في أول تعليق منه على وفاة مهسا أميني والاحتجاجات التي فجّرتها الحادثة، قال المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، اليوم الإثنين، إن "وفاة فتاة شابة أحزنتنا وأحرقت فؤادنا"، معتبراً أن الاحتجاجات على الحادثة منذ السابع عشر من الشهر الماضي "كانت مدبرة ومخططاً لها".
وانتقد خامنئي الحملات ضد الشرطة والقوات المسلحة الإيرانية، داعياً شخصيات إيرانية سمّاها "خواص"، إلى تدارك ما فعلته تعليقاً على حادثة وفاة أميني، واتهاماتها للشرطة والنظام، مع القول إن مواقفها، إلى جانب "تخطيط العدو"، أطلقا "الشغب" في إيران.
وأضاف خامنئي، خلال كلمة له في حفل تخريج في جامعة "الإمام الحسن" العسكرية في طهران، أن حادث وفاة الشابة مهسا أميني "كان مريراً وأحرق قلوبنا"، قائلاً إن "ردة الفعل هذه لم يكن ينبغي أن تكون عبر نزول مجموعة أشخاص إلى الشوارع لزعزعة الأمن، وأن يخلّوا بأمن الناس، وحرق المصحف، والاعتداء على المساجد والحسينيات والمحجبات"، حسب ما أورده الموقع الإعلامي لمكتبه.
واتهم المرشد الإيراني، الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي بالوقوف وراء الاحتجاجات في إيران، إذ قال: "أعلن بشكل صريح أن أعمال الشغب هذه كانت بتخطيط أميركا والكيان الصهيوني المزور وعملائهم، وبعض الإيرانيين الخونة في الخارج ساعدوهم".
وأضاف: "لو لم تكن حادثة وفاة هذه الشابة، لوفروا ذريعة أخرى لإحداث الشغب هذا العام"، متهماً البعض في داخل إيران بأنه "يستخدم أنواع التحليلات والمغالطات للقول إن الأجانب لا يقفون وراء أعمال الشغب"، مضيفاً أن هؤلاء "يبدون حساسية عندما يقال إن حادثاً ما مدبّر ومخطط من قبل العدو".
واتهم خامنئي هؤلاء في إيران بالدفاع عن منظمة "سي أي إيه" الأميركية والموساد الإسرائيلي، قائلاً إن "أعمال شغب كثيرة تحدث في العالم، وخصوصاً في أوروبا، وبالذات في فرنسا التي تشهد بين حين وآخر أعمال شغب كبيرة"، متسائلاً: "هل سبق أن أصدر الرئيس الأميركي ومجلس النواب الأميركي بياناً لدعم مثيري الشغب في فرنسا؟"، مضيفاً أن ذلك يحدث مع إيران، متهماً إياهم بدعم "الشغب" في بلاده.
وتعليقاً على دعم مشاهير إيرانيين في المجالات الفنية والسينمائية والرياضية، الاحتجاجات، قال المرشد الإيراني إن "الوسط الفني والرياضي سليم، وعناصره المؤمنة والشريفة ليست قلة، أمّا اتخاذ عدد من الأشخاص مواقف فهذا ليس له قيمة".
واتهم خامنئي الفنانين والرياضيين الإيرانيين الداعمين للاحتجاجات بأنهم "أثلجوا صدر العدو بمواقفهم هذه"، لكنه قال إن الوسط الفني والرياضي الإيراني "لن يتلوث بهذه المواقف".
علماً أن العديد من المشاهير الإيرانيين من الفنانين والرياضيين أعلنوا خلال الأسبوعين الأخيرين دعمهم الاحتجاجات في إيران ومطالب المحتجين، مما عرّضهم لهجمات متواصلة واتهامات مستمرة بالسعي لـ"إثارة الشغب" في إيران.
وخلال الأيام الأخيرة، اعتقلت السلطات الإيرانية عدداً من لاعبي كرة القدم والفنانين، مع استدعاء الأجهزة الأمنية عدداً آخر منهم للتحقيق بشأن مواقفهم التي تقول السلطات الإيرانية إنها أجّجت "الشغب" في البلاد، في إشارة إلى الاحتجاجات.
وأكد المرشد الإيراني الأعلى أن الشعب الإيراني "ظهر قوياً" في الحوادث الأخيرة، مضيفاً أنه سيواجه مستقبلاً "أي محاولة للعدو" ضد البلاد.
وتابع خامنئي مهاجمته الغرب، قائلاً إن "العدو يخطئ في حساباته حول شمال غرب (المنطقة الكردية) وجنوب شرقي (المنطقة البلوشية) البلاد"، مؤكداً أن "مخططاتهم لن تنجح" في هذه المناطق الإيرانية، مشيراً إلى أن البلوش والأكراد مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وتطرق المرشد الإيراني إلى الانتقادات والحملة ضد الشرطة الإيرانية، قائلاً إن "إضعاف الشرطة يعني تقوية المجرمين"، لافتاً إلى أن إضعاف القوات المسلحة سيضعف أمن البلاد، ومن يعتدي على مركز للشرطة أو قاعدة للباسيج أو يطعن في تصريحاته الجيش أو الحرس، فإنه قد هاجم أمن البلاد.
