خطاب "حالة الاتحاد" يمنح بايدن فرصة لتلميع صورته

02 مارس 2022
الوضع بأوكرانيا يلقي بظلاله على السياسة الأميركية (صول لويب/ Getty)
+ الخط -

ألقى الرئيس الأميركي، جو بايدن، ليلة أمس الثلاثاء، خطابه الأول عن "حالة الاتحاد"؛ الاستحقاق الدستوري السنوي الذي ينتظره الأميركيون والعالم مثل هذه الأيام، ليسمعوا من ساكن البيت الأبيض تقييمه لأوضاع البلاد في ضوء حصيلة العام الماضي وما تطرحه إدارته من وعود ومشاريع وسياسات محلية وخارجية، للسنة المقبلة.

هذه المرة كانت للموعد أهمية استثنائية. الظروف والتحديات الفريدة بمخاطرها وتداعياتها والتي واجهتها رئاسة بايدن، لم تعرفها أميركا منذ 40 إلى 75 سنة (منسوب التضخم والحرب الروسية على أوكرانيا). وقد أدت مع تداعيات جائحة كورونا وعملية الانسحاب المشين من أفغانستان، إلى هبوط رصيد الرئيس بدرجة بائسة وصلت أخيراً إلى 37%؛ هي الأدنى من بين أسلافه الـ12 - بعد السنة الأولى - ما عدا الرئيس السابق دونالد ترامب (35%)، وفق مؤسسة "غالوب" للاستطلاعات.

بيد أنّ مناسبة الخطاب الذي يحظى عادة بتغطية إعلامية واسعة ويشاهده عادة بين 40 و50 مليون مواطن أميركي، وفّرت لبايدن فرصة لاستعادة مسحة تلميع لصورته. تشدده مع موسكو والذي تعزز بعودة التماسك إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي تحت القيادة الأميركية، حقق له قدراً من الالتفاف حوله في الكونغرس، بالرغم من وصمه بالضعف والمهادنة في مجال السياسة الخارجية، وبالتحديد في تعامله مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.

وحدة الخصومة لموسكو التي تستهدف "تركة الحرب الباردة" وامتيازاتها الأوروبية والأميركية، طغت في اللحظة الراهنة

شمل ذلك أقطاب الجمهوريين والمحسوبين منهم على الخط التقليدي للحزب والذي بدأ يبتعد عن ترامب وأحياناً يصطدم به، بالرغم من وصم بايدن بالضعف والمهادنة في التعامل مع نظيره الروسي. وحدة الخصومة لموسكو التي تستهدف "تركة الحرب الباردة" وامتيازاتها الأوروبية والأميركية، طغت في اللحظة الراهنة على الحسابات السياسية – الانتخابية.

ومن المتوقع أن يتعمّق هذا الالتفاف إذا فاضت العمليات العسكرية الروسية عن وعائها الأوكراني. وهذا احتمال تزداد التحذيرات من تحوّله إلى واقع من زاوية أنّ الاجتياح الروسي لأوكرانيا "متعثر" كما يتردد في واشنطن، ما قد يحمل الرئيس الروسي على رفع وتيرة التصعيد وتوسيع ملعبه.

ومن هنا الخشية من أن يؤدي التمادي في تشديد خناق العقوبات والمقاطعة وفي تزويد أوكرانيا بالمزيد من الأسلحة الفعالة، إلى "حشر بوتين في الزاوية" وبما قد يحمله على الرّد بصورة تستهدف توريط الذين يخوضون الحرب ضد روسيا "عبر الوكيل الأوكراني"؛ أي واشنطن وأطراف حلف شمال الأطلسي.

ولأنّ مثل هذا التطور غير مستبعد، فقد كرّر بايدن في خطابه الالتزام الذي طالما ردده خلال الأزمة، بأنّ واشنطن ستدافع عن كل شبر أرض من دول الحلف يتعرّض للاعتداء. كلام ردعي بصيغة تلويح بحرب مع موسكو لا يحتاج اندلاعها سوى "إلى حادث جدي"، كما يقول أنتوني كوردسمان الخبير الاستراتيجي في "مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية" بواشنطن.

والأرضية خصبة لتطور من هذا النوع، سواء حصل بالصدفة أو بالعمد، لا سيما أنه لا دلائل في الأفق حول تراجع بوتين. بل العكس هو المرجح وفق سائر التوقعات التي لا تستثني أي سيناريو لهذه الأزمة.

قبل نهاية خطابه وجرياً على العادة والتقاليد في هذه المناسبة، كرر الرئيس مقولة أنّ "حالة الاتحاد قوية ". لكنه أضاف أنها أفضل مقارنة بما كانت عليه الحال "العام الماضي مثل هذا الوقت"، ما يعني أنها ليست جيدة بغير هذا المقياس. فهو يعرف أنّ حالة البلاد معطوبة مثل رصيده السياسي. والمعالجات المطلوبة غير متوفرة. وهي تتجاوز صعوبات التضخم وآثار كورونا وتتصل بعمق الخلافات حول أمور أساسية مثل حق التصويت في الانتخابات ومسائل الرعاية والضمانات الاجتماعية وتضييق الفوارق والخلل في توزيع الثروة والانقسامات السياسية المستعصية وغيرها.

الحرب الروسية على أوكرانيا التي احتكرت حصة السياسة الخارجية في الخطاب، جاءت لتطغى وحتى إشعار آخر على هذه الأعطاب، وبما يعطي بايدن فسحة لإنقاذ رئاسته من المصير الذي انتهت إليه رئاسة سلفه جيمي كارتر.

المساهمون