خبراء: هذه مخاطر ترك مصير غزة في يد إسرائيل

08 ديسمبر 2023
من الدمار في خانيونس، أمس (أحمد حسب الله/Getty)
+ الخط -

في مقال مشترك نُشر في مجلة كلية الشؤون الدولية والسياسة العامة بالجامعة الأميركية في القاهرة، الأحد الماضي، طالب كل من المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، السفير عبد الرحمن صلاح الدين، والدبلوماسي الإسرائيلي السابق والمحاضر في العلوم السياسية، السفير مايكل هراري، الرئيس الأميركي جو بايدن، بإصدار إعلان حول خطة مدتها عام واحد تنتهي بإطلاق مفاوضات لإقامة دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة.

مطالبة بـ"إعلان بايدن"

وجاء في المقال، أنه يمكن للرئيس الأميركي، أن يصدر إعلاناً مشابهاً لـ"وعد بلفور"، يسمى "إعلان بايدن"، يوضح فيه خطة مدتها عام واحد تنتهي بإطلاق مفاوضات لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة على أساس الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967، مع ضمانات أمنية عادلة.

السفير عبد الرحمن صلاح الدين: مصر لا تملك ترف الانتظار حتى تقضي إسرائيل على حماس وقادتها

وبحسب المقترح، فإنه ينبغي لهذا الإعلان الأميركي أن يفتح الطريق أمام قبول فلسطين كدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية. وفي وسع الولايات المتحدة أيضاً أن تدفع باتجاه إصدار قرار من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يؤيد معايير التسوية النهائية الواردة في ذلك الإعلان.

كما ينبغي أن تشمل الفترة الانتقالية التي مدتها عام واحد، إنهاء الحرب في غزة وإطلاق سراح جميع الرهائن وأسرى الحرب من الجانبين، ودعوة منظمة التحرير الفلسطينية/السلطة الفلسطينية إلى تشكيل هيئة حكم في غزة، ونشر قوات حفظ سلام دولية، تشرف على الانسحاب العسكري الإسرائيلي من غزة، وتدمير جميع الأسلحة الثقيلة في القطاع، وتراقب جميع وارداته وصادراته، على أن يتم إطلاق حملة عالمية لإعادة بناء غزة وتحويلها إلى نموذج اقتصادي مزدهر للتعاون السلمي الإقليمي والدولي.

وحذّر خبراء ومراقبون مصريون، من أن ترك مصير غزة لتقرره إسرائيل منفردة، يشكل خطأ تاريخياً، لا يجب أن تقع فيه مصر.

وقال السفير عبد الرحمن صلاح الدين، لـ"العربي الجديد"، إن مصر "لا تملك ترف الانتظار الذي تتمتع به أطراف إقليمية ودولية أخرى، حتى تقضي إسرائيل على حماس وقادتها، وتدمر أنفاقهم ومعداتهم".

واقترح صلاح الدين أن "تتقدم مصر، في أسرع وقت ممكن، بمبادرة لوقف الحرب في غزة بشكل فوري، على أساس اتفاق جميع الأطراف المعنية على وقف فوري وشامل لإطلاق النار وتبادل الأسرى والرهائن وخروج كافة القوات الإسرائيلية من قطاع غزة فور دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، وتشكيل قوة دولية على غرار القوة متعددة الجنسيات في سيناء، بمشاركة الولايات المتحدة ودول غربية وعربية راغبة".

وأوضح أنه "يجب أن تدخل هذه القوة إلى غزة لجمع كل الأسلحة الموجودة لدى كافة الفصائل الفلسطينية هناك، وستكون مهمة هذه القوة لفترة انتقالية مدتها سنتان لحين تشكيل قوة شرطة فلسطينية من قطاع غزة وتدريبها وتجهيزها لتتولى مهام حفظ الأمن، وتشمل مهمة القوة الدولية أيضاً مراقبة الواردات إلى قطاع غزة والتأكد من خلوها من أي أسلحة أو معدات عسكرية".

