تقوم السلطات الأمنية في مدينة السويداء جنوبيّ سورية، بحملة أمنية بحثاً عن مطلوبين بقضايا جنائية، فيما يرى سكان من المدينة أن ما تقوم به السلطات الأمنية مجرد استعراض، لكونها المساهم الاكبر في نشر الفوضى وتسهيل ارتكاب الجرائم.
وانتشر مساء الثلاثاء عدد من الدوريات الأمنية على مداخل السويداء، بشكل مفاجئ، بدأت بتفتيش السيارات الداخلة والخارجة من المدينة بحثاً عن 123 مطلوباً بقضايا جنائية، كما تدعي السلطات الأمنية.
وقال مصدر أمني، فضل عدم ذكر اسمه، في اتصال مع "العربي الجديد"، إن الرقم المعلن "لأشخاص مطلوبين بجرائم جنائية كالقتل والخطف، والمخدرات، وهو رقم قابل للزيادة، ولن يكون هناك تهاون مع هؤلاء"، مشيراً بذات الوقت إلى أن المطلوبين للخدمة العسكرية والفارين منها لا علاقة لهم بهذا الإجراء".
وتتمركز الحواجز الأمنية والعسكرية عند بعض مداخل المدينة، ومنها حواجز تتبع لمليشيا "الدفاع الوطني" الموالية للنظام السوري، حيث توجد منذ سنوات، وتخضع لأوامر الأفرع الأمنية، ولم يُسجل لها موقف واحد في مجال ملاحقة المطلوبين جنائياً، أو وقف حالة سرقة سيارة أو اعتداء على مواطن، بل على العكس من ذلك، يرى أهالي المحافظة أن هذه الحواجز كانت تسهل أعمال التهريب والسرقة وغالباً ما تقبض إتاوات مقابل خدماتها.
"حيلة"
وبحسب الناشط المدني "ج. ع" القاطن في مدينة السويداء، أظهرت الدوريات التي انتشرت ليلة الثلاثاء حُسن نية في التعامل مع العسكريين الفارين من الخدمة والمتخلفين عنها، وتعاملوا مع العابرين بشكل مهذب تحت ذريعة القبض على المطلوبين جنائياً.
وبيّن أن هذه الخطوات المتأخرة بالتعامل مع الخارجين عن القانون "لا تعطي أي ثقة للمواطنين، الذين يعتبرون العصابات صنيعة الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري، ولن تنطلي حيلة القانون والنظام على أحد ما دام رؤساء العصابات يتحكمون بالحياة العامة، وتهريب المخدرات لم يقف يوماً".
من جانبه، يقول صفوان الظاهر لـ"العربي الجديد"، وهو أحد الذين مروا بجانب هذه الحواجز: "تفاجأت في أثناء دخولي إلى المدينة ليلاً بعدد من العناصر الأمنية توقف السيارات العابرة وتسأل عن الهوية الشخصية والاسم الثلاثي لمن لا يحملها، والبعض يطلب تفتيش صندوق السيارة".
ويضيف الظاهر أنه اتصل مباشرة بأحد أصدقائه خوفاً من القبض عليه وسوقه إلى الخدمة العسكرية، مؤكداً أن العنصر رأى بطاقته الشخصية، وأعادها مباشرة وسمح له بالعبور.
أما الشاب "ض. ص" الفار من الخدمة الإلزامية، والذي لا يملك أي بطاقة تعرّف عن شخصيته، فقال لـ"العربي الجديد" إن عناصر الحاجز لم يوقفوه، بالرغم من عدم امتلاكه لأي وثيقة تعرّف عنه، وطلبوا منه اسمه الثلاثي ثم صرفوه.
وكانت الجهات الأمنية قد اعتمدت في السنوات الماضية على حواجز تديرها فصائل محلية موالية لها بسبب الضغوط التي كان يسببها الأهالي وبعض الفصائل والعصابات، ولا تخرج أي دورية أمنية على حاجز دون أن يرافقها عدد من الفصائل المحلية (أبناء البلد)، وحين اضطرت في العام الماضي إلى نصب حواجز مكثفة نتيجة حركة الاحتجاجات الشعبية، أحضرت أعداداً كبيرة من الجيش النظامي من مدينة دمشق، ونشرتها في المداخل ضمن تعليمات الوقوف دون التدخل مع أي مواطن، واستمر هذا الأمر لشهور، ولم تسجل حالة اعتراض واحدة.
اختبار
ويقول الناشط المدني عماد العشعوش لـ"العربي الجديد" إن هذه الحركة "بمثابة اختبار ومقدمة لعمل آخر، فالمطلوبون جنائياً تعرفهم الأجهزة الأمنية والضابطة العدلية بدقة، وتعرف أين تجدهم، ومعظمهم شركاء لهذه الأجهزة ويحملون بطاقات أمنية منها. أما هذه الدوريات، فهي محاولة لإعادة بسط النفوذ وهيبة السلطات المحلية".
ويتساءل أحد رجال الدين، طالباً عدم ذكر اسمه لـ"لعربي الجديد": "أين كانت هذه الدوريات عندما سُرقت مئات السيارات وعبرت أطنان من المخدرات وخُطف عشرات المواطنين، وهل نصدق أن هؤلاء المفسدين أنفسهم هم من سيقبضون على المطلوبين ويحاكمون".
وكان فصيل مسلح يقوده الشيخ بهاء الجمال قد استهدف في التاسع من الشهر الجاري حاجزاً قيد الإنجاز بمدخل مدينة السويداء الشمالي، وأكد في بيان نشره موقع الراصد المحلي أن "الحاجز استُهدف عند دوار العنقود بقذيفة صوتية، ونحذر قائد الشرطة واللجنة الأمنية بمحافظة السويداء من وضع الحواجز الأمنية داخل حدود المدينة مع الريف، وبحال وضع الحواجز، سنضربها بقذائف صاروخية من بعد" كما قال.
المصدر الأمني عاد وأكد لـ"العربي الجديد" أن الدوريات الليلية "هدفها فقط المطلوبون جنائياً، ولن يكون هناك موعد محدد لها، أو مكان، وستعود إلى ثكناتها نهاراً، ولهذا لن يلاحظ أهالي مدينة السويداء تحركاتها إلا في الشوارع الرئيسية ليلاً".
وكانت مدينة السويداء على عادتها شبه اليومية تشهد عدة انفجارات وإطلاق الرصاص في الهواء، ويسمع في أغلب أحياء المدينة، فيما لم تعرف مصادر هذه التفجيرات أو مطلقها، وتبقى في خانة خلق الفوضى والرعب الذي يمارس على هذه الجغرافيا منذ سنوات.