في الوقت الحالي مع دول أخرى منافسة كإثيوبيا وإسرائيل، وهو ما يدفع مصر لإعطاء تعهدات إضافية مع الإسراع في تقديم مساعدات ملموسة.
حكومة جنوب السودان طلبت من مصر التوسط لدى الولايات المتحدة والقوى الأوروبية وبعض الدول العربية، لزيادة استثماراتها في البلاد
وتحاول مصر جاهدة منع جنوب السودان من التوقيع على الاتفاق الإطاري لدول حوض النيل في وقت حساس للغاية يمكن أن تلعب فيه جوبا دوراً داعماً لإثيوبيا حال توقيعها على هذا الاتفاق. كذلك تحاول تجاوز ما سبق أن صرّح به وزير الري في جنوب السودان ماناوا بيتر، الذي قال في اجتماع مع السفير الإثيوبي بجوبا، نبيل مهدي، في إبريل/ نيسان الماضي، إن بلاده "تدعم حقوق إثيوبيا في الاستفادة من مواردها الطبيعية"، كاشفاً أنها "ستوقع على الاتفاق الإطاري لحوض النيل، وستُصادق عليه بمجرد انعقاد البرلمان". ويعرف هذا الاتفاق باسم اتفاقية عنتيبي والتي وقّعتها مجموعة من دول منابع النيل، في مدينة عنتيبي الأوغندية في مايو/ أيار 2010، وسبق أن اعترضت عليها الحكومة المصرية، لأنها لا تعترف بحصة مصر المائية، والمقدرة بـ55,5 مليار متر مكعب، كما أنها تطالب بإعادة تقسيم حصص مياه النهر، وإلغاء اتفاقيتي 1929 و1959 حول النيل، ولذا تحفّظت مصر والسودان على بنود بها.
وكشف بيتر بذلك وقتها عن تطور كبير، كانت إثيوبيا في أشد الحاجة إليه لدعم جهودها الموجهة ضد مصر والسودان، لإدخال الاتفاق الإطاري حيّز التنفيذ، وبالتالي إلغاء تحكم دولتي المصب في نصيب الأسد من المياه المتدفقة من دول المنبع، وإلغاء الاتفاقيات السابق إبرامها في أعوام 1902 و1959 و1993 عملياً، وتحرير دول المنبع من القيود التي كانت تمنعها في الماضي من إقامة السدود والخزانات على نطاق واسع. وكذلك ليكون ذلك مقدمة لإجبار الدولتين على محاصصة جديدة لمياه النيل بالتوازي مع التوصل إلى اتفاق سد النهضة.
تحاول مصر جاهدة منع جنوب السودان من التوقيع على الاتفاق الإطاري لدول حوض النيل
وإذا وقّعت جوبا رسمياً على الاتفاق وصادقت عليه، فسوف يرتفع عدد الدول المصدقة إلى خمس، هي: أوغندا وإثيوبيا ورواندا في عام 2013، وتنزانيا في 2015، بالإضافة إلى دولتين أخريين أعلنتا نيتهما التصديق برلمانياً على الاتفاق، بعدما وقعتا عليه بالفعل، وهما كينيا وبوروندي. ويحتاج هذا الاتفاق لدخوله حيّز التنفيذ وإيداعه لدى الاتحاد الأفريقي إلى تصديق ست دول فقط، ولطالما عارضت مصر والسودان التوقيع عليه. وتحاول القاهرة تحديداً استخدام المساعدات بمختلف أنواعها، لإقناع الدول المعنية بعدم التوقيع أو عدم التصديق على الاتفاقية، لحين الاتفاق الشامل على جميع بنودها، وتعديل البنود المرفوضة من القاهرة والخرطوم.