وحول قابلية أفكاره للتنفيذ في ظل الظروف الإقليمية والدولية الراهنة، قال السفير عبد الرحمن صلاح الدين، في حديثه مع "العربي الجديد"، إن "الضغوط الدولية تتزايد لإنهاء هذه الحرب البشعة ووقف نزيف دم الفلسطينيين المدنيين، وقد عبر عن ذلك الأمين العالم الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس (أول من أمس الأربعاء) حين استخدم ما يخوله له ميثاق المنظمة الدولية في المادة 99 من سلطه، لتنبيه مجلس الأمن الدولي، إلى أن نزاعاً قد وصل إلى مرحلة تهديد السلم والأمن العالميين ما يحتم تدخل المنظمة"، مضيفاً أن "الحرب الدائرة في غزة يهدد استمرارها بتصعيد قد يورط أطرافاً عديدة فيها مثل إيران وأميركا، وتصبح أرواح الجنود الأميركيين الأربعين ألفاً في الشرق الأوسط، والمصالح الأميركية هناك، في خطر محدق". 

عمار فايد: ستأتي لحظة يضطر فيها الفلسطينيون إلى اقتحام الحدود أو الهجرة عبر البحر

وشدّد على أن "الولايات المتحدة تحتاج إلى حماية مصالحها الإقليمية والدولية، وبالتالي العودة إلى تأييد وتمكين حل الدولتين بشكل عملي، ولا يمكن لأي إدارة مقبلة تغييره، ويمكن أن يتم ذلك بالسماح بصدور قرار من مجلس الأمن بقبول منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، على الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967، على أن يتم الاتفاق على الحدود وتبادل الأراضي وترتيبات الأمن بين الدولتين، خلال سنتين، تمتنع إسرائيل خلالها من التوسع في المستوطنات، وتمتنع الفصائل الفلسطينية عن الدعوة لأي عنف ضد إسرائيل. ويمكن أن يتضمن قرار مجلس الأمن هذه المعايير التي سبق للمعتدلين من الجانبين الموافقة عليها".

"حل الدولتين"... فكرة لم تعد صالحة

في مقابل ذلك، رأى محللون سياسيون وخبراء، أن فكرة قيام الدولة الفلسطينية في الوقت الحالي، أصبحت "غير واقعية".

وقال الباحث في العلوم السياسية، الدكتور عمار فايد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الحديث عن دولة فلسطينية الآن، هروب من التعامل مع المشكلة الأساسية وهي الحرب"، مؤكداً أن "الهدف الأساسي والمطلوب الآن، هو وقف الحرب".

وأضاف فايد أن "الهدف الأساسي بالنسبة لمصر في هذه المرحلة، هو التصدي لمخطط التهجير الذي لا يزال قائماً وغير مستبعد على الإطلاق، لأن كل الظروف الحالية في القطاع، تشير إلى أن التهجير سيحدث حتى لو بحكم الأمر الواقع، لأن الناس في القطاع لن تتحمل فترة طويلة من غياب كل الخدمات الأساسية مع استمرار القصف نفسه". ورأى أنه "ستأتي لحظة يضطر فيها الفلسطينيون إلى اقتحام الحدود أو الهجرة عبر البحر، وهذا هو المخطط الذي تسير فيه إسرائيل، وهذا لن يعطله إذا كان هناك اعتراف عربي بدولة فلسطينية أم لا، لأن هذا المقترح مرتبط بالحل النهائي للقضية الفلسطينية، لكنه لن يؤثر على الحرب الحالية".

وتابع فايد: "من جهة أخرى، فإن حل الدولتين نفسه لم يعد هناك أحد مقتنع بأنه أصبح ممكناً في الظروف الحالية، بمن فيهم الأميركيون والدول الأوروبية التي لا تزال تقول إنها تدعم حل الدولتين، لأن إسرائيل، وخصوصاً في ظل الحكومة الحالية، والتي لا يتوقع حتى بعد الحرب أن تأتي حكومة تختلف عن توجهاتها الرئيسية باعتبار أن المجتمع الإسرائيلي كله ينحو نحو اليمين، لن تتخلى عن المشاريع الاستيطانية ومخططات ضمّ الضفة الغربية بحكم الأمر الواقع، كما لن تتخلى عن وضع القدس، وبالتالي ستكون الدولة الفلسطينية عملياً حلاً غير ممكن، والدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة ليست معنية أو مهتمة أصلاً بممارسة ضغوط حقيقية على إسرائيل من أجل تطبيق حل الدولتين وتنفيذ القرارات الدولية أو أي شيء من هذا القبيل".

