حوارات حول مخططات إسرائيل في الضفة الغربية 1| عن توسيع سلطة الإدارة المدنية

07 سبتمبر 2024
الباحث وليد حباس يعرض ورقة في المنتدى السنوي لفلسطين بالدوحة (إكس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تصعيد الأحداث في الضفة الغربية وخطط الضم الإسرائيلية**: تتسارع الأحداث في الضفة الغربية منذ الحرب على غزة في أكتوبر 2023، مع خطط إسرائيلية لضم أجزاء من المنطقة بشكل غير معلن.

- **نقل الصلاحيات القانونية وتأثيرها على الاستيطان**: نقلت إسرائيل صلاحيات قانونية من الجيش إلى الإدارة المدنية، مما يعزز سيطرة المستوطنين ويقلل الرقابة العسكرية، ويهدف إلى دمج المستوطنات في الدولة الإسرائيلية.

- **التحولات في نمط الاستيطان وأهداف الضم**: توسعت المستوطنات وشرعنت البؤر غير القانونية، مما يعكس استراتيجية لدمج المستوطنات في النظام الإسرائيلي، ويعقد أي محاولة لفصلها في المستقبل.

تتسارع الأحداث بصورة لافتة في الضفة الغربية المحتلة منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وحتى قبلها بأشهر قليلة، في وقت يبدو فيه أن إسرائيل تخطط لضمّ أجزاء من المنطقة، ولو بصورة غير معلنة وغير رسمية، وهو ما يتضح بشكل جليّ في مخططات وزير المالية الإسرائيلي والوزير الثاني في وزارة الأمن بتسلئيل سموتريتش، الذي عمل على نقل صلاحيات قانونية كبيرة من سلطة جيش الاحتلال إلى سلطة الإدارة المدنية العاملة تحت أمرته في الضفة الغربية. ومع موافقة الحكومة الإسرائيلية على سحب صلاحيات الإنفاذ من السلطة الفلسطينية في بعض المناطق المصنفة بحسب اتفاقية أوسلو مناطقَ "ب" (في صحراء القدس)، يبدو أن الوضع الراهن، الذي تغير أصلاً بشكل كبير بعد الحرب على غزة، قد يتجه إلى مزيد من التصعيد والاستيطان وسيطرة المستوطنين، وربما الضمّ.

في محاولة لتفسير تلك التحولات في السياسات الإسرائيلية تجاه الضفة الغربية، وفهم مكانتها الدينية بالنسبة لإسرائيل، وكذا التحولات في شكل السيطرة الأمنية عليها، نستضيف في هذا الملف باحثين مختصين في الشأن الإسرائيلي، لفهم كل تلك التحولات في ظل الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة.


 

يجري "العربي الجديد" هذا الحوار مع وليد حباس الباحث في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)، في محاولة لفهم التطورات التي تجري في ملف الاستيطان في الضفة الغربية منذ بداية العام 2023، وبالتحديد في أعقاب بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. تشمل هذه التطورات إعلان إسرائيل نقل الصلاحيات الإدارية على المناطق "ج" من سلطة الجيش إلى سلطة مدنية مكونة من قادة الاستيطان التوراتيين، إضافة الى الدفع قدماً، وبشكل حثيث، باتجاه الضمّ القانوني وفرض السيادة الإسرائيلية على المناطق "ج"، وصولاً إلى نظام الحدود الذي تستخدمه إسرائيل لضبط المناطق التي تحتلها.

  • س: كيف نفهم إعلان الحكومة الإسرائيلية سحب صلاحيات الإنفاذ من السلطة الفلسطينية في مناطق "ب"؟  

ج: القرار الحكومي، الذي أكده أمر عسكري إسرائيلي وحوله إلى قرار نافذ، يشير إلى تمكين إسرائيل من فرض سلطة الهدم في المنطقة "ب"، وهو قرار يعتبر تصعيدًا كبيرًا في السيطرة الإسرائيلية على المناطق الخاضعة للإدارة الفلسطينية. وفقًا لاتفاقات أوسلو، وتحديدًا اتفاقيات "واي ريفير" للعام 1998، فإن المنطقة "ب" (وتشكل حوالي 22% من الضفة الغربية)، تخضع للإدارة المدنية الفلسطينية ولكنها تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية. والمنطقة "ب" تشكل أرخبيلا من المناطق المبعثرة في كل أنحاء الضفة الغربية، وواحدة من هذه المناطق هي صحراء القدس التي تعتبرها إسرائيل محمية طبيعية ومنعت الفلسطينيين من البناء عليها على الرغم من أنها صنفت أراضي "ب"- أي تحت الصلاحية الإدارية للفلسطينيين (يشمل التخطيط، والبناء، والترخيص). بموجب هذه السياسات الجديدة، وسعت السلطات الإسرائيلية ولايتها لتشمل هدم المباني الفلسطينية في المنطقة "ب". وتندرج هذه الخطوة في إطار ما تسميه إسرائيل مخاوف "الأمن القومي" ولكنها تهدف في المقام الأول إلى كبح التنمية الفلسطينية وترسيخ السيطرة الإسرائيلية على المناطق الاستراتيجية. 

