خريطة طريق جديدة لمفاوضات سد النهضة... والخلافات قائمة

03 نوفمبر 2020
اتفق الوزراء على أن يتولى خبراء الاتحاد مهمة تسهيل المفاوضات (إبراهيم حميد/فرانس برس)
+ الخط -

عقدت أمس الإثنين مجموعة مكونة من ستة ممثلين فنيين وقانونيين لمصر وإثيوبيا والسودان اجتماعاً عن بُعد لوضع الصلاحيات التي ستخوَّل للخبراء التابعين للاتحاد الأفريقي لتسهيل المفاوضات حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، وذلك بعد أن اتفق وزراء الموارد المائية والري في الدول الثلاث أمس الأول الأحد على أن يتولى خبراء الاتحاد مهمة تسهيل المفاوضات خلال الجولة الحالية، التي لا يُنتظر أن تكون الأخيرة، بحسب مصادر "العربي الجديد" في وزارتي الخارجية والري المصريتين وفي أديس أبابا.

وأوضحت المصادر أن الاجتماع الأول في الجولة الحالية لم يشهد الدخول في أي مناقشات موضوعية بشأن القضايا محل الخلاف أو التي ستكون لها الأولوية لدى خبراء الاتحاد الأفريقي، الذين سيقومون بالدور الذي كان يقترح الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا أن تقوم به الدول الثلاث، متمثلاً في تحديد جميع النقاط العالقة بين الدول الثلاث ووضع حلول لها واقتراح حلول وسط، ثم رفع المسودة لمفوضية الاتحاد الأفريقي لفتح حوار أخير بشأنها، ثم عرضها بعد التنقيح للتوقيع في قمة مصغرة جديدة. وبالتالي فإن أهم ما حدث خلال جلسة الأحد الماضي هو تغيير خريطة طريق المفاوضات استجابة لمقترح إثيوبي سوداني بإيكال خطوة إعداد المسودة إلى الخبراء ومرحلة المراجعة للدول الثلاث، الأمر الذي يرجح عملياً استمرار الخلافات على محتوى المسودة والحلول المقترحة التي يمكن الاتفاق عليها أو تطويرها.

الاجتماع الأول في الجولة الحالية لم يشهد الدخول في أي مناقشات موضوعية بشأن القضايا محل الخلاف

وبحسب المصادر، فإن الاجتماع شهد أيضاً تحفظ إثيوبيا والسودان على مقترح مصري بإشراك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهما المراقبان الآخران للمفاوضات إلى جانب الاتحاد الأفريقي، مع الاتحاد لاختيار الخبراء المستقلين لوضع المسودة. وارتأت الخرطوم وأديس أبابا أن زيادة عدد الجهات المتداخلة في عملية اختبار الخبراء وإعداد المسودة سوف يعطل إنجازها، إلى جانب التحفظ الإثيوبي الذي بات متزايداً وحاسماً على أي اشتراك أميركي في إعداد مسودات أو الإدلاء بمقترحات، على خلفية الأزمة السياسية التي اندلعت بينهما بسبب تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تأييده موقف مصر في الأزمة وتوقعه تدمير السد.

وذكرت المصادر أن هناك خلافاً آخر متوقعاً حول الدور الذي سيلعبه خبراء الاتحاد الأفريقي، إذ ترفض إثيوبيا أن تعرض عليهم الخلافات الرقمية الأساسية بين الدول الثلاث، والتي على رأسها حجم التدفق العام في فترات الجفاف والجفاف الممتد والذي تقترح مصر أن يكون 37 مليار متر مكعب كرقم وسط بين ما تطالب به إثيوبيا وهو 32 ملياراً، وما كانت تطالب به مصر وهو 40 مليار متر مكعب، على أن يُترك الرقم الخاص بأوقات عدم الملء والرخاء لآلية التنسيق بين الدول الثلاث.
ونبّهت المصادر إلى أن الفصل بين الدراسات الفنية والقانونية والسياسية سيعرقل إعداد صياغة الاتفاق، باعتبارها المسألة الأكثر حساسية، لكن مصر والسودان تدفعان في اتجاه أن يكون من مسؤولية الخبراء ومن ثم لجنة الصياغة المشتركة التوصل إلى آلية محكمة للتنسيق، فيما تصر إثيوبيا على قصرها على "الإبلاغ" في مواعيد معينة، لكن مصر والسودان تريدان أن يكون لهما دور رئيس في تحديد الكميات المتدفقة إذا طرأت ظروف مناخية غير متوقعة.

