خريطة سموتريتش توتّر العلاقات الأردنية الإسرائيلية

22 مارس 2023
الصفدي: تصريحات سموتريتش تعكس فكراً إقصائياً عنصرياً (محمد صلاح الدين/الأناضول)
+ الخط -

أثار عرض "خريطة إسرائيلية" تضم الأردن وفلسطين، إلى جانب أجزاء من لبنان وسورية، على منصة كان يتحدث عليها وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، في باريس، غضباً أردنياً. وأعلنت وزارة الخارجية الأردنية الإثنين استدعاء السفير الإسرائيلي لدى عمّان إيتان سوركيس، احتجاجاً على الخريطة، لتدخل العلاقة بين الطرفين أزمة جديدة.

وقال نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، في مؤتمر صحافي أمس الثلاثاء، إن التصريحات العنصرية التحريضية الاستفزازية التي أطلقها سموتريتش تعكس فكراً إقصائياً عنصرياً متطرفاً، وإن الأردن تواصل مع المجتمع الدولي لإبراز خطورة مثل هذا الفكر.

وأضاف أن الأردن أصدر بيانات واضحة دان فيها هذه التصرفات الرعناء وعبّر عن موقفه الواضح في رفضه واستنكاره. ولفت إلى أن التصريحات العنصرية التحريضية لشخص "لن تنال منا ومن ثقتنا بأنفسنا وموقعنا، ولن تنال من حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية في وطنه ودولته المستقلة".

وبحسب الصفدي، فقد وصلت إلى  الأردن اتصالات عديدة من مسؤولين إسرائيليين أكدوا فيها أن إسرائيل ملتزمة باتفاقية السلام مع الأردن، وأن إسرائيل تحترم بالمطلق وبالكامل الحدود وسلامتها وتثمّن وتقدر الدور الأردني. وأضاف: "سنقوم بما يلزم من إجراءات، وعلى إسرائيل أن تعلن أن هذه التصريحات لا تمثلها ونريد موقفاً واضحاً ولا نقبل أي ضبابية".

وأصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية ومسؤولون إسرائيليون تصريحات ومواقف عدة عبّرت عن التزام حكومتهم باتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية واحترامها لحدوده ودوره، كمحاولة للتخفيف من الغضب الأردني من تصرفات سموتريتش.

مطالبة بموقف أردني أكثر تشدداً

وتعليقاً على هذه التطورات، رأى مدير مركز القدس للدراسات السياسية، المحلل السياسي عريب الرنتاوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه من الخطأ حصر المسألة بسموتريتش، فهناك تيار يميني عريض داخل إسرائيل، وبالتالي فوزير المالية يعبّر عن خيار مركزي عريض داخل الطبقة الأمنية والسياسية، ومثل هذه المواقف لا يجوز ربطها بشخص أو تيار هامشي.

الرنتاوي: رد الفعل الأردني يجب أن يكون أكبر، فما حدث هو تطور نوعي خطير

وأوضح أن سموتريتش صاحب نظرية "حرق حوارة" وألغى وجود الشعب الفلسطيني، يترجم نظرية "الحسم" التي سبق أن كتب عنها عام 2017، والتي تنكر وجود الشعب الفلسطيني، وأن سكان "يهودا والسامرة" (الضفة الغربية) إما أن يكونوا سكاناً بدون حقوق سياسية أو يذهبوا إلى دولة ثالثة والمقصود بها الأردن، أو مواجهة القتل والاعتقال.

وحول أثر ما حدث على العلاقات الأردنية الإسرائيلية، أشار الرنتاوي إلى أن الخريطة التي أشهرها سموتريتش في باريس هي خريطة اليمين المتطرف والتي ترى أن لفلسطين ضفتين، الأولى لهم والثانية لهم. وبرأيه، فإن هذه الخريطة تمثل نوايا إسرائيل ليس فقط بإلغاء الشعب الفلسطيني، بل بابتلاع الأردن.

واعتبر أن رد الفعل الأردني يجب أن يكون أكبر، فما حدث هو تطور نوعي خطير، متسائلاً "ماذا كان سيحدث لو أن وزيراً أردنياً أنكر وجود إسرائيل وأشهر خريطة فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر معلناً أن هذه فلسطين التي نعترف بها الأردن، فما هي ردة فعل إسرائيل والمجتمع الدولي؟". وباعتقاده، فإن ردة الفعل الأردنية يجب ألا تكون أقل من وقف التعاون مع إسرائيل بشكل كامل بما في ذلك مسار العقبة وشرم الشيخ (اللقاءات التي تجمع مسؤولين فلسطينيين مع إسرائيليين بحضور مصري وأميركي وأردني).

ولفت إلى أن اتصال رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي مع وزير الخارجية الأردني لم يتضمن الاعتذار أو الإدانة، ولم يتعهد باتخاذ أي إجراء. وأشار إلى أن هذا قد يهدئ من روع الجانب الرسمي الأردني لكن لا أثر شعبياً له، فالشعب الأردني يدرك أن إسرائيل تُبيت نوايا خبيثة استعمارية استيطانية فاشية ليس ضد الفلسطينيين فقط، بل الأردنيين ايضاً.

ولفت إلى أن هناك محاولة لإطفاء الأزمة بين الطرفين الرسميين لكن تصريحات سموتريتش حفرت عميقاً في الوجدان الشعبي الأردني والفلسطيني، معتبراً أن هذا الكيان لا تنفع معه أي لغة سوى لغة المقاومة، خصوصاً أن نواياه تفضحه كل يوم، وعلى العرب والأردن ترك مربع الأوهام والرهانات الخائبة سواء على المسار السياسي أو الاقتصادي أو الأمني مع هذا العدو.