لفهم خطوة الحكومة الإسرائيلية، يجب وضعها في سياق أوسع يرتبط بالتطورات الجارية في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، لا سيما في ظل الحرب المستمرة على قطاع غزة. يمكن النظر إلى هذه الخطوة باعتبارها جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى إعادة رسم حدود السيطرة الإسرائيلية في الضفة الغربية. علاوة على ذلك، يمكن تفسير هذه الخطوة في ضوء العقيدة السياسية للحكومة الحالية، التي تتبنى رؤية أوسع للضم التدريجي لمناطق الضفة الغربية، من خلال إجراءات على الأرض تهدف إلى تقويض أي إمكانية مستقبلية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

  • س: ما هي أسباب وتداعيات إعلان نقل صلاحيات قانونية من الجيش الإسرائيلي إلى الإدارة المدنية في الضفة الغربية؟  

ج: إن نقل الصلاحيات القانونية من الجيش الإسرائيلي إلى الإدارة المدنية في الضفة الغربية هو تحول استراتيجي متجذر بعمق في جدول الأعمال الأوسع للحكومة الإسرائيلية الـ37 (تشكّلت برئاسة بنيامين نتنياهو في 29 كانون الأول 2022). يسعى هذا التحول في المقام الأول إلى "التطبيع مع" وإضفاء الطابع المدني على حكم المستوطنات الإسرائيلية، ودمج هذه المستوطنات بشكل كامل في جهاز الدولة الإسرائيلية. ومن خلال نقل السيطرة من السلطات العسكرية إلى السلطات المدنية، تهدف الحكومة الإسرائيلية إلى طمس الخطوط الفاصلة بين الأراضي المحتلة وإسرائيل ذات السيادة، والتحرك نحو سيادة فعلية على الضفة الغربية، لا سيما في المنطقة "ج". وقد تعزز نفوذ حركة المستوطنين داخل الحكومة الإسرائيلية بشكل كبير من خلال هذا النقل، حيث تسيطر شخصيات رئيسية مثل بتسلئيل سموتريتش الآن بشكل مباشر على السياسات التي تؤثر على مجتمعات المستوطنين. ويمثل هذا "انتصارًا" أيديولوجيًا كبيرًا للمستوطنين، الذين طالما دعوا إلى تقليص دور الجيش في حكمهم لصالح إدارة مدنية أكثر انسجامًا مع مصالحهم. 

وليد حباس: إدارة إسرائيل للحدود مع الضفة الغربية تتميز بالتعقيد والتناقض، حيث تُمثل هذه الحدود في الوقت ذاته حاجزًا ماديًا وأداة سياسية واقتصادية للتحكم في السكان الفلسطينيين

 

وعلاوة على ذلك، فإن هذا النقل هو أيضًا محاولة متعمدة للتحايل على القيود القانونية التي يفرضها القانون الدولي على الجيش الإسرائيلي كونه قوة احتلال. وبنقل هذه السلطات إلى هيئة مدنية، تنأى إسرائيل بنفسها عن المسؤوليات والقيود المرتبطة بالاحتلال العسكري بموجب القانون الدولي، لا سيما قواعد لاهاي واتفاقية جنيف الرابعة. وتسمح هذه المناورة بقدر أكبر من المرونة في تنفيذ السياسات التي تفضل التوسع الاستيطاني وضم الأراضي المحتلة. 

إن تداعيات هذا النقل عميقة ومتعددة الأوجه. إن تآكل الرقابة العسكرية يقلل من الضوابط التي كانت موجودة سابقًا في ظل الحكم العسكري، لا سيما بالنظر إلى التدقيق الدولي الذي غالبًا ما كان يضغط على الجيش لممارسة ضبط النفس أمام الحشد التوراتي في التوسع على أراضي الضفة الغربية. ومن المتوقع أن تعمل الإدارة المدنية "الجديدة" (وقد أصبحت بالفعل "مدنية" في بداية العام 2023)، التي تخضع الآن لنفوذ المستوطنين، مع إيلاء قدر أقل من الاهتمام بالمعايير الدولية، ما يؤدي على الأرجح إلى التوسع الاستيطاني والمزيد من مصادرة الأراضي الفلسطينية. ومن المرجح أن يزداد النمط الموثق لعدم إنفاذ القوانين ضد أنشطة المستوطنين غير القانونية، إلى جانب الإنفاذ القاسي ضد الفلسطينيين، ما قد يؤدي إلى تصاعد التوترات وإرهاب المستوطنين بسبب قوتهم السياسية وانعدام المساءلة. 

