على الرغم من الانفتاح غير المسبوق تجاه الآخر الذي أبدته حركتا "حماس" و"فتح" خلال جولة الحوار، التي استضافتها مدينة إسطنبول التركية، والسعي للوصول إلى اتفاق سريع، فإن الشارع الفلسطيني يبدو منشغلاً بالأزمات والتحديات الاقتصادية والمعيشية وغير مهتم كثيراً بهذه الحوارات، إذ لم يتفاعل بشكل كبير مع ما نتج عنها.
ومردّ هذه اللامبالاة، شعور الفلسطينيين بالانكسار أكثر من مرة سابقاً أمام تعطل المصالحة، على الرغم من حاجتهم لها، وتمنياتهم أن تكون اليوم قبل الغد، لا سيما مع تسارع التطبيع العربي مع الاحتلال الإسرائيلي، وتزايد المؤشرات على وجود مشاريع تصفية للقضية الفلسطينية وإنهائها.
رأت القيادة أن المصالحة مدخل لترتيب البيت الفلسطيني
وأنتجت حوارات إسطنبول الفلسطينية مسودة اتفاق ستُعرض على اجتماع للأمناء العامين للفصائل في الثالث من الشهر المقبل لإقرارها والسير فيها. وتنص المسودة على الذهاب إلى انتخابات تشريعية تليها رئاسية، ومن ثم انتخابات مجلس وطني، وهي بنود ترتبط بإصلاح وترتيب البيت الفلسطيني الداخلي، بالتوازي مع العمل على إصلاح منظمة التحرير وضم حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" إليها.
ومن المقرر أن يدعو الرئيس محمود عباس إلى اجتماع للأمناء العامين للفصائل، في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، تمهيداً لإصدار مرسوم رئاسي يحدد مواعيد الانتخابات، التي من المفترض أن تنتج عنها حكومة "شراكة وطنية"، ستكون مهمتها الأساسية معالجة آثار الانقسام الداخلي.
ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي حسام الدجني أنّ هناك دوافع عديدة لما جرى من حوارات في تركيا، أولها وأهمها ما يجري في الإقليم من تسارع التطبيع، فالقراءة الأولى لهذا التطبيع ناتجة عن تقييم حالة الانقسام وفشل العملية السياسية، وكلها أسباب وعوامل دفعت وفق حجة المطبّعين للذهاب نحوه والتهرب من القضية الفلسطينية. ويوضح الدجني، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ القيادة الفلسطينية بكل ألوانها رأت أن المصالحة مدخل أساسي لترتيب البيت الفلسطيني، والانتخابات هي عنصر رئيسي في هذا الترتيب من أجل مواجهة التحديات، وترسخت لدى الجميع قناعة أنه لا يمكن لـ"فتح" وحدها و"حماس" وحدها أنّ تواجه كل هذه التحديات. ووفق الدجني، فإن اختيار إسطنبول للحوارات حمل رسالة سياسية من عباس لمصر، في ظل حالة الغضب من القاهرة نتيجة موقفها من إشهار التحالف الإماراتي والبحريني مع الاحتلال الإسرائيلي، وأيضاً في إفشال قرار مجلس جامعة الدول العربية الذي يدين هذا التطبيع.
اختيار إسطنبول للحوارات حمل رسالة سياسية من عباس لمصر
ومنذ أيام، وبالتزامن مع حوارات إسطنبول، تشهد وسائل الإعلام المصرية، والمدعومة من الإمارات في مصر، تجديداً للهجوم على حركة "حماس". وأضيف لهذه الحملة الهجوم على السلطة الفلسطينية وعباس. ويرى الدجنى أنّ عدم الاكتراث في الشارع الفلسطيني ناتج عن تجارب تاريخية سابقة، فهناك اتفاقات سابقة أكثر وصولاً للمصالحة، إضافة إلى حجم الانشغال في الشارع الفلسطيني بالقضايا الداخلية، كأزمة كورونا والأزمات الاقتصادية ونقص الرواتب وأزمة الحياة اليومية وأزمة التطبيع ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية.
ويوافقه الرأي، الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون، المقيم في تركيا، الذي يشير إلى أنّ الشارع الفلسطيني أصيب بإخفاقات كثيرة من قبل، ولم يعد لديه اهتمام بالموضوع السياسي، وغارق في التفاصيل الحياتية، وأولوياته تغيرت كثيراً مع اشتداد الأزمات الحياتية والاقتصادية. ويوضح المدهون، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه على الرغم من بوادر المصالحة إلا أنه لا يجب أن نرفع سقف التوقعات، لا سيما أنّ احتمال الوصول إلى مسار مسدود يبقى قائماً، محذّراً من أنّ أكبر عائق حاليا قد يعترض المصالحة هو العائق الخارجي، سواء كان إسرائيلياً أو عربياً أو أميركياً.
ووفق المدهون، فإن الواقع الفلسطيني بات جاهزاً للمصالحة وترتيب البيت الداخلي بشكل صحيح الآن أكثر من أي وقت مضى، موضحاً أنّ حوارات إسطنبول نجحت في أن تضيف إيجابيات جديدة في العلاقة بين حركتي "حماس" و"فتح". ويبينّ أنّ "الحوارات التي جرت في تركيا فلسطينية فلسطينية من دون أي تدخل خارجي، ولم تكن هناك أي هيمنة من أي من الأطراف أو القوى على الحوارات، وهي تأتي في ظل هجمة رفض للتطبيع من قبل السلطة وحماس والكل الفلسطيني. والآن نشهد وحدة موقف فلسطيني في ظل الظروف الحالية والتطبيع المنبوذ فلسطينياً، وكل ذلك ساعد إلى الوصول إلى هذه النتائج السريعة من الحوارات".
ويلفت إلى أنّ عباس معني بتجديد شرعيته وتعزيز حضوره، وحركة "حماس" كذلك معنية بترتيب البيت الفلسطيني والعمل على الوصول إلى شكل فلسطيني موحد يجمعها مع "فتح"، وأن تكون داخل النظام السياسي الفلسطيني. والجميع الآن يحتاج إلى هذه الوحدة والوصول إلى حالة من حالات العمل المشترك والمواجهة المشتركة، ولا مفر أمام الفلسطينيين الآن إلا إتمام هذه المصالحة والمضي بها حتى النهاية، وفق قوله.