وانتقد خامنئي تصريحات شخصيات سياسية إيرانية بشأن حادثة وفاة مهسا أميني، إذ قال إن "بعض الخواص أصدروا في بادئ الأمر، من دون تحقيق، بيانات أو أدلوا بتصريحات، وربما من منطلق الحرص"، مضيفاً أن بعضهم "اتهم جهاز الأمن الداخلي (الشرطة) والبعض الآخر اتهم النظام".
ودعا هؤلاء السياسيين إلى تصحيح مواقفهم، إذ قال إن "نتيجة تصريحاتهم، مع تخطيط العدو، سبّبت تلك الحوادث في الشوارع، فعليهم تدارك فعلتهم، والإعلان بشكل صريح أنهم يعارضون ما حدث وما يخطط له العدو الأجنبي"، على حدّ وصفه.
تجمّعات طلابية مستمرة
إلى ذلك، انتقل زخم الاحتجاجات إلى الجامعات بعد تراجعها في الشارع، حيث باتت ساحات العديد من الجامعات الإيرانية تشهد احتجاجات، مع بدء العام الدراسي الجديد، بعد أسبوع من الدوام الافتراضي والعودة إلى الدوام الحضوري، وذلك بعد تجمّعات متعددة، خلال الأسبوع الماضي، أدت إلى اعتقال العديد من الطلبة.
وشهدت جامعة "الشريف" للصناعة، (من أشهر الجامعات الإيرانية)، الليلة الماضية، حوادث ساخنة، على خلفية اقتحام قوات الأمن ساحة الجامعة والاشتباك مع الطلاب، وقمع تحرّكهم الاحتجاجي، واعتقال أكثر من ثلاثين طالباً، حسب رواية الكتلة الإسلامية الطلابية الإصلاحية بالجامعة، والتي علقت اليوم الإثنين على حوادث، مساء الأحد، فيها بوصفها بأنها "وصمة عار"، مع اعتبار الأحد "يوماً دموياً".
وكان عدد من طلاب جامعة "الشريف" قد تجمعوا أمس الأحد، أمام بوابة الجامعة، وسط ترديد هتافات سياسية حادة، ثم دخلوا ساحة الجامعة بالتزامن مع حضور مكثف من قوات الأمن والشرطة على بوابة الجامعة.
وانتشرت مقاطع مصورة عن وصول مواطنين إيرانيين إلى الجامعة، مع انتشار الأنباء على شبكات التواصل، الليلة الماضية، عن محاصرة الطلاب داخل الجامعة، وتعرّضهم للعنف، فضلاً عن أنباء بتوجه بعض أسر الطلاب إلى الجامعة للاطلاع على أوضاع أبنائهم.
متحدث باسم وزارة العلوم وتقنية المعلومات الإيرانية، تعليقاً على حوادث جامعة "الشريف": "الهتافات التي رُفعت خلال التجمّع كانت عجيبة ومتطرفة".
كما حضر وزير العلوم وتقنية المعلومات الإيراني، محمد علي زلفي غل، إلى الجامعة، وتحدث مع الطلاب المجتمعين، لتهدئة الوضع وإخراج الطلاب من الجامعة بسيارات خاصة. وفيما أكدت وكالات أنباء رسمية الليلة الماضية، أن الطلاب خرجوا من الجامعة، أظهرت مقاطع مصورة تعرّضهم للعنف والضرب داخل الجامعة، مع حديث تكتلات طلابية عن اعتقال العديد منهم.
ولم يتسنَ لـ"العربي الجديد" التأكد من صحة هذه المقاطع. وتقول الكتلة الإسلامية الطلابية إن قوات الأمن المتنكّرة بالزي المدني كانت مستقرة داخل مبنى مصف السيارات داخل ساحة الجامعة، وأنها واجهت بـ"عنف شديد" الطلبة الساعين إلى الخروج من الجامعة من الأبواب الخلفية، متهمة قوات الأمن بـ"قمع" الطلاب وضربهم وإصابة العديد منهم برصاصات مطاطية وخردق والغاز المسيل للدموع.
وقالت الكتلة الإسلامية الطلابية بجامعة "الشريف" للصناعة، اليوم الإثنين، في بيان شديد اللهجة، إن ما حصل كان "وفق سيناريو مخطط لإسكات أصوات الطلاب المحتجين"، داعية الطلاب وأساتذة الجامعة إلى تجنّب الدوام حضورياً أو افتراضياً، قبل تلبية المطالب المتمثلة في الإفراج عن جميع الطلاب المعتقلين، والاعتذار الرسمي، والتعويض عن الخسائر.
تتحدث وسائل إعلامية إيرانية رسمية، عن أن عدد القتلى في الاحتجاجات وصل إلى نحو 45 قتيلاً من بينهم عناصر بالأمن والشرطة و"الباسيج" التابع للحرس الثوري.