ويمثل هذا النقل أيضًا انحرافًا كبيرًا عن اتفاقات أوسلو، التي حددت مناطق محددة للسيطرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. ومن خلال توسيع الولاية القضائية الإسرائيلية إلى المنطقة "ب"، حيث من المفترض أن تسيطر السلطة الفلسطينية إدارياً، تقوّض إسرائيل الاتفاقات التي شكّلت العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية منذ العام 1995 (توقيع اتفاق أوسلو 2). هذا التآكل في هياكل الحكم الفلسطيني ينهي كل احتمالات التوصل إلى حل الدولتين عن طريق التفاوض. وعلى الصعيد الدولي، من المرجح أن تؤدي هذه الخطوة إلى تفاقم العزلة السياسية لإسرائيل، لأنها تتجاهل علنا المعايير القانونية الدولية. ومن المرجح أن ينظر إلى نقل السلطات إلى إدارة مدنية تعطي الأولوية لمصالح المستوطنين على أنه عمل من أعمال الضم الفعلي، ما يدعو إلى مزيد من الإدانة الدولية ويحتمل أن يؤدي إلى تحديات قانونية في المحافل العالمية. وقد يؤدي ذلك أيضًا إلى توتر علاقات إسرائيل مع الحلفاء الرئيسيين الذين يدعمون عملية السلام التفاوضية. باختصار، إن نقل صلاحيات قانونية من الجيش الإسرائيلي إلى الإدارة المدنية هو خطوة محسوبة لتطبيع المستوطنات، وتعزيز سلطة المستوطنين، وتجنب القانون الدولي، لكنه يجلب معه مخاطر كبيرة من زيادة إرهاب المستوطنين والتحديات القانونية وانغلاق الآفاق السياسية أمام القيادة الفلسطينية. 

  • س: ما هي أبرز ملامح التحول في نمط الاستيطان في الضفة الغربية؟  

ج: شهدت الضفة الغربية تحولًا جذريًا في نمط الاستيطان خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد حرب غزة الأخيرة. هذا التحول لم يكن وليد الصدفة، بل نتاج عملية ممنهجة ومدعومة أيديولوجيًا من قبل الحكومة الإسرائيلية واللوبي الاستيطاني بهدف تغيير الواقع الديموغرافي والجغرافي في المنطقة. تمثلت أبرز ملامح هذا التحول في الانتقال من بناء مستوطنات صغيرة ومتفرقة إلى توسيع المستوطنات القائمة وشرعنة البؤر الاستيطانية التي كانت تعتبر غير قانونية حتى بموجب القانون الإسرائيلي. 

منذ اتفاقيات أوسلو، شهدت الضفة الغربية أكبر عملية توسع استيطاني، حيث أُنشئت 26 بؤرة استيطانية جديدة في عام واحد فقط، كما صودِق على تحويل 15 بؤرة استيطانية إلى مستوطنة رسمية. هذا التوسع يعكس تغيرًا استراتيجيًا في طبيعة وأهداف المشروع الاستيطاني، حيث يسعى الآن إلى خلق تواصل جغرافي بين المستوطنات وربطها بالبنية التحتية الإسرائيلية. 

في هذا السياق، تولى المستوطنون أدوارًا جديدة ومسؤوليات أكبر ضمن البنية الحكومية الإسرائيلية، وخاصة في إدارة الضفة الغربية. تمثل هذا في تولي شخصيات مثل بتسلئيل سموتريتش، أحد قادة التيار الحردلي السفلي داخل الصهيونية الدينية، مسؤوليات داخل الإدارة المدنية التي أصبحت الآن تحت سيطرة مباشرة للمستوطنين. سموتريتش وأعوانه دفعوا نحو شرعنة العديد من البؤر الاستيطانية غير القانونية، وسعوا إلى زيادة الوجود الإسرائيلي من خلال مشاريع البنية التحتية الواسعة. ومن بين هذه المشاريع تخصيص 25% من ميزانية وزارة المواصلات لتطوير البنية التحتية الاستيطانية في الضفة الغربية. 

