رأت كاتبة الرأي في صحيفة "واشنطن بوست"، كارين تومولتي، أمس الجمعة، أن الرئيس الأميركي جو بايدن "ضرب بقوة"، وعلى اليمين الأميركي أن يستمع، بعد خطاب بايدن في ذكرى اقتحام أنصار سلفه دونالد ترامب مقر الكونغرس في 6 يناير/ كانون الثاني الماضي.
ووضع بايدن، أول من أمس، حماية الديمقراطية ومعركتها ضد الاستبداد، كبوصلة لعهده الرئاسي، وهي عنوان للصراع غالباً ما تستخدمه إدارة بايدن، أو تدور في فلكه، عندما تتطرق إلى التوترات المتصاعدة بينها وبين كل من روسيا والصين، ما يذكّر بعقدين أميركيين من رفع شعار "محاربة الإرهاب".
بايدن في مواجهة ترامب: معركة ضدّ الاستبداد
لكن بايدن نقل في خطابه أول من أمس، هذا العنوان، للمرة الأولى بأحد الأشكال الأكثر وضوحاً، إلى الداخل الأميركي، حيث "الاستبداد" موجود أيضاً.
ووضع بايدن نفسه في مواجهة وفي حالة هجوم، ليس فقط مع سلفه ترامب، الذي أشار إليه 16 مرة في خطابه باسم الرئيس السابق، أو الرئيس السابق الخاسر، بل مع الجمهوريين وقاعدتهم، مقسّماً إياهم بين "الشجعان" الذين وقفوا في وجه ترامب وأدانوا سلوكه منذ خسارته الانتخابات، وأولئك الذين اختاروا الموقع الآخر.
اختار بايدن ومساعدوه لأشهر أن يتجنبوا الحديث عن ترامب أو الرد عليه
وبينما مدّ بايدن يده إلى الفريق الأول، بدت كلمته وكأنها إقرار بالفشل، وبتراكم العقد، التي تصعّب التعاون مع الباقين.
وكان الرئيس الأميركي الديمقراطي قد آثر طوال العام الأول من ولايته، هو وإدارته، البقاء في دائرة التسليط الإعلامي المنخفض. وبحسب "واشنطن بوست"، في تقرير لها نشر أمس، فإن نقاشاً جرى في البيت الأبيض، حول ما إذا كان على بايدن أن يلقي كلمة مباشرة بمناسبة ذكرى اقتحام الكابيتول، أو أن يكتفي بإصدار بيان.
وإذا كان بايدن قد اختار إلقاء الخطاب، فإن المسألة تلخص ليس فقط المسؤولية الأخلاقية التي رأى الديمقراطيون أن عليهم تحملها، لمواجهة ترامب بالاسم، والإشارة بشكل لا لبس إلى دوره في تقويض الديمقراطية الأميركية، بل ما يرى فيه الحزب ضرورة للانتقال إلى الهجوم، مع بقاء ترامب في دائرة الضوء القوي، ونفوذه الذي لا يزال يترجم في صناديق الاقتراع.
بايدن ينتقل إلى الهجوم
ويدرك بايدن، جيّداً، بعد عام على ولايته الأولى، مستوى التحديات التي تواجهه، وأرقام استطلاعات الرأي حول شعبيته غير المشجعة كثيراً، مع عدم قدرته على تمرير أجندته الداخلية بسلاسة، وعودة التضخم، وشبح متحورات كورونا التي قد تنسف الجهود السابقة لمواجهة الوباء في الولايات المتحدة.
لكن الرئيس، بعكس ما أشيع، لم يقّدم أول من أمس، أي خطة واضحة أو خريطة طريق، لمعالجة التحديات الأميركية الداخلية، ومنها منع الاستبداد وحماية الانتقال السلمي للسلطة.
واعتبر بايدن أن سلفه رجل غير وطني، ولا يحب وطنه، في تصويب على ورقة "الوطنية" التي لطالما ردّدها ترامب خلال سنوات عهده، عندما كان يتحدث عن أن أميركا لم تعد تحتاج إلى "العولميين"، بل إلى الوطنيين.
وقال بايدن إنه لا يصلح "أن نحب بلدنا فقط عندما نكون رابحين"، علماً أن أربع سنوات من عهد ترامب لم تعزز شعور الوطنية لدى الأميركيين، بل عمّقت الانقسام السياسي، وكادت مع نهاية عهده أن توصل هذا الانقسام إلى مستويات خطرة. وتعهد بايدن الوقوف في وجه كلّ محاولات تقويض الديمقراطية الأميركية، ومنها تقييد حق الانتخاب.