كما دعت الكتلة الإسلامية الطلابية، الطلاب وأساتذة الجامعات في أنحاء إيران إلى تعطيل الدراسة تضامناً مع طلاب جامعة "الشريف".
كذلك، علقت كتلة "الباسيج" الطلابية بجامعة "الشريف" على حوادث الجامعة بالإعلان عن "دهشتها" مما حصل، منتقدة بشدة ما قالت إنه "الدخول غير المسؤول" لقوات الأمن إلى ساحة الجامعة، وسلوكها "غير المنطقي" مع الطلبة المحتجين، مع انتقادها أيضاً إطلاق "هتافات منتهكة للحرمات وغير أخلاقية" خلال التجمع الطلابي.
وأثارت حوادث جامعة "الشريف" انتقادات واسعة على شبكات التواصل، وتعليقات غاضبة من وجوه فنية ورياضية، فضلاً عن خروج الطلاب في عدد من جامعات إيران، اليوم الإثنين، في تجمّعات للاحتجاج على ما حصل في "الشريف".
واليوم الإثنين، علق المتحدث باسم وزارة العلوم وتقنية المعلومات الإيرانية، علي شمسي بور، على حوادث جامعة "الشريف"، بنسبها إلى "تخطيط من الخارج"، وفق وكالة "إرنا" الرسمية، التي نقلت عن شمسي بور قوله إن "الهتافات التي رُفعت خلال التجمّع كانت عجيبة ومتطرفة".
ونفى المتحدث الإيراني، دخول قوات الأمن ساحة الجامعة، معلقاً على الفيديوهات حول معاملة الطلاب بعنف في مصف السيارات، قائلاً إن هذا المكان "ليس للجامعة، وهو مصف عام، ويمكن ألا يكون هؤلاء طلاب"، حسب قوله.
تحذيرات واستدعاءات أمنية
وواصلت السلطات الإيرانية، اليوم الإثنين، تحذيراتها للمشاهير الإيرانيين من استخدامهم الفضاء الافتراضي لـ"الحث على الشغب"، في الإشارة إلى الاحتجاجات، إذ حذر رئيس السلطة القضائية غلام حسين إيجئي من أن يساهم ذلك في تأجيج "أعمال الشغب" عبر منشورات على الصفحات الافتراضية، قائلاً إنه "لن يقبل منهم أي عذر".
كما أكد إيجئي أن السلطة القضائية "ستوظف كل جهدها للبت في ملفات المتورطين في قتل وضرب وجرح القوات العسكرية والأمنية والشرطية والباسيج خلال أعمال الشغب الأخيرة في أقرب وقت"، متوعداً بـ"معاقبتهم القانونية" على هذه الأفعال.
ولم تعلن السلطات الإيرانية بعد أرقام القتلى والمصابين والمعتقلين بالاحتجاجات الأخيرة المستمرة منذ السابع عشر من الشهر الماضي على وفاة الشابة مهسا أميني، بعد أيام من احتجازها، لكن وسائل إعلامية إيرانية رسمية، تتحدث عن نحو 45 قتيلاً، من بينهم عناصر بالأمن والشرطة و"الباسيج" التابع للحرس الثوري.
وحسب إعلانات متفرّقة من محافظات عدة، رصدها "العربي الجديد"، فإن أكثر من 15 عنصراً بالأمن والشرطة والحرس قُتلوا خلال الاحتجاجات الأخيرة، وكان أبرز القتلى قائد استخبارات الحرس الثوري في مدينة زاهدان العميد حميد رضا هاشمي، وقائد وحدة الإسناد في الشرطة بمدينة مريوان بمحافظة كردستان، العقيد الثاني داود عبداللهي.
كذلك، ذكرت منظمة "حقوق الإنسان في إيران" ومقرها في أوسلو، أمس الأحد، أن عدد قتلى الاحتجاجات في إيران بلغ 133 شخصاً.
وتميزت الاحتجاجات الأخيرة في إيران، بانخراط العديد من الفنانين والرياضيين الإيرانيين، عبر دعمها من خلال منشورات على الفضاء الافتراضي، في مقدمتهم اللاعب الإيراني المعروف علي كريمي الذي يقيم حالياً في الخارج، وتتهمه السلطات ووكالات الأنباء الرسمية وشبه الرسمية بحث المواطنين على "الشغب"، في إشارة إلى تعليقاته على الحوادث الجارية والاحتجاجات.
وبعد اعتقال عدد من الفنانين والرياضيين، خلال الأيام الأخيرة، بتهمة إثارة الشغب وتأجيج الشارع على التظاهر و"الإخلال بالأمن العام"، راجت أنباء غير رسمية، خلال الساعات الأخيرة في الفضاء الافتراضي الإيراني بشأن استدعاء الأجهزة الأمنية الإيرانية، عدداً من الوجوه الرياضية المعروفة في كرة القدم للتحقيق معهم بشأن "تحريضهم على الشغب"، من خلال منشوراتهم الداعمة للاحتجاجات.