وليد حباس: شهدت الضفة الغربية تحولًا جذريًا في نمط الاستيطان خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد حرب غزة الأخيرة

أحد التطورات المهمة في هذا الإطار هو إنشاء "مديرية الاستيطان" التي أصبحت الهيئة الحكومية التي تدير جميع جوانب الحياة في المستوطنات بالضفة الغربية. يتولى قيادة المديرية يهودا إلياهو، وهو من سكان مستوطنة حرشة المتطرفة، وقد شغل سابقًا منصب مدير المجلس الإقليمي في منطقة بنيامين. جرى تخصيص 23 منصبًا إضافيًا لقوة العمل في المديرية، التي يبلغ عدد موظفيها الآن 200 شخص. هذه المديرية لا تعمل بمعزل عن الحكومة، بل هي جزء أساسي من وزارة الجيش، وتُعتبر بمثابة وزارة مستقلة تحت قيادة سموتريتش. 

التحول في نمط الاستيطان لا يعكس فقط توسعًا جغرافيًا، بل أيضًا إعادة هيكلة للمؤسسات الحكومية الإسرائيلية بما يخدم أهداف المشروع الاستيطاني. على سبيل المثال، نُقلت صلاحيات الإدارة المدنية التي كانت تحت إشراف الجيش الإسرائيلي إلى المديرية التي يديرها المستوطنون، ما يعني أن القرارات المتعلقة بالتخطيط والبناء الاستيطاني أصبحت الآن في أيدي المستوطنين بشكل كامل. عُيّن أيضًا نائب لرئيس الإدارة المدنية لشؤون الاستيطان، وهو هليل روت، الذي شغل سابقًا مناصب إدارية ومالية في المجلس الإقليمي لمستوطنات الضفة الغربية. 

هذه التحولات الكبيرة في بنية الإدارة والسيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية تعزز من تآكل الخط الأخضر، الذي كان يفصل بين إسرائيل والضفة الغربية، وتؤدي إلى تكريس سيطرة إسرائيلية أعمق وأوسع على الأرض. الخطط الجديدة، التي تتضمن توسيع نطاق تطبيق القانون الإسرائيلي في المستوطنات، تتزامن مع تقليص صلاحيات السلطة الفلسطينية، ما يعمق الأزمة ويزيد من تعقيد أي محاولات مستقبلية للتوصل إلى تسوية ضمن مفردات أوسلو. 

  • س: هل التحولات في شكل السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية مرتبطة بمتغيرات داخل الحكومة الإسرائيلية أم بمجريات حدثت على أرض الواقع؟  

ج: التحولات في شكل السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية مرتبطة بمجموعة من العوامل، منها المتغيرات الداخلية داخل الحكومة الإسرائيلية، وكذلك التطورات على أرض الواقع. من الناحية الداخلية، شهدت إسرائيل في السنوات الأخيرة صعود تيارات يمينية متطرفة تتبنى أيديولوجيات استيطانية توسعية، ما أدى إلى تغيير في السياسات الحكومية تجاه الضفة الغربية. هذه التيارات تسعى إلى تحويل السيطرة على الضفة الغربية من سيطرة عسكرية إلى سيطرة مدنية تديرها المجالس المحلية للمستوطنات والإدارة المدنية الجديدة.  

على أرض الواقع، تأتي هذه التحولات استجابةً لعدة عوامل، منها الضغط الدولي المتزايد على إسرائيل لوقف التوسع الاستيطاني، وكذلك ردود الفعل الفلسطينية والمقاومة المتزايدة للاستيطان. ومع ذلك، يبدو أن الحكومة الإسرائيلية تُفضل تعزيز الاستيطان وتوسيع السيطرة على الضفة الغربية وسيلةً لمواجهة هذه الضغوط. بالتالي، يمكن القول إن هذه التحولات ناتجة عن تفاعل بين المتغيرات الداخلية والسياسات الاستيطانية المدفوعة بأيديولوجيات متطرفة، وبين التطورات الميدانية التي تشكل رد فعل للسياسات الإسرائيلية.  

  • س: هل تطمح إسرائيل إلى ضمّ الضفة الغربية؟ وما هي أشكال الضمّ المطروحة؟  

ج: تُظهر السياسات الإسرائيلية الأخيرة طموحًا واضحًا نحو ضم الضفة الغربية، وإن كان هذا الطموح يتم بشكل غير معلن ورسمي. منذ عقود، كانت فكرة ضم الضفة الغربية مطروحة على طاولة النقاش السياسي الإسرائيلي، لكنها اتخذت أشكالًا مختلفة حسب التغيرات السياسية في الداخل الإسرائيلي والضغوط الدولية. خلال السنوات الأخيرة، تصاعدت هذه الطموحات بشكل ملحوظ، خاصة مع وصول أحزاب يمينية متطرفة إلى السلطة.  