حسابات الاحتلال الأمنية

وفي السياق، قال رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية، خالد شنيكات، في حديث مع "العربي الجديد"، إن تصريحات سموتريتش مفهومة، فهو يمثل وجهة نظر اليمين المتطرف مع وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير.

وأضاف: "كلاهما لا يعترفان نهائياً بالحدود الإسرائيلية الحالية، ويرفضان الوصاية الهاشمية وأي التزام أو معاهدات، وهذه السياسة هي سياسة اليمين المتطرف وغير مفاجئة لمن يعرف أجندة اليمين الحقيقية"، لافتاً إلى أن "إعادة الحكومة الإسرائيلية مستعمرة حومش في شمال الضفة الغربية التي تم اخلاؤها سابقاً، على الرغم من التحفظ الأميركي، مؤشر من ضمن مؤشرات كثيرة على حقيقة سياسة اليمين المتطرف الإسرائيلي التي لا تتغير".

ورأى أن "حزب الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو لا يختلف كثيراً عنهم، فهذا الحزب هو من أوقف المفاوضات ومحاولات التقدم في مفاوضات السلام، وتتحدث بعض أجنحته عن وطن بديل للفلسطينيين في الأردن، وحتى مواقف الوسط واليسار الإسرائيلي تتشابه لأن إسرائيل انجرفت لليمين واليمين المتطرف".

شنيكات: الحل الأردني الأفضل هو استمرار التنسيق مع الفلسطينيين بشكل جيد وتعزيزه

ولفت شنيكات إلى أن المجتمع الدولي يراقب السياسات الإسرائيلية، ويتخوف من اليمين الإسرائيلي، وحتى الإدارة الأميركية تقف على مسافة من هؤلاء المتطرفين، لكن لا أعتقد أن الولايات المتحدة ستمارس ضغوطاً حقيقية على إسرائيل. واعتبر أن الحل الأردني الأفضل هو استمرار التنسيق مع الفلسطينيين بشكل جيد وتعزيزه لمواجهة مثل هذه التصريحات بسياسة فعلية على أرض الواقع بعيداً عن حملات الشجب والاستنكار، فالمطلوب التواصل مع المحيط العربي والمجتمع الدولي حول هذه المواقف، والتي ربما تتحول إلى نهج إسرائيلي.

وأشار شنيكات إلى أن اليمين الإسرائيلي يدفع بالأردن كوطن بديل للشعب الفلسطيني وهذه سياسة معلنة من قبله، وأنه لا دولة ثانية في فلسطين. وأضاف: ليس سهلاً على الحكومة الإسرائيلية وقف تصريحات وزير المالية، مشيراً إلى أن محاولة إسرائيل المتسارعة لاحتواء تصريحات ومواقف وزير المالية ترتبط بتخوفها من انتفاضة ثالثة والحسابات الأمنية، وهذا أهم ما يشغلها.

وبرأيه، فعلى الرغم من الاتصالات الإسرائيلية مع وزارة الخارجية الأردنية، فإن إسرائيل لم تقدم اعتذاراً، بل أكدت اعترافها بالمملكة الهاشمية ضمن سياسة الغموض الذي تتعمدها إسرائيل. وتوقع استمرار التصريحات المتطرفة ضد الأردن، وحتى تصريحات أكثر تطرفاً مثل عدم الاعتراف بالوجود الفلسطيني أصلاً، وكل هذه التصريحات ستكون عواقبها الصدام المباشر عاجلاً أم آجلا.

تعهدات إسرائيلية كاذبة

من جهته، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية أيمن الحنيطي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن هذه الأزمة الجديدة ستضاف إلى الأزمات الأردنية الإسرائيلية المتكررة، لأن سبب المشكلة لم ينته بعد، مشيراً إلى أن "ما تقوم به الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة يسير في النهج نفسه، وكل التعهدات عبارة عن إبر تخدير، فقبل أيام كانوا في شرم الشيخ وقبلها في العقبة في سبيل التهدئة، لكن لا بوادر حقيقية للتهدئة".

الحنيطي: نتنياهو رهينة لسموتريتش وبن غفير وهما من يتحكمان به

ولفت إلى أن الاستيطان مستمر وكذلك التهويد والاستفزازات. ودعا كي لا تكون ردود الفعل موجهة إلى إسرائيل فقط، خصوصاً أن سموتريتش أطلق مواقفه العنصرية من قلب أوروبا وبالتحديد العاصمة الفرنسية باريس، الأمر الذي يكشف أن هناك منظمات عنصرية وإرهابية تعمل من أوروبا والولايات المتحدة بفكر متطرف يؤجج الصراع ولا يخدم عملية السلام.

واعتبر الحنيطي أنه يتعيّن على الأردن أن يتجه نحو الدول الأوروبية التي تسمح برفع شعارات عنصرية متطرفة وإلقاء خطابات تتعارض مع القيم الإنسانية التي ترتبط بالسلام والعدالة، لوقف عمل مثل هذه المنظمات الإرهابية.

ولفت إلى أن الاتصالات الإسرائيلية مع الخارجية الأردنية جاءت لتهدئة الأمور، مشيراً إلى أن هذه الاستفزازات محرجة للحكومة الإسرائيلية، فقبل أيام تحدث سموتريتش عن حرق حوارة ونفى وجود الفلسطينيين. وتابع: على نتنياهو أن يعلن موقفه من هذه التصريحات، واصفاً الأخير بأنه رهينة لسموتريتش وبن غفير وهما من يتحكمان به، وفي حال بقي الوضع على ما هو عليه فإن الأمور ستسير باتجاه مزيد من التوتر.