ونقلت "واشنطن بوست"، أمس، عن مساعدين لبايدن وحلفاء له، قولهم إن خطاب الرئيس في ذكرى الاقتحام، وتعهداته وإشاراته إلى الرئيس السابق، "لا تعكس تغييراً دائماً لاستراتيجية التعاطي مع ترامب، بل إن الرئيس شعر بأن لا خيار أمامه إلا التوجه مباشرة نحو مسؤولية ترامب في اقتحام الكابيتول والخطر الذي يشكلّه هو على الديمقراطية".
فرانك لونتز: الحرب الكلامية لن تزيد سوى منسوب الضغينة لدى الجمهوريين
وأكد بايدن، في خطابه، أن سلفه بنى "شبكة من الأكاذيب" أوصلت إلى الاقتحام، وأنه لم يفعل شيئاً خلال حصار الكابيتول من قبل أنصاره، سوى الجلوس ومتابعة ذلك على التلفاز.
وكان بايدن ومساعدوه، بحسب الصحيفة، قد اختاروا طوال أشهر أن يتجنبوا الحديث عن ترامب أو الرد عليه، في إطار حسابات بأن ذلك قد يستفز الأخير، أو يرفع من شأنه ويمنح سرديته المصداقية أو المزيد من الضوء والاهتمام الإعلامي.
وفي داخل البيت الأبيض، ظلّ فريق بايدن يعد الاستراتيجية حول التوقيت المناسب لكسر الصمت حول ترامب، ليكون القرار أخيراً بأن يحصل ذلك في ذكرى الاقتحام، حين خرج بايدن عن الاحترام واللياقة الرئاسية، وشنّ هجوماً غير مسبوق على سلفه. ورأى مايك دونيلون، وهو مستشار كبير في البيت الأبيض، أنه "لا يمكنك الحديث عما حصل في 6 يناير، من دون الحديث عن الرئيس السابق ودوره فيه".
وأكدت الصحيفة أن بايدن انخرط بقوة في صياغة نص الخطاب مع مساعديه، وأنه فضّل الإشارة إلى ترامب باسم "الرئيس السابق". وأعرب النائب الديمقراطي كوري بوش، بعد خطاب الرئيس، عن أمله في أن يشكل خطاب بايدن "نقطة تحول"، مضيفاً أنه "يجب علينا الحديث عن دونالد ترامب، وما فعلت رئاسته في البلاد". ورأى أن على بايدن "مسؤولية استخدام منبر القوة لرئاسته لإدانة ترامب لأن مجتمعات هشّة كانت ناشطة في الاعتراض على الرئيس السابق لا تزال معرضة للخطر من أجندته".
ويقرّ الديمقراطيون، مع تحليل خطاب بايدن، بأنه لو كان خطر ترامب والترامبية قد خفت، لما كان ربما على كلمة بايدن أن تحمل هذا المستوى من الهجوم والتحذير، وهو تحذير لاقته به كلمة نائبته كامالا هاريس أيضاً.
فبعد عام على رحيل ترامب من البيت الأبيض لا تزال قبضته قوية على الحزب الجمهوري، ولا تزال نظريات المؤامرة، ومنها "سرقة الانتخابات"، تلقى صدى واسعاً لدى القاعدة الجمهورية، وهو ما تؤكده استطلاعات الرأي. كما أن ترامب، وعلى مقربة من انتخابات نصفية للكونغرس الخريف المقبل، هو اليوم "صانع الملوك" لدى الجمهوريين، بالإضافة إلى كونه المرشح الرئاسي للحزب في 2024.
ويرى قسم من الديمقراطيين أن على بايدن أن يسمي الأمور بأسمائها، فيما يرى آخرون أن عليه أن يستغل كل وقته من أجل أجندته الرئاسية. بدوره، رأى فرانك لونتز، وهو معد استراتيجيات للحزب الجمهوري، أن العودة إلى الحرب الكلامية بين الرجلين لن تفعل سوى زيادة منسوب الغضب لدى القاعدة الجمهورية، بحسب ما نقلت عنه "نيويورك تايمز".
(العربي الجديد)