الضم غير الرسمي، أو الضم الزاحف، هو الشكل الأكثر قبولًا في إسرائيل حاليًا. يتضمن هذا الشكل من الضم إجراءات تدريجية لدمج المستوطنات في النظام الإسرائيلي من خلال توسيع البنية التحتية، وفرض القانون الإسرائيلي على المستوطنين، ونقل صلاحيات من الجيش إلى الإدارة المدنية التي يديرها المستوطنون. هذه الإجراءات تهدف إلى تحويل المستوطنات إلى جزء لا يتجزأ من إسرائيل، ما يعقد أي محاولة لفصلها في المستقبل في إطار حل الدولتين.  

تُعد خطة الضم الرسمية التي طُرحت في سياق "صفقة القرن" عام 2020 إحدى المحاولات الأكثر وضوحًا لتجسيد هذه الطموحات، لكنها واجهت معارضة دولية ومحلية، ما أدى إلى تأجيلها. ومع ذلك، فإن السياسات الحالية للحكومة الإسرائيلية تُظهر نية لمواصلة الضم بشكل تدريجي، من دون الحاجة إلى إعلان رسمي، ما يتيح لها توسيع سيطرتها على الضفة الغربية من دون مواجهة ردود فعل دولية قوية.  

  • س: كيف تدير إسرائيل الحدود مع الضفة الغربية، وما تأثير الضم الرسمي على هذه الحدود؟  

ج: إدارة إسرائيل للحدود مع الضفة الغربية تتميز بالتعقيد والتناقض، حيث تُمثل هذه الحدود في الوقت ذاته حاجزًا ماديًا وأداة سياسية واقتصادية للتحكم في السكان الفلسطينيين. من الناحية الاقتصادية، تُحافظ إسرائيل على سيطرتها الكاملة على حركة البضائع والأشخاص بين الضفة الغربية وإسرائيل، ما يعزز من تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الإسرائيلي. هذا الوضع يُمكّن إسرائيل من فرض شروطها الاقتصادية والسياسية على الفلسطينيين، ويحد من قدرتهم على تطوير اقتصاد مستقل.  

وليد حباس: الضم غير الرسمي، أو الضم الزاحف، هو الشكل الأكثر قبولًا في إسرائيل حاليًا

سياسيًا، تُستخدم الحدود وسيلةً لتأكيد السيادة الإسرائيلية على الأرض، مع الإبقاء على الوضع القانوني غير الواضح للضفة الغربية أرضاً محتلة. الحدود هنا ليست مجرد خط جغرافي، بل هي أيضًا أداة لإدارة السكان والتحكم في الموارد، تُستخدم لتحقيق أهداف سياسية تتعلق بتعزيز الاستيطان وتقويض أي محاولة لإقامة دولة فلسطينية.  

في حال قررت إسرائيل تنفيذ ضم رسمي لمناطق من الضفة الغربية، من المرجح أن يتغير شكل هذه الحدود بشكل جذري. الضم الرسمي سيؤدي إلى دمج تلك المناطق بشكل كامل في إسرائيل، ما يعني أن الحدود الحالية ستتحول إلى "حدود داخلية" بين مناطق مختلفة من الدولة الإسرائيلية، مع استمرار سيطرة إسرائيل على ما تبقى من المناطق الفلسطينية. هذا التغيير سيعزز من واقع "الأبارتهايد" في الأراضي المحتلة، حيث ستُصبح المستوطنات الإسرائيلية جزءًا لا يتجزأ من إسرائيل، في حين يُترك الفلسطينيون في جيوب معزولة من دون سيطرة فعلية على مواردهم أو أراضيهم.  

في الختام، يمكن القول إن إدارةَ إسرائيل الحدود مع الضفة الغربية والضمَّ التدريجي أو الرسمي لمناطق منها يُعدان جزءًا من استراتيجية أكبر تهدف إلى فرض السيطرة الإسرائيلية الكاملة على الأرض، وتقويض أي فرصة لحل الدولتين. هذه الاستراتيجية تعتمد على مزيج من الوسائل العسكرية والقانونية والاقتصادية لتحقيق أهدافها، ما يُعقد الصراع ويزيد من صعوبة الوصول إلى تسوية عادلة.


نبذة عن وليد حباس

باحث في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، يركز عمله البحثي على منظومة الاحتلال في الضفة الغربية، مركبات المشروع الاستيطاني، والعلاقات الاقتصادية ما بين الضفة الغربية وإسرائيل. 

المساهمون