ومن ضمن النقاط العالقة أيضاً، استمرار مطالبة مصر بالربط الكامل بين سد النهضة وسد الروصيرص والسد العالي لإبقاء المناسيب المائية معقولة فيها جميعاً، فيما تطالب السودان بالربط فقط لمنع حدوث ضرر أو خطر جسيم، لكن إثيوبيا تجادل بأن هذه المسألة غير ضرورية وستعرقل عملية الملء الثاني للسد العام المقبل، ولذلك فمن المتوقع أن يترجم هذا الخلاف إلى صيغة مطاطة، تصفها المصادر بـ"القريبة من صياغات اتفاق المبادئ".

وفي ظل استمرار حجب إثيوبيا لبرنامج الملء المستمر والدائم للسد، تصر أيضاً على حجب خطتها للاستخدامات الخاصة بالمياه سواء كانت مخصصة لإنتاج الطاقة أو الزراعة أو غيرها، وهو أمر يخرج أيضاً عن صلاحيات لجنة الصياغة، ومن المتوقع أن يطرح على الجلسة المقبلة لوزراء المياه والخارجية، ليتم تضمينه في وثيقة تكميلية للاتفاق، تحاول مصر والسودان حالياً ضمان صدورها برعاية الاتحاد الأفريقي، لكن إثيوبيا تعارضها بشدة.
بينما تتضمن المواضيع القانونية المختلف عليها عدم التوافق الكامل على مدى إلزامية الاتفاقية التي سيتم توقيعها، وثانيها عدم التوافق على آلية فض المنازعات التي ستنشأ مستقبلاً حول تشغيل السد والملء. وثالثها رغبة إثيوبيا في تحويل الاتفاقية إلى اتفاق للمحاصصة في مياه النيل وإلغاء اتفاقية 1959 بين مصر والسودان، ورابعها وأحدثها رغبة إثيوبيا في انتزاع موافقة مصر والسودان على إقامتها مشاريع مائية أخرى على مجرى النيل الأزرق وتطبيق القواعد الاسترشادية الخاصة بسد النهضة عليها، الأمر الذي ترفضه مصر نهائياً.

جددت مصر اعتراضها على مناقشة مسألة المحاصصة الجديدة لمياه النيل حالياً

وهناك فجوة أخرى ما زالت قائمة ولن تتطرق لها لجنة الخبراء، إذ جددت مصر اعتراضها على مناقشة مسألة المحاصصة الجديدة لمياه النيل حالياً، باعتبار أن المفاوضات خاصة فقط بسد النهضة، مع إبداء استعدادها لفتح حوار لاحقاً حول محددات هذا الملف، بينما تتمسك إثيوبيا باقتران مناقشة كل المسائل مرة واحدة، وتدعي أنه من الممكن مناقشة جميع القضايا بما في ذلك المحاصصة الجديدة لمياه النيل، ووضع جدول زمني لكل قضية، بحيث تنتهي المفاوضات نهائيا قبل نهاية العام وتسليم رئاسة الاتحاد الأفريقي.

وسبق أن اعتبرت مصادر دبلوماسية مختلفة في أحاديث متتابعة لـ"العربي الجديد" الصيف الماضي، أن رهان مصر الوحيد على الولايات المتحدة تحت قيادة ترامب لحل قضية سد النهضة والخروج باتفاق يهدف لتقليل الأضرار "لا يضمنه شيء" لأن أميركا من أقل الدول مساعدة لإثيوبيا في مشروع السد وتأثيراً عليها في هذا الإطار. أما الدول الأكثر مساعدة لها اليوم واستفادة من السد غداً، مثل الصين وفرنسا وإيطاليا وألمانيا، فهي ما زالت مقتنعة إلى حد كبير بالمصفوفات الإثيوبية التي تزعم عدم إيقاع أي أضرار بمصر في أي مرحلة من ملء وتشغيل السد. لكن ذلك يناقض تماماً المصفوفات والتقارير الفنية المصرية، التي لا تتحدث فقط عن خروج آلاف الأفدنة من الرقعة الزراعية على مراحل، ربما تبدأ في العام بعد المقبل، ولكن أيضاً بسبب المصروفات الضخمة التي يتحتم على مصر أن تنفقها في المستقبل البعيد لتحسين الظروف البيئية للمياه وتحسين جودتها وجعلها صالحة للشرب.

المساهمون