حسن خريشة: السيناريوهات المطروحة ليست دولة فلسطينية ولا حل الدولتين بل إنهاء القضية الفلسطينية

وبالتالي برأيه، فإن كل ذلك "هو هروب إلى الأمام من الحرب الحالية، ومن مسؤولية الدول العربية تجاه إيقاف الحرب، وتجاه دعم الشعب الفلسطيني في غزة، وتجاه التصدي لمخططات إسرائيل تجاه القطاع، وبالتالي فهي خطوة (دعائية) لا أكثر ولا أقل، لأنها أيضاً في النهاية تصطدم بالفيتو الأميركي في مجلس الأمن، وستظل خطوة رمزية ليس لها مردود فعلي".

كسب الوقت لمزيد من تدمير غزة

من جهته، يقول النائب الثاني لرئيس المجلس التشريعي الفلسطيني "المنحل"، حسن خريشة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "قضية حل الدولتين مشروع أميركي في الأساس، تبناه جورج بوش الابن قبل 20 عاماً تقريباً، وكان بمثابة ذر للرماد في العيون". واعتبر أن "الإسرائيليين عبر (رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين) نتنياهو وكل أركان حكومته الحالية والسابقة، قالوا إنه لا دولة واحدة ولا دولتين ولا حتى أوسلو، وبالتالي قضية الدولة مستبعدة بالنسبة للإسرائيليين، بشكل كبير ودائم".

وأضاف خريشة: "اليوم هناك حقائق كبيرة فرضت في الساحة الفلسطينية وفي العالم وتحديداً بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهذه السابقة التي سجلها الفلسطينيون في معركة طوفان الأقصى، بالإضافة إلى ما يجري من مجازر في قطاع غزة، ومع ذلك لم يستطع الإسرائيليون أن يحققوا أي هدف من الأهداف المعلنة، والمقاومة لا تزال قادرة على مقاومة الاحتلال وضرب عمق الكيان بالصواريخ،

ويعتقد الإسرائيليون أنهم يريدون تحطيم هذه الماكينة وإنهاء حركة حماس سواء كان عسكريا أو سياسيا".
وتابع خريشة: "بالتالي أعتقد أن الأمور تغيرت كثيراً وكل الذي يقال عن حل الدولتين هو لمجرد كسب وقت للإسرائيليين لمزيد من التدمير، الإدارة الأميركية والغرب والإسرائيليون، ليسوا جديين أصلا، ونحن ندرك تماماً أن هذه الأمر لم يعد ممكناً تماماً كما كان في ظروف أخرى".

وشدّد السياسي الفلسطيني على أن "المخطط الأكبر هو التهجير القسري كما يقول الإسرائيليون، أو (فتح ممرات إنسانية) كما يقول الأميركيون، ولكنها في الأساس قضية تهجير، كما حدث في شمالي غزة، والآن في الجنوب الذي يتم ضربه بعنف".
ورأى أن الأمور تتجه وفق ذلك، في اتجاه تصعيدي أكثر، لافتاً إلى أن "العمل يجري بشكل حثيث على تهجير أهلنا من قطاع غزة ليصبح كل القطاع خالياً من الوجود الفلسطيني لتسهل إدارة غزة، وبالتالي السيناريوهات المطروحة ليست دولة فلسطينية ولا حل الدولتين بل إنهاء القضية الفلسطينية". وشدّد على أن "مع صمود أهلنا في غزة والدعم العربي نستطيع أن نقول إن الشعب الفلسطيني سيبقى في أرضه".

تقارير عربية
التحديثات الحية
المساهمون